بقلم / محمد حسين العيدروس -
محطة لاختبار ذاتنا الوطنية
من أبرز سمات المرحلة الراهنة هو أنها تمثّل فاصلاً تاريخياً يمنياً تنتقل من خلاله الدولة إلى مربع جني ثمار سياساتها السابقة.. وهي بالتأكيد ليست المرحلة الأخيرة، بل الأكثر نضجاً من كل ما سبقها باعتبار أن السنوات الماضية من عمر الجمهورية اليمنية عملت على تمهيد الطريق، وإزالة الكثير من العقبات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي كانت تقف في طريق الطموح الوطني.
اليوم عندما نقيم أداءنا ونضع أنفسنا في مربع جني الثمار، فإننا لا ننسى - أيضاً - أننا بلغنا هذه المرحلة في زمن عصيب، وبالتزامن مع الكثير من التحديات المعقدة التي لا سبيل لتجاهلها أو القفز فوقها، لأنها جزء من تفاعلات بيئتنا ومحيطنا الدولي وصراعنا الإنساني.
نحن اليوم نتطلع إلى جذب استثمارات هائلة إلى بلدنا، ومثل هذا الرهان يتطلب منا تأمين مناخ استثماري بمستوى الطموح، وهذا الأمر لا يقع ضمن مسئولية فئة أو شريحة محددة وإن كانت الحكومة تتحمّل الجزء الأعظم من مسئولياته.. فمثلاً الأمن يفرضه المواطن، ويرسخه المجتمع بجميع أفراده ومنظماته، ومنشآته الخاصة، وفعالياته السياسية الوطنية.
فالديمقراطية كفلت للجميع ممارسات وحريات عامة واسعة، وبالتالي فمن الصعب على أجهزة الدولة منع قوى سياسية معينة من إطلاق تصريحاتها، وبلورة مواقفها تجاه قضية ما، لأن ذلك حق دستوري لها.. لكن ماذا لو كانت تلك المواقف منفعلة؟ تنمّ عن عصبية، وتهدد بممارسات غير سلمية..!
بتقديري هنا يكمن الوعي المسئول والاختبار الحقيقي للذات الوطنية اليمنية فليست كل الظروف متاحة لممارسة الانفعال، أو حتى الإيحاء بالتوتر والترقب والأجواء الحذرة.. لأنك حين تقطع عشرات السنين من عمر الثورة والتضحيات والعمل الوطني المخلص لتصل إلى الموسم الذي تحصد فيه الجماهير جهدها الوطني بفرص استثمارية ومشاريع، وفرص عمل، وبُنى تحتية، فإن ليس من الحكمة لأحد أن يسعى لتفويت فرصة قد لا تأتي غداً بسهولة، أو تأتي بثمن أعظم.
لا شك ليس هناك من بلد يمارس الديمقراطية دونما إشكاليات، وتباينات في وجهة نظر قواه السياسية الوطنية، لكن أيضاً علينا أن نعترف أن جميع دول الغرب وأمريكا لم تكن قواها السياسية تظهر خلافاتها أو تبايناتها عندما تكون في حالة مواجهة مع تحديات خارجية أو داخلية مرتبطة بالسيادة الوطنية، ومستقبل الأمن والسلام الوطني.
السياسيون في مختلف أرجاء العالم يعتبرون الأزمات والتحديات التي تواجهها الدول هي بمثابة اختبارات حقيقية للذات الوطنية لقواها السياسية، ولمواطنيها، ومؤسساتها المختلفة، وهم يؤمنون بهذه الثقافة لأنهم يعتبرون أن التحدي الماثل يستهدف الدولة ككل، وبالتالي فإن أي انسلاخ من مسئولية مواجهة التحدي سيمثّل استئثاراً أنانياً بالذات، وانسلاخاً «غادراً» عن المسئولية الجماعية.. في الوقت الذي يكون فيه الهدف الأساس لأي تعددية حزبية وحريات وممارسات ديمقراطية هو ترسيخ قواعد العمل الجماعي من أجل الارتقاء بالدولة بكيانها الكلي المتكامل والمتكافل مع بعضه البعض.
ومثلما من شأن قطرة سم واحدة أن تفسد برميلاً كاملاً من الماء فإن الممارسة الخاطئة لأي جزء من مكونات الدولة والمجتمع من شأنه إفساد حياة الجميع، وتعطيل مصالح الكل، وربما قتل تطلعات وأماني سعى إليها الشعب طويلاً، وكابد بسببها التضحيات الجسام.
إن المرحلة التي نقف فيها هي مرحلة اختبار للذات الوطنية اليمنية لكل منا، لأننا جميعاً نتطلع إلى مستويات معيشية أفضل، ونأمل تخفيض معدلات الفقر، والأمية، والبطالة.. ونتمنى - أيضاً - أن يوفقنا الله إلى القضاء على أية فتنة تكدّر علينا الأمن والسلام، وفرص النهوض والتقدّم.
وجميعنا يعمل من مركزه للسمو باليمن عالياً بين دول المنطقة والعالم بما يعزز المكانة الاعتبارية للإنسان اليمني أينما ولّى وجهه من هذه الأرض، وهذه الأمنيات كلها لا يمكن أن تتحقق بالسهل ما لم تتضافر جهودنا لأجلها، فأبناء الوطن في الداخل والخارج، هم جميعاً شركاء بالخير والشر - لا سمح الله - مثلما هم شركاء بالمسئوليات والواجب الوطني المناط بعاتق كل فرد منهم.
إذن فلنختبر ذاتنا بمواقفنا الوطنية الصادقة المسئولة.. ولنختبر ذاتنا في تكوين المناخ الاستثماري الآمن الذي يجذب المزيد والمزيد من فرص النماء.. ولنختبر ذاتنا الوطنية في إخلاصنا بواجباتنا داخل المؤسسات التي نعمل فيها، ومن المراكز القيادية التي نحتلها.. ومن أدوارنا في تجنيد كل طاقاتنا بمواجهة الفساد.. فاليمن وطن الجميع، لكن النهوض به مسئولية الشرفاء والمخلصين، وكل المنتمين إليها جسداً وروحاً وفكراً وعقيدة.