لي هاملتون -
متى يوحد الأميركيون صفوفهم تجاه العراق؟
حدد الرئيس الأميركي جورج بوش موقفه فيما يتصل بالعراق في شهر يناير الماضي، وها هو مجلس النواب الأميركي أيضاً وقد حدد موقفه هو الآخر للتو. وتشير الخلافات العميقة بين هذين الموقفين إلى التعثر البادي على قياداتنا السياسية في هذا الأمر. وبالنتيجة فقد غابت بينهم وحدة المسعى والجهد. لكن على رغم ذلك، سيبقى الرئيس وكذلك أعضاء الأغلبية "الديمقراطية" في الكونجرس، في مناصبهم الحالية، لمدة تقارب العامين. ومن ثم فلابد للرئيس وأعضاء هذه الأغلبية من التوصل إلى إجماع ما، لتوحيد جهودهم خلال الأشهر القليلة المقبلة، وإلا فستكون الخيبة مصيراً حتمياً لكل ما بذلناه في العراق حتى الآن. ومن جانبه، فقد ازداد غضب الشارع الأميركي إزاء هذه الحرب. ولم يعد خفياً تطلع الرأي العام الأميركي إلى انسحاب مسؤول لقواتنا المرابطة في العراق الآن. وفي رأيي أن خطط مجلس النواب الخاصة بالإنفاق التكميلي على الحرب، ترسم الخطوط العامة لمخرج كهذا. وبالمثل تفعل عدة مقترحات لا تزال قيد النظر والمناقشة داخل مجلس الشيوخ. ولكي يتقدم كل من الرئيس والكونجرس خطوة إلى الأمام في هذا الاتجاه، فإن عليهما أن يكونا شريكين وليسا عدوين متخاصمين حول الهدف أو الغاية ذاتها.
وفي يقيني أن من شأن استراتيجية الضغط المستمر على الحكومة العراقية، وحثها على الدفع قدماً بخطى المصالحة الوطنية، وبسط الأمن وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، توفير أفضل فرصة لحفز الاستقرار هناك. ورغم جرأة وضراوة أداء قواتنا في المواجهات والعمليات الميدانية الجارية منذ الاحتلال وإلى اليوم، فإنه لن يكون في وسع قواتنا تحقيق الأهداف المرجوة لهذه العمليات، لأن ذلك من شأن العراقيين وحدهم. وكما قال بوش في خطابه الذي وجّهه للشعب الأميركي بهذا الخصوص، في العاشر من شهر يناير المنصرم، فإن العراقيين وحدهم، هم القادرون على وضع حد للعنف الطائفي الدائر في بلادهم، وتوفير الأمن والطمأنينة لشعبهم.
وتحقيقاً لهذه الغاية، فإن في تشريع مجلس النواب ما يضع الخطوات الأولى التي ينبغي على الحكومة العراقية اتخاذها. وليست هذه الإجراءات والمعايير بجديدة على أي حال. وقد حظيت باتفاق واسع عليها، من قبل كل من البيت الأبيض والحكومة العراقية، تماماً مثلما هو الاتفاق على الموعد الزمني المحدد لإكمالها. غير أن المسألة المطروحة الآن في هذا الصدد، هي اشتراط التنفيذ دائماً بالدعم الأميركي. وليست هذه هي المرة الأولى التي يخفق فيها العراقيون في الوفاء بما وعدوا به في الموعد المحدد للتنفيذ. ولذلك فقد تم تمديد الموعد أكثر من مرة، بينما تصاعد أكثر فأكثر الدعم السياسي والاقتصادي الأميركي المقدم للحكومة العراقية!
غير أن التشريعات الجديدة التي تبناها مجلس النواب، تكسر هذه الدائرة. ذلك أن إلزام المجلس للرئيس، بتقديم تقرير دوري للكونجرس عن العراق، سيوفر الآلية اللازمة لرصد التقدم في أداء الحكومة العراقية. وإذ ربط مجلس النواب استمرار الدعم الأميركي للعراق –بما فيه استمرار وجود قواتنا هناك- بمعايير ومستوى أداء العراقيين، فقد استخدم أقوى الأدوات الرافعة، الكفيلة بإرغام القادة العراقيين، على الوفاء بما قطعوه على أنفسهم من التزامات.
ووفقاً لهذه التشريعات، فقد حدد المجلس عام 2008، كحد زمني لمغادرة القوات الأميركية للعراق. كما حدد الاتجاه العام الذي يجب أن تنحوه السياسات، مع ترك جانب التطبيق والتنفيذ للإدارة. أما القوة التي خولها مجلس النواب للرئيس، فتوفر له قدراً عالياً من المرونة المطلوبة لحماية المصالح القومية الأميركية، بواسطة وجود عسكري كبير لقواتنا في المنطقة. ويخول التشريع الرئيس، بإدارة الحرب واتخاذ القرارات الخاصة بمستوى القوات اللازمة لحماية جنودنا ومواطنينا المدنيين في العراق، إلى جانب القيام بعمليات مكافحة الإرهاب وتدريب قوات الأمن العراقية. وميزة هذا الانتقال أنه مرن وليس جامداً ومحدداً، كما أنه يتسم بالمسؤولية وليس نقيضها. وحتى في النصوص التي كانت أكثر تأكيداً وإبرازاً لدور الكونجرس فيما يجري، فإن المحددات الخاصة بمعايير الأداء العراقي، ومدى استعداد الوحدات العسكرية الأميركية، إنما خولت للرئيس، ولا يزال له كامل التفويض في رفع القيود المفروضة على نشر عدد ومستوى القوات الأميركية المطلوبة. ويتعين على الرئيس الحفاظ على هذه المرونة والصلاحيات المنصوص عليها، بصفته قائداً أعلى للجيش.
بيد أن ثمة كثيراً مما لا يزال قيد الإنجاز والعمل. ويقيناً فإنه ليس بوسع زيادة قواتنا هناك، بسط الأمن والاستقرار المطلوبين في العراق. ولن يحقق هذا الهدف كذلك، مجرد تسليط الاهتمام كله على مستوى استعداد الوحدات الأميركية، ولا على شرط استمرار الدعم الأميركي. ذلك أن المطلوب لتحقيق هذا الهدف بالفعل، هو رفع مستوى اشتباكنا السياسي والاقتصادي والدبلوماسي مع العراق. وقد أحسن قرار مجلس الشيوخ صنعاً، بتأكيده على أهمية تبني منحى دبلوماسي شامل، لحل كافة أزمات المنطقة الشرق أوسطية. أما مساعي الإدارة لإجراء محادثات مشتركة مع كافة جيران العراق الإقليميين، بمن فيهم سوريا وإيران، فتشكل خطوة إيجابية صحيحة في هذا الطريق. وفي سبيل الوصول إلى نتائج مرْضية ومسؤولة لهذه الحرب، فإنه تقع على عاتق قادتنا مسؤولية توحيد صفوفهم وكلمتهم. وهذا يحتم عليهم التوصل لإجماع ثنائي حزبي مشترك على ما يجب القيام به في العراق، فضلاً عن استقطاب الرأي العام وحشده وراءهم. وما من وسيلة أفضل لإحراز التقدم في العراق، من أن تتحد كلمة وجهود القادة الأميركيين أولاً.
ـــــــــــــــــــــــ
نائب "ديمقراطي" سابق من ولاية إنديانا 1965-1999 ورئيس مشارك لـ"مجموعة دراسة العراق"- وجهات نظر