المؤتمرنت- بقلم : أ.د-محمد بن حمود ألطريقي -
كأس التأهيل العربي أمام قمة الرياض.!
كلنا يعلم أن الصعود لا يكون دائماً إلى القمة، فقد يكون في مرات كثيرة أقرب إلى الهاوية ، كأن يصعد أحدهم إلى أعلى المنبر ليعلن انهزامه، أو يصعد إلى أعلى مستويات ومراتب السلطة ليدخر نفوذها لما يخدم مصالحه الشخصية، دون اعتبار للمصلحة العامة.
لقد دفعني لهذا الحديث تلك الدقائق الضيقة التي عشتها من ارتجال أحدهم، وهو يحاول الصعود إلى الهاوية، فبعد أن اتسعت لي رحاب قصر الإمارات في العاصمة الإماراتية (أبوظبي) وأنا أقف متحدثاً عن واقع الإعاقة والتأهيل في الوطن العربي بين تغييب الإرادة وضياع الملامح، ملبياً الدعوة التي وجهت لي للمشاركة في مؤتمر أبوظبي الدولي لذوي الاحتياجات الخاصة، شعرت استحسان الحاضرين وردود أفعالهم التي فجرت براكين الاحتقان من واقع المعاناة التي يعيشها ذوو الاحتياجات الخاصة في الوطن العربي والمتعاملون معهم، والقائمون على شؤونهم ، ولعل مرد فك هذا الاحتقان كان الواقعية التي يسرها الله وفتح بها عليّ وأنا أتحدث عن هذا الواقع الذي حمّلت الإرادة السياسية العربية مسؤوليته الأولى، بعدما فندت مراسم الإعلام المأجور الذي يرمم أوجاعنا بمزيد من الألم ، وطالبت بتوحيد الرؤى العربية ، والاتفاق على النهج العربي، والانسجام في الآليات العربية ، والارتباط في الهدف العربي الواحد، من أجل النهوض بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة في المنطقة العربية، فتحضر الإرادة .. وتظهر الملامح.
بعد كل هذا وذاك، لم يوفق أحد الإخوة المشاركين عندما تحدث بعدي في موضوع غاية في الاختصاص، ليتوقف فجأة أثناء حديثه، ويعلن أنه ليس مثلي في التشاؤم .. إنه متفائل وينظر إلى النصف الملأى من الكأس، في حين يرى هو أني أنظر إلى النصف الفارغ من الكأس.
وبما أن الحديث يخرج عن سيناريوهات اختلاف وجهات النظر على المستوى الشخصي، ويتعدى ذلك نحو القضية العامة في واقع الإعاقة والتأهيل في الوطن العربي، لذا فإني أجد من الضروري أن أضع القارئ العربي ومن خلال صحافتنا الحرة ببعض التأكيدات الواجبة.
التأكيد الأول : هو أني لا أنظر إطلاقاً إلى النصف الفارغ من الكأس، والسبب في ذلك أني لا أرى الكأس أصلاً !! أي أنه لا توجد استراتيجيات حقيقية لقضايا الإعاقة والتأهيل في الوطن العربي تستحق التمحيص أو التمييز بين فارغ ومليء ، وآسن ومتحرك.
التأكيد الثاني: أن النصف المليء الذي يراه أخي المحاضر الكريم لا يتعدى كونه صدى لأبواق إعلامية عاقرة، غير قادرة على إنجاب الحقيقة وملامحها، بل هي تدعي الحمل والإنجاب، ولكن لن تلد يوماً حقائق قابلة للتسليم.
التأكيد الثالث: أن خسارتنا لرهان الأولويات الإنسانية في عملنا العربي جعلنا نشعر بهزيمة داخلية، تسارع بعض الحكومات العربية إلى دفع هذه الهزيمة عنها بتشريعات معطلة،أو بقوانين وأنظمة قابلة للتجاوز.
التأكيد الرابع: أن الوعي العربي العام اصبح أكثر ازدهاراً في مختلف المناطق العربية، إما بسبب نهج الحكومات والأنظمة العربية أساليب المكاشفة الإعلامية والوضوح الذي ترسمه حريات التعبير ، أو بسبب ثورة الاطلاع على خزائن الأنظمة والتجارب العالمية.
أما التأكيد الخامس: فهو أن حاجتنا إلى المكاشفة اليوم في كل قضايانا العربية، وفي مقدمتها قضايانا الإنسانية التي تحتاج إلى فك الارتباط المشوه مع القضايا السياسية، لم تعد خياراً بل أصبحت واجباً يتطلب مساهمة الجميع به، دون تفريط في المكتسبات أو تعدٍ على الأصول والثوابت.. وفي هذه النقطة بالذات تستطيع يا أخي أنت وأنا وكل عربي، أن ينظر إلى الكأس من الجهة التي يريدها، مع التأكيد أن المحاباة هي نظر إلى النصف الفارغ، والمجاملة السياسية هي نظر إلى النصف الفارغ ، وإغفال الواقع وغض الطرف عن أزمته الإنسانية هو نظر إلى النصف الفارغ .. أما إذا أردت النظر إلى النصف المليء من الكأس، فعليك الإيمان أولاً بأن النظام الذي تعيش في كنفه نظام حر، لا يرضيه التزلف، ولا تقنعه الأوهام، ثم بعد ذلك عليك أن تقول الحقيقة التي هي اشتقاق الحق، وعندها ستجد الكأس كله مليء .. وكل هذا وذاك إن كان هناك كاس أصلاً !!
وآخر التأكيدات وهو التأكيد السادس : أن كأس التأهيل العربي تحاصره الأنصاف الفارغة من جهة، والإعلام العاقر من جهة أخرى .. وهذا التأكيد أضعه ويضعه معي المعنيون بقضايا الإعاقة والتأهيل على مائدة القمة العربية المنعقدة حالياً في الرياض، على أمل أن تحظى قضايا الإنسانية بأولوية واهتمام، ولو إلى حد نصف ما تحظى به القضايا السياسية ، فهل ستكون قمة الرياض إعلان عن ولادة إنسانية قضايانا العربية ؟ .. هذا أمل معقود وهذه أمنيات وطموحات مشروعة.
* خبير دولي في الإعاقة العربية والتأهيل الشامل