الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:57 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الثلاثاء, 08-مايو-2007
المؤتمر نت -           المؤتمرنت -
الحداثة قد تنقذ الأخلاقية الإنسانية من عبث الإيديولوجيين المتشددين
الانكسارات ، التطرف والحداثة يتناول سامي عون (أستاذ العلوم السياسية في جامعة شربروك – كيبك) في مؤلفه الجديد باللغة الفرنسية «الإسلام اليوم: الانكسارات، التطرف والحداثة» Aujourd hui L’islam: Fractures, Integrisme et Modernite (منشورات Mediaspaul- Quebec-2007) جدلية العلاقة بين العالمين الإسلامي والغربي ماضياً وحاضراً، على خلفية قضايا وأفكار ومسائل خلافية ما زالت مثار نقاش وحوار واسعين في اوساط المفكرين والباحثين العرب والمسلمين الذين لم يتمكنوا من حسمها في هذا الاتجاه او ذاك، او ان يؤسسوا لإقامة نموذج ديني ودنيوي يحتذى به كنواة لدولة حديثة تتمتع بمقومات القوة والصمود امام وجه تحديات الداخل والخارج .

الكتاب سبعة فصول، يتمحور أولها حول ما يسميه عون «وهم وحدة الأمة وطموحاتها في بناء دولة عظمى»، فمنذ تفكك نظام الخلافة الإسلامية والى اليوم، يطمح بعض المفكرين الأوائل والمعاصرين الى إحياء الماضي التليد والرجوع الى تعاليم الشريعة كمصدر وحيد للحكم وجعل العالم الإسلامي قطباً جيوبوليتكياً وإيديولوجياً مرهوب الجانب في علاقاته الدولية. الا ان علماء المسلمين ومفكريهم لم يكونوا على درجة واحدة في نظرتهم الى الدولة الإسلامية العتيدة والسبل الآيلة الى تحقيقها. فانقسموا الى مذاهب وشيع وأحزاب ومنظمات. سلفيون يطمحون الى اعادة تشكيل النظام الإسلامي وفقاً للثوابت الدينية المقدسة بكل ما فيها من مفرادت ومصطلحات صالحة في اعتقادهم لكل زمان ومكان، ومتنورون وإصلاحيون وتوفيقيون يستندون الى مصدرين مختلفين يكملان بعضهما بعضاً، أحدهما مستوحى من الشريعة الإسلامية وأداته الاجتهاد والقياس وجواز استخدام العقل خدمة للنقل وليس بديلاً عنه، والآخر منفتح على الغرب بما فيه من قيم وأفكار تغني الإسلام ولا تتناقض معه.

ويخلص الكاتب الى استنتاجات مفادها ان الإسلام عصي على ان يفرض عليه اي نموذج مغاير لإيديولوجيته الدينية، وان العودة به الى الوراء قروناً عديدة أمر مستحيل مع انه لا يزال المصدر الحقيقي لمعظم الحركات السياسية القومية والدينية بما فيها المعتدلة والمتطرفة. ويعتقد عون ان المشكلة الأساسية ليست في الاسلام كدين وعقيدة وثقافة وانما في اختلاف المفكرين وانقسامهم الى تيارات ومذاهب متنابذة وقصورهم عن ترجمة هذه الاقانيم بصورة نقدية عقلانية وعجزهم عن كشف مواطن القوة والمناعة فيه، وانه بالتالي ليس عصياً على التطور والحداثة والعصرنة والاستفادة من معطياتها وإنجازاتها واستثمارها لخير المسلمين وتوظيفها في خدمة قضاياهم الوطنية العادلة.

فباب الاجتهاد كما يقول المؤلف، ليس مغلقاً، ولا يمكن لأحد او لجهة ان تحتكر الإسلام أو أن تتحدث باسمه، مشيراً إلى ان فوضى الفتاوى المنتشرة في الفضاء الإعلامي العربي والإسلامي والخطاب الديماغوجي التضليلي لبعض الجماعات الأصولية المتطرفة وتأويل النصوص خلافاً لمقاصدها الحقيقية، هي من الظواهر التي تؤذي جوهر الدين وتزيد المسلمين ضعفاً وتشرذماً.

أما الفصول الستة الأخرى هي حجر الزاوية في الكتاب. وعناوينها تلخص أهم المسائل الخلافية بين المسلمين أنفسهم وعلاقتهم المأزومة مع الغرب حول الديموقراطية والعلمانية والمواطنة وحقوق الإنسان والمرأة والحداثة، علماً ان هذه العناوين الكبيرة، التي باتت من المسلمات في منظومة الفكر الغربي الحديث، لم يقدر لها بعد ان تستوطن او ان تجد لها ملاذاً آمناً في الثقافة العربية والإسلامية، فالخروج من هذه الإشكالات وتداعياتها السلبية الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها يستدعي مراجعة نقدية جريئة والتعامل معها بشفافية وعقلانية هادفة والإجابة عنها بوضوح لا لبس فيه او غموض.

والتساؤلات في هذا السياق أمر مشروع، فهل «الشورى» البديل عن الديموقراطية الغربية؟ وهل العلمانية تتعارض مع الإسلام ام تتعايش معه بشكل من الأشكال؟ وهل المواطنة مقبولة في الإسلام ام لا وطنية فيه وان الدين عند الله الإسلام؟

ثم كيف يتعاطى المثقفون المسلمون مع الشرائع الوطنية والعالمية لحقوق الإنسان ومع احترام التعددية السياسية والفكرية وحرية الرأي والاختلاف مع الآخر؟ وكيف يحسم الإسلام الجدال الدائر في موضوع المرأة وحقوقها وحرياتها ومساواتها مع الرجل وما ينجم من قضايا الإرث والزواج والطلاق وغيرها؟ وكيف يحدد الإسلام علاقته مع الغرب في ظل التأويلات المعاصرة للنص الديني؟ وكيف يستوعب ردود الفعل الغربية التي تستهين بثقافته وحضارته وتكيل الاتهامات له بأنه يقوم على العنف والإرهاب؟ وهل وصل الحوار الإسلامي – المسيحي الى نوع من التقارب ام ما زال كل منهما متخندقاً في مكانه؟

ويرى الكاتب ان مثل هذه المسائل التاريخية الشائكة لا تناقش الا بصفتها قضايا اجتماعية وسياسية، وأن إدخالها في الحيز الديني والوقوف خلف الأحكام المسبقة انما يفقدها الكثير من الصوابية والدقة والموضوعية، على غرار ما يلجأ اليه بعض الحركات الراديكالية الاسلامية التي تعتمد في خطابها السياسي سلاح التأويل للنصوص والمواقف المتزمتة.

ويعرض المؤلف بإسهاب آراء كتّاب ومفكرين مسلمين قدامى ومعاصرين ممن حاولوا التوفيق بين العقل والنقل او بين المقدس والدنيوي، مؤكداً ان مهما قيل عن تقهقر الفكر الإسلامي واتهامه بأنه ذو طبيعة ماضوية ، إلا انه ما يزال يختزن الكثير من مقومات القدرة على العطاء والتجديد والتحديث والعصرنة.

والسؤال الذي يطرحه الكاتب في هذا الصدد هل المطلوب أسلمة الحداثة ام تحديث الفكر الإسلامي؟

ويرى عون ان مقولة slogan «الإسلام هو الحل» بجوانبها الجيوسياسية والايديولوجية لا تستقيم بإغداق الثناء عليه ومدحه او بكيل الاتهامات وذمه، وإنما باعتماد نهج نقدي ذاتي يقوم على احترام حق الاختلاف مع الآخر دينياً او مدنياً، وعلى حرية التعبير، كمدخلين أساسيين لنقاش جدي معمق يفكك المسائل الخلافية ويحللها ويعيد تركيبها، بما يكشف الوجه المشرق للإسلام وينقيه بما علق به من شوائب.

ويؤكد عون في خاتمة كتابه «ان المسلمين لا يستطيعون بعد الآن تجاهل ظاهرة التثاقف بمعنى التفاعل بين الأديان والثقافات والأعراق المتعددة في المجتمع الإسلامي. فهم بالتالي يحتاجون الى اعتماد الحداثة لا كبرقع ولا كعملية تجميل وانما كمراجعة واعية تنقذ الحرية كقيمة مضادة للاستبداد، وتنقذ الفرد من جور الجماعة، وتنقذ الأخلاقية الإنسانية في الإسلام من العبث الإيديولوجي».

جدير بالذكر ان الكتاب موجه اساساً الى القراء الفرنكوفونيين في كندا وغيرها لا سيما الطلاب الجامعيين. لذلك ضمّنه المؤلف بيلوغرافيا مختصرة لعدد وافر من المفكرين المسلمين تحتوي على نبذة عن حياتهم وأشهر مؤلفاتهم ومكانتهم الفكرية وآرائهم المختلفة. كما تضمّن المصطلحات الدينية والفقهية المتداولة في الأدبيات الإسلامية مع شروحات مقتضبة عنها. الحياة


كاتب لبناني مقيم في كندا




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر