عباس الضالعي -
غلاء الأسعار: بين دوافع الاستغلال والإحراج وسياسات الترقيع
منذ أواخر العام الماضي والأسعار في تصاعد مستمر لجميع السلع والمستلزمات تحت ذرائع ومبررات واهية ودون معطيات وعوامل تجعلها قابلة للتغيير والارتفاع إلى هذا الحد الذي وصلت إلى ما هي عليه اليوم ، فالدولار مستقر السعر ولم تطرأ عليه زيادات تكون سببا كافيا لهذا الصعود المستمر ولم تطرأ أي زيادات سعرية على المشتقات النفطية ولا توجد أي متغيرات جديدة على قوانين الضرائب والجمارك وغيرها ، كان في السنوات الماضية تتوفر بعض الذرائع التي يتلكأ بها كبار التجار لتكون مدخلا للاستغلال البشع وإحداث زيادات على الأسعار ، واليوم يعيش البلد في استقرار سعري للعملة الأجنبية والمشتقات النفطية التي تعتبر الباعث الأكبر في زعزعة الأسواق بينما نرى ونلمس لهيب الغلاء في صعود مستمر دون توقف شمل جميع السلع الغذائية ومواد البناء والمستلزمات والأدوية وباقي السلع الضرورية .
القطاع الخاص الذي يعتبر المزود الوحيد للسوق بحاجات الناس السلعية المختلفة مسئول بالدرجة الأولى عن هذه السياسات العشوائية للأسعار الذي لا يمتلك مبررا كافيا أو منطقيا يواجه به جماهير المستهلكين ويقنعهم بأسبابه الغير متوفرة وإنما يتجه نحو الهروب كما تعودنا منه دائما وينصب شباك صيده من وراء حجاب في دهاليز مظلمة ومعتمة سعيا لتحقيق أرباح خيالية تعود عليه بالراحة حسب ظنه ونكالا مؤكدا عليه إن سبقتها نوايا الاستغلال السيئ لأنها تعتبر في الأخير أموالا سلبت الكثير من الفقراء ومحدودي الدخل أرزاقهم وضيقت معيشتهم وحولتها إلى نار وجحيم .
واضح للعيان أن هناك دوافع كثيرة تقف وراء هذه الفوضى وتعمل على تأجيج زيادات الأسعار لتصل بعضها إلى الضعف ومنها السلع المصنعة محليا التي نرى من خلالها أن هناك لوبي متخصص في زعزعة واستقرار الأسواق المحلية ويجعنا نقف أمام أهم الدوافع التي يسعى من خلالها المتحكمين بالأسواق ومن هذه الدوافع :
* إحراج الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور / علي محمد مجور الذي يبدو عليها أنها حكومة ستفرض تطبيق القوانين على الواقع وتنهي التشوهات التي لحقت بسمعة العمل العام ، وهذا الإحراج متعمد بغرض خضوع الجانب الحكومي أمام مطالب القطاع الخاص الذي يعتبر أنه الحاكم الأول للأسواق والدليل على ذلك أن الأسعار تصاعدت بنسب مختلفة منذ اللحظة الأولى للإعلان عن الحكومة الجديدة ، الهدف من هذا الإحراج هو زعزعة ثقتها ومكانتها في الأوساط الشعبية مما يلحق بها السخط وفقدان مصداقيتها جماهيريا .
* ومن الدوافع الأخرى ما يتعلق بالجانب الحكومي ذاته والمتمثل بضعف آليات الرقابة والضبط والسيطرة على الأوضاع التموينية وحركة الأسواق ، إضافة إلى التهاون الواضح وغياب أي شكل من أشكال العقاب القانونية التي تلحق بالمتلاعبين في تصعيد أسعار السلع المصنعة محليا والمستوردة ، ويصل الأمر إلى الجزم بأنه لا يوجد عقاب ولا يوجد قانون يطال هؤلاء المتلاعبين لضعف الأداء في أجهزة الضبط والرقابة والقضاء وأن المحسوبية هي من تتحكم بعمل هذه الأجهزة وتسيرها وفقا لمصالحها وأغراضها .
* دافع آخر لزيادة الأسعار الطارئة هو سياسات الترقيع التي تقوم بها الجهات المعنية و المختصة التي تغيب عنها إستراتيجية واضحة وتغيب عنها المهنية وربما تطغى عليها البيروقراطية ، فالسوق في جانب وسياسات الترقيع في جانب آخر لا توجد بين الجانبين روابط مهنية تدرك حركة الأسواق وإنما فعل ورد الفعل و يصاحب أداء الجهات الرسمية المعنية هيمنة من المتحكمين بالسلع مستوردين ومصنعين ويتماشون وراء مطالبهم ويعملون بمغالطاتهم التي طالت وكثرت .
* ومن الدوافع التي تؤدي إلى ارتفاع الأسعار ما يعتبره رجال القطاع الخاص الكبار أن هناك ضرورة أن يقوم المواطن والمستهلك بتسديد بعض الفواتير الآجلة التي أنفقت وكانت حينها أنها موقف شجاع من القطاع الخاص إدراكا منهم لأهمية المرحلة وأعتبرها الكثيرون أن القطاع الخاص قدم نموذجا إيجابيا للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة انطلاقا منه للحفاظ على مكتسبات كثيرة تحققت للشعب ، هذا تفسير عملي جدا لهذه السياسة الظالمة التي تتحكم بمصير كثير من الفئات الاجتماعية وتؤدي إلى تعميق فجوة الفقر وما دونه ، نأمل أن يكون هذا مجرد رأي ونأمل أن يتم النفي بحقائق ملموسة على الواقع من خلال موقف وطني شجاع .
التجار في اليمن :
نشعر وكثيرون أن التجار وخاصة الكبار منهم لا يعنيهم هذا الوطن وشعبه ونشعر بأنهم دولة خارج نطاق الدولة اليمنية شعبا وأرضا وإنسانا وأن روابطهم بهذا الوطن روابط مادية فقط ، فالقوانين لاتعنيهم الامتثال بها ومحاربة الاستغلال والرشوة آلية من آلياتهم التي تكون وراء نجاحهم وكأن الضمير هنا غائب تماما الأخلاقي والمهني ، وبهذا يشعرون الشعب بسياستهم هذه أن وجودهم مؤقت !!
القضية ليست تخندق سواء ضد الحكومة أو الشعب أو فواتير وغيره وإنما القضية غياب الرقابة والفعل الحكومي أولا وغياب الضمير المهني ثانيا ، فسياسة الاستغلال والإحراج كلها تستهدف البلد والشعب وتخلق مصيرا صعبا للأجيال القادمة تتحمل وزرها هذه السياسات سواء ما يتعلق بتقصير الأجهزة المعنية أو من يسعون لتثبيت واقع يحافظ على نفوذهم ومصالحهم .
المطلوب هو العلاج والحل الجذري لهذه المشاكل التي تلاحق الغالبية العظمى من الشعب وتلحق به كوارث أخلاقية تؤثر سلبا على مسار الحياة المعيشية ، فالحكومة ممثلة بالجهات المختصة مطلوب منها إثبات أنها من أجل المواطن الذي يعتبر التاجر جزءا من نسيجه وتعمل على الحفاظ على مصالحهم جميعا وعلى الطرف الآخر أن يفهم أن العملية ليست سباق وكر وفر .
الغلاء وصل إلى حدود لا طاقة للناس بها وفاقت حدود الدخل تستنزف معه كل قدراتهم وتؤثر على باقي متطلبات الحياة من رعاية صحية وتعليم وخدمات ، وأنه لا جدوى من سياسات الترقيع المتلاحقة والعشوائية وأن ينظر للأمر بجدية وتجرد ، وأن يسعى الجميع إلى الوقوف في وجه زحف هذا الغول المفترس
نأمل وكثيرون أن تتفهم كل الأطراف بنتائج هذا الصراع الذي يذهب ضحيته المغلوبين على أمرهم الذين يتضرعون إلى الباري عز وجل أن يزيح عنهم هذا وأن تستجيب الحكومة رفقا بهم وتفرض القانون على الجميع ويكون المواطن والتاجر والحكومة سواسية أمامه.