الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:40 م
ابحث ابحث عن:
ثقافة
السبت, 24-مارس-2007
المؤتمر نت - من احتفال الجزائر باختيارها عاصمة ثقافية 2007 طالب الرفاعي -
سبعة أيام في الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007
تواجدت، في شكل أو آخر، في أكثر من عاصمة ثقافية عربية، ومن دون الخوض في طبيعة احتفالية أي عاصمة، فإن ثلاث نقاط إيجابية يمكن تسجيلها لمصلحة مشروع إعلان العواصم الثقافية العربية، الأولى: خلق حالة ثقافية فنية تخص كل عاصمة، تتصل بجمهورها أكثر مما تتصل بمبدعيها، نظراً الى طبيعة العلاقة المرتبكة والمأزومة التي تربط المبدع العربي بالمؤسسة الرسمية الثقافية. الثانية: إتاحة فرصة اللقاء والتواصل بين مختلف الأدباء والفنانين العرب في ما بينهم من جهة، وبينهم وبين الجمهور من جهة ثانية. والثالثة: تأسيس بعض مشاريع البنى التحتية الثقافية والفنية. والأمر ينسحب على الجزائر باختيارها عاصمة للثقافة العربية للعام 2007، فمن يزرها في هذه الأيام يلحظ نشاطاً ثقافياً كبيراً، ويشهد أنشطة أدبية وفنية متنوعة.

حين وصل وفد المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إلى مطار الجزائر، كانت الشمس تميل إلى الغروب، ومباشرة أخذنا طريقنا إلى «قصر الثقافة»، لافتتاح نشاطات الأسبوع الثقافي الكويتي في الجزائر... اخترق الموكب شوارع الجزائر العاصمة مسرعاً، فكان من الصعب عليَّ أن أتملّى أي منظر، أنا الذي يزور الجزائر للمرة الأولى. ركضت عيناي تمسحان مناظر الخضرة الداكنة للجبال البعيدة، المنشغلة في عناق حميم مع سماء شعرت بها قريبة جداً، لدرجة أنه خُيل إليّ للحظة أنني لو أخرجت يدي من شباك السيارة المسرعة لأمسكت بقطعة منها. ولحظتها حدّثت نفسي قائلاً: «هذه هي الجزائر، بلد المليون ونصف المليون شهيد، بلد الثوار والشهداء والأولياء، بلد العنف الأعمى الذي أخذ في جنونه آلاف البشر الأبرياء، وترك وراءهم ذكريات أليمة لم تزل دامية». ظلت أفكاري مشتتة بين معاينة الشوارع والأبنية والناس والخضرة والغروب، وبين استرجاع معارفي وذكرياتي فيما قرأت، وللحظة عاودتني أعمال الطاهر وطار ورشيد بوجدرة وواسيني الأعرج وحرز الله بوزيد وأحلام مستغانمي، ورسوم دينية.

أعداد كبيرة من المثقفين والمهتمين ومن الجمهور الجزائري جاؤوا للمشاركة في حفلة افتتاح الأسبوع الثقافي الكويتي، ومن بينهم برز لي وجه الصديق محيي الدين عميمور، بحيويته وبسمته المعهودة، وبعد الترحيب، قال لي: «ستجد الكويت كل ترحيب في الجزائر». نظرت إليه مبتسماً، وفي اللحظة ذاتها اصطادت عيناي عيني الصديق الشاعر حرز الله بوزيد، فأسرع نحوي وقبلني بحرارة أعرفها، قائلاً: «أخيراً تقابلنا هنا»، جنّد نفسك للتعب». علّقت على جملته، فطالعني بعين عتبٍ حلوٍ، وقال: «من دون أن تطلب يا طالب».

أكثر ما يمكن ملاحظته على وزيرة الثقافة خليدة التومي، ابتسامتها وحركتها النشطة، وأحياناً نظرتها التي تشي بانشغال بالها، جاءت لتكون على رأس المشاركين في افتتاح نشاطات الأسبوع الثقافي الكويتي، وشاركها وزير الدولة وزير الداخلية، ووزير الأوقاف، وسفير دولة الكويت في الجزائر شملان الرومي وأعضاء السفارة. افتتحت الوزيرة والحضور المعارض التي توزعت بين: معرض للكتاب، ومعرض للفنون التشكيلية، ومعرض لتاريخ الحركة المسرحية، وأخيراً معرض لصور تسجل تاريخ دولة الكويت، قبل بدء حفلة الافتتاح التي أحيتها فرقة حمد بن حسين للفنون الشعبية.

برنامج الأسبوع الثقافي الكويتي الذي أعده المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وشمل إضافة إلى المعارض الدائمة، محاضرات وأمسيات شعرية وعرضاً مسرحياً ولقاءات ثقافية. وكنت رتبت حضوري لتك الفعاليات، لكنني من جهة أخرى كنت عطشاً الى التعرف على الجزائر، والتواصل مع الأدباء والفنانين الذين أعرف والذين لا أعرف. أولى رحلاتنا كانت إلى منطقة «بوإسماعيل»، لزيارة بيت ومرسم الفنان التشكيلي الطاهر ومان ومرسمه، وقد أربكني بحرارة استقباله وتدفق مشاعره ومحبته. حدّثني عن مفردات تجربته وعوالمه، معرجاً على حال التشكيل في الجزائر، ومنه إلى فيلم وثائقي بصوت الصديق الروائي أمين الزاوي. وعلى رغم أنني كنت أرى الطاهر للمرة الأولى، فإنني سرعان ما نسيت نفسي، وسرعان ما تسربت حماسة روحه الشفيفة إليَّ، ووجدتني أنهض وأقلب في لوحاته وألبوماته، وأخطو في مرسمه وكأن خطوتي تحفظ موطئها. وكان لا بدَّ لي من أن اقتني لوحة من الطاهر ومان، ما يعني حضور بعض الجزائر في بيتي وأمام عينيّ وقلبي.

الصديق الشاعر حرزالله، مدخن شره، يشعل السيجارة من سابقتها، وحين أعترض أنا، يلوح طيف وجع على صفحة وجهه وصوته، يرد بطيبته: «يا طالب...، ليس أقل من أن ننفخ دخان قلوبنا».

لمنطقة «تيبازة» وجوه كثيرة، فهي مدينة أثرية، ومدينة ساحلية ساحرة، ومدينة عشاق حالمين. واكتشفت وجهاً آخر لها، حين اجتمعت بأصدقاء «جمعية فنون وعروض ولاية تيبازة». حمل اللقاء بوحاً حميماً بينهم وبيني، وسط ترحيب ومودة ظاهرة، خصوصاً أن اللقاء شمل معرضاً تشكيلياً، بحضور الفنان محمد بكرش بلحيته الكثة ونظراته الخجلة، وهو اصطحبنا إلى بيته، لاكتشف مرسماً أقرب إلى مشروع متحف. زيارة الوفد للمكتبة الوطنية، ولقاء مديرها الشاعر أمين الزاوي بترحيبه الدافئ، ومصاحبته لنا في الجولة، أكدت تأصل حب الثقافة والعلم لدى الجزائريين، فالمكتبة عامرة بمرتاديها من مختلف الأعمار.

الطاهر وطار أحد وجوه الجزائر الروائية التي أغنت بنتاجها الساحة الروائية العربية. رجل تشعل العزيمة قلبه، ويدفعه إصراره إلى النحت بالحجر، وهذا ما عمله في تأسيس «الجاحظية» وهذا ما هو سائر عليه. استقبلني في بيته بلباسه التقليدي وقبعته المميزة، وعندما جلسنا سألني عن أصدقائه في الكويت، وعن المجلس الوطني. تحدثنا في أمور كثيرة، وحين نهضت لأودعه، قدم لي دعوة للتحدث في ملتقى الجاحظية، وما كان لي أن أردّ دعوته الكريمة.

حين زرت مقر اتحاد الكتّاب استقبلني الروائي عبدالعزيز غرمول رئيس الاتحاد، وأخذني في جولة على مرافق الاتحاد وهي تحت الإصلاح والترميم والتجديد، وأفاد بأنه والأصدقاء عازمون على تفعيل الاتحاد وإلباسه حلة جديدة، وجعله بيتاً لجميع المبدعين الجزائريين.

وزارة الثقافة الجزائرية احتضنت، بالتنسيق مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، نشاطات الأسبوع الثقافي الكويتي باهتمام وحفاوة وكرم، وبحضور لافت لجمهور الثقافة الجزائري، الذي يبدو الشباب السمة الغالبة عليه. سبعة أيام كانت أقل بكثير من أن نرى فيها الجزائر، فهي بلد يحتاج إلى عمر مديد يليق به. لكنها الجزائر التي تضج بحيواتها طبعت حبها على لحم القلب.

الساحة الثقافية الجزائرية، وكأية ساحة ثقافية عربية، تعيش وقع علاقاتها الخاصة المتلاقية أحياناً والمتنافرة أحياناً أخرى. ولكن ما يجب الاتفاق عليه هو أن الجزائر عاصمة الثقافة العربية للعام 2007 تعيش حالة ثقافية وفنية متوهجة، وما أحوج رموزها وتجمعاتها إلى التواصل والتعاون فيما بينها، ما أمكن، واستثمار الأجمل في هذه الفرصة إلى مداها الأبعد. الحياة




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر