المؤتمرنت – مجلة الاقتصاد والأعمال -
خلجنة اليمن اقتصادياً في العام 2015م
بدأ اليمن باستقطاب أنظار الحكومات والمستثمرين في دول مجلس التعاون ، ولا يعود هذا الأمر إلى الفرص والموارد التي يملكها اليمن فقط ، بل إلى التحسن الكبير في مناخ الاستثمار مدعماً بورشة إصلاح شاملة -فالفرص الاستثمارية مهما كانت مغرية تفقد قيمتها من دون بيئة محفزة كما أن التبني السياسي لعملية الإصلاح الاقتصادي في اليمن يقدم للمستثمرين عرباً وأجانب دافعاً إضافياً لتحويل أموالهم إلى هذا البلد الزاخر بالفرص .
والملفت أن اليمن يتعاطى مع واقعه الراهن بشفافية مطلقة ، فتجد الحكومة تقر بوجود العراقيل والفساد بنسب معينة باعتبار أن الاعتراف بالداء هو الخطوة الأولى على طريق اكتشاف الدواء .
يضع اليمن نصب أعينه تحقيق رؤية العام 2015م والتي تمثل الأهداف التنموية للألفية والمتفق عليها في إطار الأمم المتحدة ، حيث يتوجب على كل بلد أن يحقق التطورات الخاصة به والتي تتماشى مع ظروفه والتحديات التي تواجهه .
ويشير وزير التخطيط والتعاون الدولي في اليمن – عبد الكريم الأرحبي – إلى أنه في ما يخص اليمن فأن أهم الأهداف تتمثل في تخفيض معدلات الفقر إلى النصف وتأمين الالتحاق بالتعليم الأساسي لكل أطفال اليمن ، والقضاء على الفقر المدقع المعني به فقر الغذاء - لكنه يتوقف عند أهمية العام 2015م بما يمثله من سقف زمني تم الاتفاق عليه في اجتماع قمة دول مجلس التعاون الخليجي لضم اليمن إلى المجلس .
وبالتالي نسعى للانخراط في المنظومة الاقتصادية لدول مجلس التعاون في العام 2015م.
ويضيف انطلاقاً من الأهداف الإستراتيجية تم تحديد الأهداف التنموية لليمن بمساعدة عدد من المؤسسات الدولية حيث قدرت حاجة اليمن إلى ضخ (48) مليار دولار كاستثمارات في (8) قطاعات رئيسية ستمثل قاطرة الاقتصاد اليمني .
ورشة الإصلاح مستمرة :
يخوض اليمن منذ فترة ورشة إصلاح حقيقية على جميع الأصعدة انطلاقاً من الأجندة الوطنية للإصلاح .
ويوضح الوزير الأرحبي أن هذه الأجندة تركز على قضايا الحكم الرشيد ( good governance) ومكافحة الفساد وتعزيز دور القضاء واستقلاليته وتحسين الخدمات الحكومية وإعطاء دور ريادي للقطاع الخاص في موازاة تحسين البيئة الاستثمارية وجعلها جاذبة للاستثمارات العربية والأجنبية -وهناك أيضاً توجه قوي نحو إعادة تعريف دور الدولة ووظيفتها وإعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص ، كما نعمل على تعزيز المشاركة الديمقراطية حيث قطعنا خطوات كبيرة في هذا السياق وخير دليل هي الانتخابات الرئاسية في سبتمبر المنصرم .
وإذ يدرك وزير التخطيط اليمني أن مؤسسات التصنيف الدولية تضع اليمن في مراتب متأخرة لناحية جاذبيته الاستثمارية فإنه لا يحاول طمس هذه الحقيقة ويقول " تعي الحكومة اليمنية تماماً نقاط الضعف والتحديات التي تواجهها ، ولا نحاول خداع أنفسنا بل نتعاطى مع الأمر بدرجة عالية من الشفافية بل بالعكس نقسو على أنفسنا أكثر من منتقدينا لأننا نريد تحديد مشاكلنا بدقة وإيجاد حلول لها في موازاة خلق وعي عام بالتحديات التي يواجهها اليمن وكيفية التصدي لها .
نحو مناخ استثماري جاذب :
صحيح أن اليمن نجح في الفترات الأخيرة في استقطاب رأسمال عربية وأجنبية ، إلا أن هذه التدفقات لا تزال دون الطموح اليمني .
ويؤكد الوزير الأرحبي أن العمل جارٍ على قدم وساق لتحويل مناخ الاستثمار في اليمن إلى مناخ منافس لمناخات الاستثمار في العالم العربي ، لذا تتم حالياً الاستعانة بمؤسسات دولية مثل البنك الدولي ، ومؤسسة النقد الدولية ، وغيرها من المؤسسات المتخصصة لتحسين البيئة الاستثمارية ، ويؤكد أن الهدف الأساسي يتمثل بتسهيل إجراءات الاستثمار وتبسيطها من خلال تفعيل نظام النافذة الواحدة (one . stop shop) كما تنفذ دراسة بالتعاون مع مؤسسة النقد الدولية للنظر في الإجراءات المتبعة وتشخيص الصعوبات وتطوير نظام النافذة الواحدة ، أيضاً نعيد النظر حالياً بجميع التشريعات في محاولة تطويرها وجعلها محفزة للاستثمار في موازاة العمل على إصلاح البنية المؤسسية للدولة .
وبالحديث عن مناخ الاستثمار يفصح وزير التخطيط والتعاون الدولي عن أن هناك مشكلتين حقيقيتين تواجهان المستثمر في اليمن وهما " القضاء والأراضي " حيث تم اتخاذ عدد من الإجراءات لتذليل هذه العقبات ، ويقول أنه " فيما يخص القضاء طبقنا إجراءات جادة لتعزيز سلطة القضاء واستقلاليته فبعد أن كان رئيس الجمهورية يتولى أيضاً منصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء تم تعيين رئيس المحكمة العليا رئيساً لمجلس القضاء ، كذلك تم تعيين قاض تجاري وزيراً للعدل لتطوير القضاء التجاري وبناء محاكم تجارية نموذجية - وفي إطار إصلاح القضاء تم عزل عدد من القضاة المتلاعبين وإحالتهم إلى المحاسبة بما يعكس الجدية في التعاطي مع هذه القضية .
ويتابع " أما مشكلة الأراضي فبدأنا علاجها من خلال إعادة إنشاء مصلحة الأراضي بالتزامن مع تنفيذ إصلاح شامل للسجل العقاري ، كذلك سنعيد النظر بقوانين جباية الضرائب وتخفيف العبء الضريبي على المستثمر من دون أن يؤثر ذلك على الموازنة العامة ضمن خطة شاملة لإعادة تقييم الإجهزة الإدارية ".
دعم من فوق :
يشدد الأرحبي على إن " الإصلاحات ليست إجراءات على الورق فقط إنما تطبيق على أرض الواقع -فمن السهل سّن أفضل القوانين لكن التحدي يكمن في تطبيقها ، بما يفسر قوله أن " الإصلاح في اليمن يحظى بدعم سياسي من أعلى المستويات في البلاد فالرئيس علي عبد الله صالح ليس مجرد داعم للإصلاح بل هو القوة المحركة لهذا النهج وتجده في جميع خطاباته يركز على محاربة الفساد وعلى إصلاح نظام المناقصات والمزايدات ، وتمت إعادة نظر جذرية بنظام المناقصات مع تكليفنا شركة بريطانية بدراسة النظام وتطوير أدلة العمل ووثائق المناقصات النمطية ، كما تقوم شركة أمريكية بتطوير قانون المناقصات واللوائح ، كذلك جرى إقرار قانون محاربة الفساد وقانون الذمة المالية الخاص بالمسئولين والموظفين الحكوميين .
وإلى جانب الدعم السياسي لعملية الإصلاح يبرز الاحتضان الخليجي لليمن حيث يرى الوزير الأرحبي أن اليمن خطا خطوات جبارة باتجاه تعزيز العلاقات مع دول المنطقة واصفاً قرار انضمام اليمن إلى دول مجلس التعاون بالاستراتيجي .
ويضيف " تتخذ العلاقة مع دول مجلس التعاون (3) مسارات : المسار الأول ينحصر بالتعاطي الرسمي ما بين اليمن وهذه البلدان بهدف تطوير البنى التشريعية والمؤسساتية وتمويل الأنشطة التنموية ، والمسار الثاني يتمثل بالتجارة مع تحول دول مجلس التعاون إلى شريك تجاري رئيسي لليمن ، والمسار الثالث يتمحور حول القطاع الخاص والاستثمار المشترك ، وفي إطار المسار الثالث ينعقد مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن بغرض مباشرة حوار منظم مع المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي وفتح قنوات تواصل بينهم وبين رجال الأعمال اليمنيين ، وإتاحة الفرصة أمام المستثمرين العرب للتعرف عن كثب على الجهود التي تبذلها الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار ، إضافة إلى التعرف على الفرص الاستثمارية داخل اليمن -وفي الوقت عينه فإن مؤتمر استكشاف فرص الاستثمار في اليمن يعطينا فرصة للاستماع إلى شجون المستثمرين العرب وعرض تجاربهم للإستفادة منها في عملية الإصلاح الاقتصادي .
همّ المانحين :
استضافت العاصمة البريطانية في نوفمبر الماضي مؤتمر المانحين للجمهورية اليمنية والذي شكل أكبر تظاهرة دولية لدعم اليمن اقتصادياً ، ونجح المؤتمر في جمع مساعدات مالية بلغت نحو (4.72) مليار دولار من إجمالي المساعدات .
وفي سؤال حول التوقيت الزمني لبدء تدفق هذه المساعدات إلى الخزينة اليمنية يجيب الوزير الأرحبي " هذا هو الهمّ الذي يقض مضجعي ويؤرقني هذه الأيام ، والسبب يكمن في أن نجاح المؤتمر فاق التوقعات ، وبالتالي ينظر الشعب اليمني إلى هذه الأموال باعتبارها العصا السحرية لمعالجة جميع المشاكل ، من جهتنا سنبذل أقصى جهدنا لتحقيق القدر الأكبر من هذه التوقعات ويقع على عاتقنا تحويل هذه الالتزامات إلى مشاريع تنموية على أرض الواقع .
* نقلاً عن مجلة الاقتصاد والاعمال