بقلم: محمد مصطفى علوش - المرامي السعودية من تأجيل الأزمة اللبنانية لما بعد القمة كلام الأمين العام لجامعة الدول العربية "عمرو موسى" ووزير الخارجية السعودي الأمير "سعود الفيصل"، أن الجهود العربية لحل الأزمة في لبنان ستعاود فور انتهاء القمة استبعاداً لطرح هذا الموضوع بين الزعماء العرب وسوريا يطرح أكثر من تساؤل حول تأخير طرح الحل للأزمة القائمة لما بعد انتهاء القمة العربية وخصوصا أن اللبنانيين جميعا كانوا يراهنون على القمة لحل هذه الأزمة. بل ان الموالاة والمعارضة عمدت الى تصعيد الازمة التي كانت ساكنة عقب القمة السعودية الإيرانية ، حيث توتر الخلاف مجددا بين الموالاة والمعارضة بعد ان كان هناك شبه هدنة غير معلنة بين الطرفين عقب القمة الإيرانية السعودية من خلال دعوة الأكثرية نوابها للإعتصام كل ثلاثاء في مجلس النواب وقد بلغ التصعيد الذروة من خلال تشكيل وفدين رسمين الى القمة على غرار مع حدث في قمة الخرطوم السنة الماضية.
وإذا كان هذا التصعيد المتبادل بين الموالاة والمعارضة الهدف منه هو طرح الموضوع اللبناني بقوة على دول القمة بحيث يحاول كل فريق ابراز وجهة نظره في محاولة لكسب مواقفهم ، فلماذا تم اتخاذ هذا القرار الذي صرح به الوزير السعودي سعود الفيصل؟
قد يذهب البعض الى ان تأخير السعي في حل المشكلة اللبنانية لما بعد القمة يعود للملاحظات التي أوردها الرئيس "إميل لحود" على ورقة "التضامن مع الجمهورية اللبنانية" التي أقرها وزراء الخارجية العرب حيث اعتبرها تجاوزت حق المقاومة والتحرير والإفراج عن الأسرى، إضافة إلى الخلاف على شرعية الحكومة وآلية المحكمة ذات الطابع الدولي وهو الذي لم يبد هذه الملاحظات على نص القرار عندما صدر قبل نحو 23 يوماً.
فالرئيس لحود بناء على رأي هؤلاء حاول عرقلة القمة من اتخاذ اي موقف تجاه لبنان لا يتفق مع رؤيته وخصوصا ان مصادر دبلوماسية مطلعة أكدت أن وزراء الخارجية العرب المشاركون في المؤتمر أصيبوا بالذهول لمّا أطلعهم الأمين العام عمرو موسى على موقف رئيس الجمهورية المفاجئ على الورقة ، الأمر الذي دفع السنيورة بالموافقة على تعديل بعض الملاحظات الشكلية لرئيس الجمهورية على ما ورد في القرار حول التضامن مع لبنان ، وان هذه العرقلة من لحود نجحت بتعليق القرار المتعلق بلبنان وإحالته إلى القمة بعد اتصالات شارك فيها سعود الفيصل وعمرو موسى.
لكن في الحقيقة يبدو ان هذا التوجه الذي في جوهره هو موقف سعودي مصري لا يعدو اتخاذه يعود للإحتمالات التالية :
رغبة سعودية بفتح صفحة جديدة مع سوريا خصوصا بعد الوساطة المصرية بين البلدين التي كانت ثمرة زيارة نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الى القاهرة والتي كانت زيارته عبارة عن اعتذار سوري ورغبة في معالجة الموقف . وقد بدا ملاحظاً من خلال الاحاديث الصحافية المتعددة للرئيس السوري إلى وسائل إعلام عربية وغربية أنه يريد إرسال إشارات إلى السعودية بقصد "تطرية الأجواء" معها عشية مشاركته في القمة.
كما أن السعودية ترغب بعودة سوريا الى الحضن العربي وترتيب البيت العربي بوجه المخاطر الخارجية لا سيما الناشئة من ناحية عن الفوضى الكبيرة في العراق والتي عجزت الولايات المتحدة عن ضبطها منفردة ومن ناحية أخرى عن النزاع القائم الآن بين ايران والمجتمع الدولي والذي قد يتطور الى مواجهة عسكرية تجعل المنطقة برمتها على فوهة بركان يغلي، فضلا عن النفوذ الإيراني المتزايد في المنطقة وقدرته على التحكم بحركات وأحزاب عربية كحزب الله وغيره . وبناء عليه فمن مصلحة السعودية التي بدأت تأخذ دور مصر تدريجياً في زعامة الدول العربية ان تعتبر عودة علاقاتها مع سوريا أولوية على أي امر آخر لتفادي مشاكل جمة قد تتفاقم مع بقاء سوريا في الحضن الإيراني.
لا يعني هذا ان السعودية أشاحت بوجهها عن حل القضية اللبنانية او تركتها للداخل اللبناني الذي عجز حتى الآن عن حلها، وهي التي نشطت دبلوماسيتها أخيراً بشكل ملفت مع أطراف النزاع اللبناني وقد حاولت الإنفتاح على حزب الله من خلال دعوة نائب الامين العام للحزب "نبيل قاسم" للسعودية كما وطدت علاقاتها بـ"نبيه بري" زعيم حركة أمل حتى أصبحت السعودية على نفس المسافة من أطراف النزاع جميعاً.
فما هو واضح للعيان أن التعامل السعودي مع الوفدين اللبنانين الرسميين الى القمة لن يكون كما كان الحال عليه في التعامل السوداني معهما خلال القمة السابقة في الخرطوم ، حيث ان السعودية تملك نفوذا أكبر من السودان في لبنان وهي بدورها تريد بجدية ان تصبح الراعية للسيادة اللبنانية من خلال انفتاحها الأخير على اطياف المعارضة دون استثناء. وقد حاولت أكثر من مرة خلال الفترة الماضية وعبر سفيرها في لبنان "خوجة" ان تجري تقارب ما بين الموالاة والمعارضة .
فبظل ما يعرف عن الملك "عبد الله بن عبد العزيز" عن طرحه الدائم لمبادرات ومساع لتسوية الأزمة في لبنان والعراق بعد النجاح في تسوية الأزمة بين "حماس" و"فتح" في فلسطين يبدو ان من المرجح ان يعمد العاهل السعودي "لدعوة أركان الأكثرية والمعارضة لزيارة الرياض وحضور أعمال القمة كضيوف، على أن يصار بعدها وعلى هامشها إلى عقد لقاءات كانت اقترحتها المملكة سابقا في إطار ما عرف بلقاء "مكة 2" على غرار اللقاء الفلسطيني الذي أقر حكومة وحدة وطنية فيما بعد"، إلا أن بعض المراقبين يرون أن "العقبة أمام هذا الاقتراح تصطدم إلى الآن برفض قطبين أساسيين في الأكثرية هما "وليد جنبلاط" و"سمير جعجع" في حين كان المعارض المسيحي العماد "ميشال عون" طلب زيارة السعودية في اشارة منه الى قبول الى تسوية تتقدم بها الدول السعودية.
*كاتب ومحلل سياسي لبناني
|