الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:30 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
السبت, 16-ديسمبر-2006
بقلم: مايكل جونسون* -
ماهو الفساد؟
يثير الفساد أسئلة حاسمة حول العدل والمساءلة واستخدامات الثروة والنفوذ. ومنذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وضع إحلال الديمقراطية والانتشار العالمي وتكامل اقتصاديات السوق، الفساد في مرتبة عالية على الأجندة الدولية. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 أصبحت أنظمة الحكم الفاسدة التي كانت في السابق مفيدة للدول الكبرى، غير مقبولة، ورفض المزيد من المؤسسات التجارية قبول الفساد كثمن للتعامل، وطالب المواطنون بنتائج أفضل للمعونة الخارجية.

ينظر الناس إلى الديمقراطيات المتحررة القائمة على أنها تعاني من الفساد أقل من الدول الأخرى. إلا أن سنغافورة، التي لا تعتبر ديمقراطية من نواح عديدة، تملك قيودا فعالة في حين أن الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، تعاني من الفساد على نطاق واسع. ويبدو أن انخفاض الفساد في الديمقراطيات الغنية قد يعكس قوانين ومؤسسات تدعم المصالح المالية الغنية وتحدّ من الحوافز لشراء النفوذ. وقد عانت مجتمعات مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة في وقت ما من انتشار الفساد، ولكنها أمضت قرونا للتحكم فيه. غير أن المجتمعات الناشئة، بالمقابل، تبني مؤسسات أساسية في عالم تنافسي وسريع التغير ويتوقع منها أن تطمح لتحقيق معايير أفضل من أول يوم.

وقد اعتبر البعض، في الماضي، الفساد كشيء جيد، كوسيلة "لتزييت عجلات" الأجهزة البيروقراطية، وإنشاء عمليات سوقية غير رسمية، ومساعدة الزعماء على الاتصال بالمجتمع عن طريق توفير المزايا. ولكن لا يعرف أحد ماذا كان سيحدث بدون الفساد. ولم تأخذ مثل هذه الادعاءات بالاعتبار آثار صفقات الفساد التي امتدت عبر مجتمعات بأكملها. وتظهر أبحاث حديثة أن الفساد يضر التنمية الاقتصادية، ويفيد الأغنياء على حساب الفقراء، ويقوّض المؤسسات ومبدأ المساءلة

ما هو الفساد؟

ليس هناك تعريف متفق عليه للفساد. ويعكس الكثير من الآراء التي تحدد المناقشات المتعلقة بالفساد تجارب المجتمعات الغربية الغنية، ولا تنطبق كلها جيدا على أجزاء العالم الأخرى. ويجادل البعض بأن القيم الثقافية والرأي العام يجب أن تعرّف الفساد، في حين أن النقاد يجيبون بأن مثل هذه التعريفات تتسم بالغموض وغير ثابتة. ويحدد تعريف آخر الفساد بأنه المسؤولون الحكوميون الذين يفيدون أنفسهم على حساب المصلحة العامة. ولكن "المصلحة العامة" أكثر غموضا، وما هو الفساد سؤال يختلف عن آثار الفساد.

ولعل أفضل طريقة لتعريف الفساد تتمثل في تعريفه بأنه إساءة استعمال الأدوار أو الموارد العامة للفائدة الخاصة، مع الإضافة الفورية بأن "العامة" و"الخاصة" و"الفائدة"، وقبل ذلك "إساءة" أمور قد تثير خلافا كبيرا. وهذا التعريف لا يضع حدودا واضحة، ولكنه يبرز الأبعاد السياسية، بالإضافة إلى الأخلاقية لهذا المفهوم كما يظهر في الممارسة. وسوف يثير الفساد دائما أسئلة حول ما إذا وكيف تتم مساءلة الأشخاص أصحاب النفوذ.

تنوع الفساد

تعدّ الرشوة أكثر ممارسات الفساد انتشارا – أشياء ذات قيمة تقدّم من طرف خاص إلى مسؤول مقابل اتخاذ قرار أو عمل أو عدم القيام بعمل. ويرتبط بذلك مباشرة الابتزاز الذي يطالب فيه المسؤولون بدفع مبلغ أو تقديم هدايا. ولكن هناك العديد من التنوعات الأخرى، بما في ذلك السرقة الصريحة والتامة من قبل المسؤولين. وقد يكون من الصعب أحيانا تمييز نشاطات الفساد عن النشاطات القانونية.

أسباب الفساد

هناك أربعة توضيحات أكثر انتشارا:
الشخصية: يحدث الفساد لأن أشخاصا سيئين أو مدربين تدريبا ضعيفا أو يتلقون أجورا ضئيلة يفعلون أشياء سيئة.

