ألان بورديك - ترجمة- عماد طاهر -
اليمن: سقطرى الأرض المعجزة
تقع جزيرة سقطرى على بعد (250)ميل من الشواطئ اليمنية ، وتعد جزيرة سقطرى أكبر الجزر اليمنية وواحدة من أربع جزر يمنية قريبة للقرن الإفريقي من خليج عدن .
جزيرة سقطرى هي المكان الوحيد الذي يوجد فيه تسعة أنواع من الأشجار النادرة .
ونحن في الجزيرة قمنا بجولة إلى غابة أشجار البخور كانت الطريق وعرة استقلينا سيارة لاندكروزر وكنت اجلس في المقعد الأمامي كنا نتخطى أكواماً صخرية في طريقنا وكان أحمد يعمل لدينا كدليل سياحي وكسائق أيضاً كانت الإطارات تصارع الطريق كرجل متعهد بنا توقفنا أخيراً بعد (90) دقيقة بعد أن قطعنا حوالي أكثر من خمسة أميال .
توقفنا في مكان مرتفع يشرف على مجرى نهري كانت مياهه مثيرة وكنا نرى أسفل منا صخور الصوان الغير مصقولة وكأنها تقذف بأحجار الجير الحادة ، وكانت هناك أشجار قصيرة وكثيرة العقد تبدوا كأنها محاطة بالميسكوبت .
اقترب أحمد من أحدها وأشار الكهرمان الذي ينزل من حفرة تنز من جذعها وكان هذا الذي ينز منها هو جوهر البخور .
لم يكن لدي أي فكرة واضحة عن هذا البخور في تلك اللحظة التي رأيته ينحدر من تلك الحفرة التي في الشجرة حتى وضح ذلك لي أحمد .
تناولت شيئاً من هذا الذي ينزل من الحفرة واستنشقت عطره الأنيق ، ثم تذوقت بعض منه فأنساني عطره عناء السفر في لحظة قصيرة وتحت الشمس اليمنية الحارة تذوقت طعم عيد الميلاد.
وعندما كانت الأرض محتشدة بالنباتات العظيمة انضممنا بمعظم أشكال الحياة الرئيسية إلى (250) سنة من العهد القديم أو أكثر من ذلك مرت أمامنا كومضة في بعض نشوة امام أعيننا – تبقى سقطرى بالفعل كجزيرة فريدة من نوعها كانت منذ تلك السنين مكان تجمع الطيور والبذور والحشرات ومجموعة الكائنات الحية الفريدة في العالم بالإضافة إلى البخور .
سقطرى هي موطن أشجار المر وأنواع الطيور النادرة المعروفة بعيشها البحري والتي هي أنواع هجينة فريدة من البحر الأحمر والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي .
في عام 1990م أجرت مجموعة من علماء الأحياء مسحاً في الجزيرة وأحصت ما يقارب من (700) نوع مستوطن من النباتات والحيوانات ، لا توجد في أي مكان على الكرة الأرضية الا بعض منها في جزيرة هاواي وجزيرة جالا باجوس أعداد قليلة رائعة .
بدأت سقطرى مؤخراً بجذب أنواع السياح الأجانب الجدد كلياً .
بني فيها مطار متواضع في عام 1999م من قبل الحكومة كنت تصل إليها بسفن شحن من شهر مايو الي سبتمبر عندما يهدئ هبوب الرياح الموسمية على البحر ، كان يزورها من قبل في العام (140) زائر أما في السنوات الأخيرة فقد بلغ عدد الزوار في السنة أكثر من 2.500 زائر ، ويوجد في الجزيرة أربعة فنادق فقط ومحطتان بترولية وحفنة من المراحيض المتدفقة وكأنها فيضان .
هم أو بالأصح نحن تكونت لدينا تجربة مدفوعة من قبل برنامج خطة الأمم المتحدة للتنمية ، اختيرت سقطرى كمكان سياحي رغم منتجعاتها القليلة وفنادقها المملوكة لناس محليين كأرض تخييم في الشاطئ .
إنها جميلة بالنسبة إلينا لندرة السياح البيئيون الذين هم قليلون ويجتازون الصعاب للوصول إليها والذين يأتون بتلهف ليرون الطائر المغرد ، والسلحفاة ذات الرأس الضخم ، وشجرة التنين ( دم الأخوين ) وأشياء عديدة التي لها انعكاساتها الخاصة في الجزيرة.
كان حجم الجزيرة صغير والتي لا يمكن أن تتجول فيه بدون أن تستأجر سيارة وتأخذ دليل سياحي ، لأنه لا يوجد خريطة للطرق ولا أشارات على الطرق إن أول طريق عبدت من قبل الحكومة اليمنية منذ سنتين عريضة ومفتوحة يمتد المنظر الطبيعي على طول هذه الطريق عبر الجزيرة وليس هناك نقطة مرورية .
هناك طريق جديدة أظهرها أحمد في برنامج الأمم المتحدة لتطوير وحماية أرخبيل سقطرى فالتجربة تختلف كثيراً عندما تقضِ (45) دقيقة في طريق مقابل ثلاث أو أربع ساعات .
سألني بول كشولت – المستشار الفني للبرامج في صنعاء عاصمة اليمن ( إن الفهم الكامل للجزيرة ناشئ عن التغيرات للطريق ) وهي مسألة تعيين المكان الملائم .
هل سيناقش برنامج الأمم المتحدة لتطوير وحماية أرخبيل سقطرى لإقناع الحكومة بأن لا تعمل طريق على امتداد الخط الساحلي إشارة منه إلى أنها محمية طبيعية .
إنه من العدل أن تقول أن مستقبل سقطرى ربما يقرأ في خطوط طرقها كم عددها ، كم عرضها إلى أين تمتد وكيف تشجع الآخرين إلى السفر إليها .
حدثني أحمد عن هذا الشاطئ بأنه يمكن أن يرصف مؤخراً فوميض ماءه الأزرق ورمله الأبيض الذي يشبه الطحين جميل جداً ،على مد البحر هناك شبح سرطان بحري ينقل خطاه بحذر ويلقي نظرة خاطفة من فوق الماء كمناظير توأمية انجرف من قبل تيار من الماء إلى المياه الضحلة شاهدته وشاهدني دفن نفسه في الأرض الرملية .
أن زوار جزيرة سقطرى نصفهم إيطاليين حسب قول كشولت فيما يبدوا أنهم مهتمين بشكل رئيسي بالشواطئ ويأتي الإيطاليين إليها لأنها جديدة ورخيصة وليس لخصوصيتها، على العكس من ذلك هم الفرنسيون والألمان الذين يأتون إليها لخصوصيتها وللتجول فيها ويزورونها كمحمية طبيعية يستأجرون الجمال ويقضون عدة أيام في الارتجال على مجموعات عبر السلاسل الجبلية المرتفعة في مركز الجزيرة .
أما بالنسبة للأمريكيين – حسناً – كان هناك العديد منهم يمكن ان تفهم ذلك أن هذا البلد العربي المحافظ يبدوا أنه الاختيار الأول لقضاء العطلة برغم أن هذا البلد هو الذي قامت القاعدة في عام 2000م بتفجير الناقلة كول فيه وفي عام 2006م قام بعض من رجال القبائل بخطف مجموعة من السياح الفرنسيين ونظراً لبعض المنازعات إلا أن سقطرى تبقى بعيدة عن هذا كله .
تبدوا سقطرى وكأنها تتبع خطوات جزيرة جالاباجوس على أيه حال تبدوا سقطرى مأهولة بالسكان منذ 2000سنة وحتى الآن يوجد فيها أكثر من (40.000) شخص البعض منهم في حديبو المدينة الرئيسية في الجزيرة والبقية منهم يتوزعون في القرى الصخرية يعملون كصائدين للسمك والبعض منهم يعمل على رعي القطعان ، بجانب الطبيعة والثقافة التي تعتبر جارة لهم على المدى الطويل .
وصلنا قبل مغيب الشمس إلى قرية للبدو في هضبة مرتفعة وأردنا البقاء فيها ليلة في عائلة كبيرة بعد أن نزعنا أحذيتنا ودخلنا إلى البيت وقدم إلينا أفضل الوسادات للإتكاء عليها ثم قدم لنا الشاي تبعه تقديم العشاء ولبن الماعز ، وصحن كبير من الرز مطبوخ بحليب الماعز .
وكانوا يتكلمون بلغة ليست عربية وهي اللغة الفريدة في الجزيرة منذ زمن طويل كما ان لهم تقويم من (24) شهر كلٍ (13) يوم طويلة تعد شهراً ، فشهور آلهة البقر في تقويمهم عندما تهب الرياح الموسمية من البحر بإرغاء ، وأشهر السرطان عندما يخربش شبح سرطان البحر على الشواطئ .
كنت أجامل مضيفنا بأني تعلمت عدة جمل من اللغة السقطرية وجاء الليل ونصبت خيمتي لأنام فيها ففي أثناء الليل خرجت من الخيمة كنت مستنداً على ظهري وكانت السماء مثقلة بالنجوم، كنت اشتم رائحة البخور طرية على ذاكرتي شعرت كما لو أنني تعثرت داخل فصل من العهد القديم. وقبل الفجر استيقظت على صوت كبير العائلة وهو يغرد لمدة طويلة بصلاة حزينة وفي صباح اليوم التالي ذهبنا إلى غابة شجر التنين ( دم الأخوين ) كانت الأشجار تبدوا كالمظلة الشمسية نفخت من الداخل وعندما تقطع جذوعها تنز بمادة صمغية ذات الأنواع الطبية المشهورة قمنا بجولة فيها .
خطر سؤال على ذاكرتي لماذا يريد الناس السفر إلى سقطرى ؟!.
السؤال واقعي فالجواب بطبيعة الحال هو سرور في رؤية الشيء الجديد وأيضاً فخراً بأن تكون من بين المميزين برؤية الطبيعة الجميلة وثقة بالنفس أن ترى مثل هذه المناظر .
*المصدر نيويورك تايمز
* حقوق الترجمة لـالمؤتمرنت