محمد حسين العيدروس -
القمة العربية ومسؤولية المجتمع الدولي
أقل وصف تستحقه قمة الرياض هو أنها قمة تحدي، وذلك لأن الملفات التي يحملها الزعماء العرب إلى هذه القمة هي ملفات ساخنة، ومتشابكة، وتعكس آثارها على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص وعلى العالم عموماً، بدءاً من القضية الفلسطينية، التي ما زالت تمثل محوراً مركزياً لأي تطلعات للسلام الدولي، وما زالت أيضاً تفرض معادلاتها وحساباتها على منحى العلاقات الدولية للعالم العربي والإسلامي مع بقية أرجاء المعمورة، بفعل المواقف المبنية على أساس تطوراتها، فإن أضواء كثيفة ستسلطها القمة على مستقبل المنطقة في ضوء التهديد الإسرائيلي القائم الذي يصر على رفض كل مبادرات السلام، والتخندق خلف ترسانته الحربية ليشكل أحد أهم مصادر التهديد للأمن والسلام العربي والدولي.
ومن الملف الفلسطيني إلى الملف العراقي الملتهب، وما آلت إليه أوضاع هذا البلد الشقيق عقب الإحتلال من صراعات دامية ومأساة إنسانية حقيقية، فإن قمة الرياض ستضع نفسها أمام مسؤولية الموقف الذي من شأنه مساعدة الشعب العراقي في الخروج من حمامات الدماء، والتحرر من سطوة الاحتلال، وإرساء قواعد الحياة الآمنة.. ولا شك أن الأمر لن يقل أهمية وخطورة عندما يتعلق بملفات عربية أخرى كالوضع اللبناني، والأزمة السودانية، والصراع الدامي بين الفصائل الصومالية.
إن واقع التحضيرات والتصريحات التي أدلى بها القادة العرب قبل موعد إنعقاد القمة تؤكد جميعها أن التطورات التي تشهدها المنطقة العربية باتت وضعاً مقلقاً للجميع، ومهدداً لأمن وسلام جميع الدول العربية وشعوبها، وان القادة العرب حريصون هذه المرة أكثر من أي مرحلة سابقة على الخروج بمواقف، أو رؤى واضحة وجريئة يأملون منها تجاوز حالة التوتر والقلق الأمني، والالتفات الى المستقبل التنموي لبلدانهم التي تأثرت جميعها بما هو كائن حالياً في العديد من البؤر الساخنة.
لكن يبدو واضحاً أن القضايا المطروحة على أجندة قمة الرياض هي ليست بالقضايا السهلة.. كما أنها ليست بالقضايا التي يكون فيها العرب هم الطرف الوحيد المسؤول عن بحث حلولها، بقدر ما أن المجتمع الدولي -هذه المرة- يمثل أحد أطراف العلاقة المسؤولة عن رسم خارطة الطريق الآمنة لمخارج تلك الأزمات.
وبالتالي فإن هناك طرفاً إسرائيليا وأمريكياً وأوروبياً على صلة مباشرة بتحديد مستقبل الساحة الفلسطينية، ولا بد لهذه الأطراف من تفاعل مع المبادرات السلمية العربية - التي من بينها مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي سبق لليمن أن أعلنت تأييدها لها - وكذلك التفاعل مع أي مبادرة أخرى قد يتفق الزعماء العرب على رسم خرائطها في قمتهم الحالية.. خاصة وان مسألة أمن وسلام الشرق الأوسط مرتبطة بقوة بإيجاد حلول عادلة لقضية الشعب الفلسطيني، ومعاناته الإنسانية اليومية.
وإذا ما تداولت القمة العربية الشأن العراقي، فإن هناك طرفاً أمريكياً يحتل هذا البلد، وهناك دول أخرى لديها قوات على أرضه أيضاً، وبالتالي فإن المسؤولية التي يتبناها القادة العرب في إعادة السلام للساحة العراقية هي بالمقابل مسؤولية دولية ينبغي على أطراف العلاقة التعاطي معها بجدية، ومن واقع المأساة المنظورة في وقتنا الحاضر وأهمية إنهائها لأن الوضع المأساوي بات أكبر من أن تجرؤ على الحديث عنه أي دولة متقدمة ترفع شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية، وغير ذلك من التعابير التي تتداولها الدول الكبرى وتسقطها على البلدان النامية والفقيرة من غير اكتراث لإسقاطها على نفسها، وعلى أرضية كل واقع..!
وعلى نفس السياق نجد أن الحال في السودان ولبنان والصومال كله يطرح اطرافاً دولية ذات علاقة بواقع الأزمات الحاصلة.. وإذا لم تكن ذات علاقة مباشرة فإنها متأثرة بشكل أو بآخر بالأحداث، الأمر الذي يجعلها مسؤولة في التعاطي مع أي مخرجات متوقعة أن تنبثق عن القمة العربية في الرياض.. وطبقاً للفلسفات الحديثة التي تمثل العصر بالقرية الكونية، فإن المصالح المتشابكة لدول العالم المختلفة، وانصهار الحدود الجغرافية للقارات والأقاليم بفعل تقنيات المعلومات العصرية كلها تجعل من التوتر وعدم الاستقرار حالة يمكن تشبيهها بالحالة الفيروسية التي تستطيع التنقل والتفشي دون أن تمنعها حدود.. فالتجارب السابقة أثبتت للعالم أن واقع بعض البلدان الفقيرة، وعدم الاستقرار فيها قد تطور الى حالة عنف عبرت القارات وتسببت بكوارث إنسانية للأبرياء.
ومادام الموقف العربي جاداً في التوصل إلى خرائط صنع السلام الدولي، ويعقد قمته اليوم في مسعى جاد وصادق لذلك، فإن المسؤولية تقع على جميع المجتمع الدولي في الأخذ بالمبادرات المخلصة، والتفاعل مع الدعوات الصادقة، والتجاوب مع المطالب المشروعة.. فليس في غير ذلك من فرص أخرى للتعايش السلمي لشعوب العالم..!