المؤسسية: يتركز أحد أنواع التوضيح المؤسسي على الإدارة الضعيفة: تدريب وحفظ سجلات وإشراف غير فعالة، على سبيل المثال. ويؤكد نوع آخر على التصميم المؤسسي، أي الحكومة التي يوظف فيها البيروقراطيون أو يطردون بسهولة من قبل سياسيين تشتمل على دوافع مبنية داخليا تشجع على الفساد.

النتظام: (النظام السياسي ككل). تواجه الحكومات مطالب مكثفة من المجتمعات حولها، والإجراءات الرسمية كثيرا ما تكون مستهلكة للوقت وغير ثابتة ومكلفة، ولذلك يقدّم الفساد طريقا مختصرا للحلول.

الأسباب المتعددة: في بعض الحالات، كسوء تصرف رئيس، مثلا، قد تكون العوامل "الشخصية" حاسمة. ولكن حتى حين يوضع أشخاص يوثق بهم في أدوار حكومية، فإن الفساد يحدث، مما يبرز المسائل المؤسسية والنظامية.

مقارنة مشاكل الفساد

الفساد موجود في كل المجتمعات، ولكن هناك تنوعا واضحا في الأنواع والأحجام. وتعكس العناصر التالية عوامل متعددة، بما في ذلك:

قوة ومصداقية المؤسسات والقوانين
المشروعية:الانتماء الشعبي والدعم للحكومة. عندما يعتبر الناس الحكومة "حكومتهم" فإن التسامح مع الفساد سيتهاوى. ويرتبط هذا العامل بما يلي:

القيم والتقاليد الثقافية فيما يتعلق بالهوية والسلطة والصواب والخطأ وأدوار الأفراد في المجتمع.

حجم القطاع العام حيث تسود الحكومة ولا تكون هناك سوى طرق خاصة قليلة لإنجاز الأعمال فإن الفساد سينتشر على نطاق واسع.
الوصول والاستبعاد قد تدفع الفئات المستبعدة من النفوذ السياسي القانوني ثمنا لذلك للدخول من الباب الخلفي.

سرعة العمليات الحكومية حيث يكون اتخاذ القرارات بطيئا يلجأ الناس إلى "مال السرعة". يتباطأ المسؤولون في إنجاز المهام إلى أن يدفع الناس مالا لهم.

التوازن بين الفرص السياسية والاقتصادية حيث يكون من الأسهل الحصول على النفوذ بدلا من تحقيق الثروة يستخدم الناس النفوذ للحصول على الثروة. وحيث يكون من الأسهل تحقيق الثروة بدلا من الحصول على النفوذ تسعى الثروة للحصول على النفوذ أو المناصب العامة (هنتنغتون، 1968).

متلازمات الفساد

في المدى البعيد، تختبر أنواع مختلفة من المجتمعات "متلازمات" الفساد المختلفة. وفيما يلي أربعة أنواع مع أمثلة على ذلك من الحاضر أو الماضي القريب:

الأسواق المتنفذة في ديمقراطيات السوق القائمة بوجود مؤسسات قوية فإن بعض المصالح الخاصة تدفع ثمن الوصول إلى المسؤولين، وكثيرا ما يقوم السياسيون أو ممثلو جماعات الضغط (اللوبي) بدور الوسطاء
(الولايات المتحدة، ألمانيا، اليابان).

تكتلات الاحتكار النخبوية حيث تكون المؤسسات أقل قوة وتزاد قوة المنافسين السياسيين تشتد قبضة تكتلات الاحتكار. وتشتد هنا قوة مزايا الفساد التي تتقاسمها كبار الشخصيات داخل وخارج الحكومة.
(إيطاليا، بوتسوانا، كوريا الجنوبية).

أعضاء حكومة النخبة والعشائر والأسر الكبيرة حيث تكون المؤسسات الرسمية ضعيفة وحيث تنمو الفرص السياسية والاقتصادية بسرعة، تستخدم الشخصيات صاحبة النفوذ مكاسب غير مشروعة لبناء قواعد نفوذهم الشخصي بمن في ذلك المسؤولون والشخصيات الخاصة.

ويمكن ربط هذا النوع من الفساد بأعمال العنف.
(روسيا، المكسيك، الفلبين).
أ
صحاب النفوذ الرسميون يهيمن هنا شخص واحد أو منطقة نفوذ داخلية، وتكون المؤسسات ضعيفة جدا. ويوزع الحكام المزايا على المحاسيب والمؤيدين وأعضاء الأسرة. وتكون بعض أنظمة الحكم مستنيرة نسبيا، ولكن الفساد في أنظمة أخرى يسهم في تقسيم المجتمع وفقره.
(كينيا خلال حكم دانييل أراب موي، الصين، إندونيسيا).


آثار الفساد على الديمقراطية

تشتمل الآثار السيئة للفساد على الديمقراطية على الأضرار الاقتصادية – عدم تشجيع الاستثمار حيث أن الشخصيات الفاسدة تنقل الثروة خارج البلاد – والأضرار السياسية. وتشتمل الأضرار السياسية على ما يلي:

يفقد الزعماء السياسيون مصداقيتهم ويتعين عليهم شراء الدعم السياسي.
تصاغ التشريعات من قبل أكبر الدافعين وليس وفقا للحاجات الاجتماعية.
يتم تقويض المساءلة العامة وتنفيذ القانون والوظائف البيروقراطية وتصبح غير
فعالة.

تصبح الأحزاب السياسية عمليات رعاية خاصة تخدم المصالح الشخصية للزعماء.
تباع القرارات القضائية أو تتعرض للتلاعب السياسي وتبقى الصحافة والمجتمع المدني ضعيفة جدا وتعجز عن مراقبة أصحاب النفوذ.



الأمل في الإصلاح

ليست هناك وصفة واحدة للإصلاح، بالنظر لوجود عدد كبير من العوامل. فالفساد مشكلة مستأصلة، وفي حين أنه يؤثر في نواح عديدة في المجتمع فهو يتأثر بها. وكثيرا ما يجد الإصلاحيون أن الأشخاص المتنفذين جدا المستفيدين من الفساد يدافعون عن مواقفهم سياسيا أو عن طريق أعمال العنف. وكثيرا ما تكون مداولات الفساد الكبيرة ذات نطاق عالمي. كما أن قياس الفساد يشكل مشكلة. وكل من يعرفون عن عمل يتعلق بالفساد يحيطون ذلك بالكتمان، ولذا فإن من المستحيل قياس حجم الفساد بدقة. لذلك فإن التحكم في الفساد ليس مجرد إصدار قوانين أو حضّ الناس على أن يكونوا صالحين. وتشتمل الاستراتيجيات الرئيسية على ما يلي:


التحرر: إخرج الحكومة من الاقتصاد. يؤكد هذا الرأي أن القيام بذلك سيجرد المسؤولين من معظم النفوذ الذي يستحق الشراء، وحرر السياسية وعندئذ سيتمكن الناخبون من "إقصاء الأشخاص الشريرين" من المناصب العامة. إلا أن الحل السابق قد ينقل انتهاكات الثروة والنفوذ إلى القطاع الخاص، في حين أن ازدياد التنافس السياسي بسرعة مفرطة يمكن أن يشجع كبار الشخصيات على أن يسرقوا كميات أكبر، وأن يسرقوها بسرعة أكبر.

تنفيذ القانون: هناك ضرورة لوجود إطار لقوانين وعقوبات ذات مصداقية ومنفذة تنفيذا جيدا. ولكن ليس من الممكن إنجاز الكثير إذا كان الأشخاص الذين ينفذون القوانين فاسدين، أو إذا لم تكن الصحافة حرة، أو إذا كان المواطنون يخشون التعرض للأذى إذا أبلغوا عن وقوع انتهاكات.

تحسين الإدارة العامة هناك ضرورة لوجود إدارة وحفظ سجلات وتصميم مؤسسي أفضل، وقوة عاملة عامة تحصل على أجور جيدة، ومحمية بقوانين "خدمة مدنية" ومدربة جيدا وذات حجم مناسب.

ولكن مثل هذه الإجراءات مكلفة وتواجه مقاومة من الأشخاص الذين سيخسرون وظائفهم. وقد تصبح وسائل التحكم مفيدة جدا بحيث أن الحكومة تفشل في عملها وأن الأشخاص ذوي الكفاءات يتجنبون الخدمة العامة.

الدمقرطة العميقة: لقد نجحت مجتمعات كثيرة في الحد من الفساد خلال معالجتها للنفوذ والمساءلة. ويمكن للأشخاص الذين يسعون لحماية أنفسهم من الانتهاكات أن يتوصلوا في نهاية المطاف إلى تسويات تؤدي إلى وجود مؤسسات قوية وقانونية. ومع أن إصلاحيين كثيرين يعتبرون السياسة شيئا قابلا للإفساد، فإن من الضروري من وجهة النظر هذه تطبيق الإصلاح.
*قسم العلوم السياسية، جامعة كولغيت
المصدر/ أمان




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر