الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:37 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 10-مايو-2007
المؤتمر نت - السيد يسين السيد يسين -
واقعية هنا... وإرهاب هناك!
إذا كنا رصدنا في مقالنا الماضي خطاً مهماً من خطوط التطور الإيجابي في مسيرة التطرف الإيديولوجي الذي هو السند الحقيقي للإرهاب، مهما تنوعت أشكاله وتعددت مسارحه في مختلف بلاد العالم، وهو الاتجاه النسبي إلى الواقعية، فليس معنى ذلك نهاية لموجات الإرهاب.

وقد قصدنا بالواقعية في هذا الصدد سواء لدى الجماعات المتطرفة إيديولوجياً أو حركات المقاومة الإسلامية، أو بعض الدول الداخلة في صراع تاريخي مع العرب مثل إسرائيل، هو نزوع هذه الجماعات إلى نقد منطلقاتها الإيديولوجية وتحويل مساراتها إلى العمل السلمي.

والنموذج البارز الذي سقناه في هذه الصدد هو المراجعات الفقهية التي قامت بها "الجماعة الإسلامية" في مصر وهي من أشد الجماعات في مجال التطرف الإيديولوجي. وبناء على هذه المراجعات أفرجت سلطات الأمن المصرية عن آلاف من أعضاء "الجماعة الإسلامية" المعتقلين في السجون. وتجري جماعة "الجهاد" وهي من أشرس الجماعات الإسلامية في مجال الإرهاب مراجعات مماثلة، ستؤدي بالضرورة إلى الإفراج عن أعضائها المعتقلين في السجون.

هذه تطورات مهمة، تؤكد على أن النقد الذاتي هو الخطوة الأولى في النزوع إلى الواقعية، بالإضافة إلى جهود الدولة الأمنية في ملاحقة الإرهابيين، وأهم من ذلك كله استنكار الرأي العام للتطرف الإيديولوجي والإرهاب.

غير أنه -كما أشرنا من قبل- مازال هناك وجود ثقيل للإرهاب في بلاد عربية متعددة، أبرزها العراق، والسعودية، والمغرب، والجزائر.

بالنسبة للعراق الذي أصبح مرتعاً خصباً للتطرف الإيديولوجي والإرهاب تتكشف كل يوم صور متعددة للإرهاب المجنون الموجه للشعب العراقي بكل فئاته وليس ضد القوات الأميركية المحتلة. وهذا الإرهاب -للأسف الشديد- يستحدث صوراً إجرامية للإرهاب ضد الشعب العراقي، ولا يفرق بين الأطفال والنساء والرجال.

وتأكيداً لذلك نشرت شبكة "سي. إن. إن" الأميركية خبراً بتاريخ الرابع من مايو 2007 مؤداه أن السلطات الأميركية اكتشفت بمحض الصدفة أن مدرسة لتعليم البنات تحت الإنشاء حولها الإرهابيون إلى فخ إرهابي، لأنهم دفنوا المتفجرات تحت أرضية المدرسة، وفي الأسقف، استعداداً لاستكمال بناء المدرسة وبدء عملها وامتلائها بالتلميذات اللاتي سيلتحقن بها لتلقي العلم.

وتم الاكتشاف حين شوهد سلك طويل يمتد تحت الأرض من داخل المدرسة إلى خارجها، كان سيستخدم في الوقت المناسب لتفجير المدرسة على من فيها من الفتيات.

والسؤال الآن: ما هو الهدف من هذا التخطيط الإرهابي الإجرامي؟ وهل أصبحت الفتيات والأولاد في مدارس التعليم الأساسي والشباب في الجامعات (كما حدث من قبل في تفجير إحدى الجامعات العراقية) أهدافاً مشروعة للإرهاب؟

إن هذا يؤكد خطاً آخر مغايراً من خطوط تطور الجماعات الإرهابية سواء في العراق أو السعودية أو المغرب أو الجزائر، يتمثل في استهداف الشعب نفسه بكل فئاته، ظناً منهم أن إثارة الفوضى في المجتمع، من شأنها هز الاستقرار السياسي، مما يؤدي إلى سقوط الدول في يد الجماعات المتطرفة والإرهابية.

والواقع أن هذه التطورات في مجال الإرهاب تدعونا للتركيز على الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وعدم الاقتصار على المعالجة الأمنية -مهما كانت فعالة- للظاهرة.

والواقع أنه لا يمكن ببساطة -كما يفعل بعض الباحثين- إرجاع الإرهاب إلى الأسباب الاقتصادية، والتي تتعلق بشيوع الفقر وانتشار البطالة في صفوف الجماهير العريضة في البلاد العربية، ولا إلى اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ولا إلى انتشار الفساد بين صفوف النخب السياسية والاقتصادية. وذلك لأن عدداً لا بأس به ممن يعتنقون مبادئ التطرف لا يعانون من متاعب اقتصادية حادة، وإنما هم لأسباب متعددة يتبنون الفكر المتطرف، ويقبلون بالإرهاب أسلوباً لتحقيق أهدافهم.

ومن هنا أهمية الدراسة العلمية المتعمقة للكشف عن منابع ومصادر الفكر الإيديولوجي المتطرف، وخصوصاً لدى الجماعات الإسلامية الرافضة للدولة العربية المعاصرة، سواء لكونها -كما يقولون- علمانية لا تحكم بالشريعة الإسلامية، أو لكونها -حتى لو كانت تطبق الشريعة الإسلامية- كالسعودية، لا تطبقها بشكل صحيح، أو تسمح للأجنبي بالتواجد على أرضها.

ولعل مما يؤكد خطورة هذه الجماعات الإسلامية بتأويلاتها المتطرفة للدين، ما نشر عن قبض السلطات السعودية على أعضاء شبكة إرهابية خطيرة بلغ أعضاؤها أكثر من مئة وسبعين شخصاً، لديهم إمكانيات تكنولوجية هائلة، ومصادر تمويل ضخمة. والشبكة كانت تفكر في التخطيط لهجوم بالطائرات على آبار النفط!

ويمكن القول إن الدولة العربية المعاصرة بأنماطها المختلفة ملكية كانت أم جمهورية، مسؤولة إلى حد كبير عن تفشي مرض التطرف الإيديولوجي الذي يؤدي بالضرورة إلى الإرهاب.

وذلك لأن المناخ العربي السائد يتسم بالقهر السياسي وانعدام الديمقراطية الحقيقية، ومحاربة التعددية الفكرية، في سياق لا تؤمن فيه السلطة العربية بحق التعبير وحق التفكير وحق التنظيم، مما كان من شأنه أن يتيح الفرصة لإقامة حوارات وطنية مفتوحة بين هؤلاء الذين يتبنون رؤى متعارضة للعالم. وإذا أضفنا إلى ذلك أن نظم التعليم مصممة على أساس تشجيع العقل الاتباعي الذي لا يؤمن إلا بالخضوع للسلطة وتنفيذ أوامرها مهما كانت جائرة، وعدم المعارضة، لأدركنا أن إلغاء العقل النقدي عملياً هو أحد أسباب شيوع الفكر الإيديولوجي المتطرف. وإذا أضفنا إلى هذا أن وسائل الإعلام الحكومية مسموعة ومرئية مسخرة عادة لتبرير السياسات الحكومية، وعدم إبراز وجهات النظر المعارضة مهما كانت صحتها، لأدركنا الدور السلبي للإعلام.

وليس هناك من سبيل للخروج من النفق المظلم للتطرف الإيديولوجي والإرهاب إلا بإعادة صياغة المجتمع العربي المعاصر. وأول خطوة في هذه الصياغة هي أهمية التحول الديمقراطي، وذلك بتصفية الجيوب الشمولية والسلطوية، والاندفاع المحسوب في طريق الديمقراطية.

لقد أصبحت الديمقراطية الآن مطلباً عالمياً وعربياً. والديمقراطية لن تتحقق بإجراء مجموعة من التعديلات الدستورية الشكلية، وإنما بالتغيير الجوهري في بناء السلطة نفسه، بحيث يدخل فيها المعبرون حقيقة عن مصالح الجماهير.

ليس ذلك فقط، ولكن مطلوب ثورة ثقافية مخططة هدفها الارتقاء بالعقل العربي المعاصر، وتحريره من الأمية والخرافة، وتسليحه بالتفكير العلمي، انطلاقاً من بناء العقل النقدي، وذلك من خلال التعديل الجوهري لنظم التعليم، والتغيير الحاسم لطرق التنشئة الاجتماعية التي تربي الأطفال على الخوف من السلطة بأنماطها المتعددة، سلطة الأسرة وسلطة المدرسة، وسلطة المؤسسة الدينية الرجعية.

كما أن نمطاً جديداً من التنشئة السياسية مطلوب بلورته لخلق المواطن العربي الإيجابي الذي يعتد بعقله وعلمه وبقدرته على الاختيار، وبجسارته في مجال مقاومة انحراف السلطة، وفساد الأنظمة. وجهات نظر





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر