السفير/ أحمد فرحن العطاب* -
عيد الوحدة ودور إب في الحركة الوطنية والثورة والوحدة
إن الاحتفالات بعيد الوحدة السابع عشر في إب عاصمة اللواء الأخضر ينعش الذاكرة في الدور الذي اضطلعت به مدينة إب وأبناء اللواء الأخضر في الحركة الوطنية والثورة والوحدة منذ بداية الأربعينيات في القرن الماضي أي القرن العشرين.
إنني هنا لا أقلل من أهمية الدور الذي اضطلعت به المحافظات الأخرى والتضحيات التي قدمتها هذه المحافظات والمناضلون الذين سطروا أهم الصفحات في تاريخ الحركة الوطنية المعاصرة في بلادنا، إلاّ أن هذه المناسبة العظيمة التي تحتفل بها اليمن عامة وإب خاصة تذكرنا بذلك الرعيل الأول من أبناء هذه المحافظة المناضلين الذين منهم من أعدم بسيف الجلاد الإمام أحمد، ومنهم من مات في نافع الرهيب بمدينة حجة ذلك السجن الذي كان يشكل صورة مصغرة لسجن الباستيل في العاصمة الفرنسية باريس قبل الثورة الفرنسية، ومنهم من استشهد في ساحات النضال دفاعاً عن الثورة والجمهورية والوحدة، مما لاشك فيه أن هناك من يذكر عام 1943م حينما تم اعتقال عدد من وجهاء وأعيان المحافظة وكبّل زبانية الجلاد أيديهم بالمغالق وأرجلهم بالسلاسل والقيود ومشوهم حفاة تحت حراسة مشددة إلى تعز ومنها إلى حجة وهم الشيخ حسن بن محمد الدعيس الذي وصفه المناضل الأستاذ محمد عبدالله الفسيل في كتابه «كيف نفهم قضية اليمن» بأنه كان النبراس الثاني بعد محمد المحلوي في الحركة الوطنية والشيخ حسن محمد البعداني الذي توفي في سجن نافع ولم يفكوا القيود من رجليه إلا أثناء دفنه ومنهم كذلك الشيخ منصور البعداني الذي توفي بعد الثورة ومنهم المؤرخ المعروف القاضي محمد بن علي الأكوع -رحمة الله تغشاه- وكـان أخوه القاضي إسماعيل الذي قيل عنه أنه كان أصغر معتقل في المجموعة المذكورة.
وإذا كان قد أفرج عن بعضهم الذين لم يدركهم الموت في السجن فقد زجّ بهم مر أخرى بعد ثورة عام 1948م ومعهم كذـلك القاضي عبدالرحمن بن يحيى الإرياني -رئيس المجلس الجمهوري السابق- والقاضي عبدالرحمن الحداد الذي كان أستاذ المرحوم المناضل محمد علي الربادي والقاضي أحمد بن علي العنسي ومحمد السراجي وأحمد باسلامة ومحمد أحمد صبره.
أما بالنسبة للشيخ حسن الدعيس فقد رحل قبل فشل الثورة بيومين للعلاج أو بحجة العلاج إلى عدن لأنه كان يتوقع فشلها وخصوصاً بعد اعتقال الأستاذ أحمد محمد نعمان ومحمد صبرة والأستاذ محمد عبدالله الفسيل، وكان معهم الفضيل الورتلاني، وكذلك عامل ذمار ولم يحصل أي تحرك من صنعاء للإفراج عنهم، بل اقتادهم كذلك بعد فشلها.
وقد أعدم كل من الإمام -الذي كانوا قد جمعوا عليه وفقاً للدستور والذي أقروه وهو- عبدالله ابن أحمد الوزير، وكذلك علي الوزير وآخرون وقد اقتادوا هذه المجموعة كذلك إلى حجة، وقد نجا في هذه الأثناء من السجن كل من الشهيد أبو الأحرار المرحوم محمد محمود الزبيري وزميله المناضل المرحوم أحمد الوريث ولجأوا يومها إلى الشقيقة باكستان في عهد الرئيس الباكستاني محمد علي جناح.
وعندما استتب الأمر للإمام أحمد أرسل للشيخ حسن الدعيس معطياً له الأمان ليعود إلى أهله، وعند عودته قيل أن أحد أنصار الإمام استضافه ودسّ له السم على الرغم من أنه قد أعطاه مبلغا من المال لإعادة بناء منزله الذي كان الإمام قد أمر بهدمه عاد إلى القرية ولكنه توفي بعد أيام من عودته، وكان المرافق له واسمه الجماعي قد اختلس جلده من آثار السم، وقيل أن الإمام قد أرسل أحد جواسيسه إلى القرية للتأكد من وفاته، ومع ذلك لم تهدأ الحركة الوطنية فقبل قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962م بسنوات تم إعدام النقيب عبداللطيف بن قايد بن راجح في مدينة السخنة ومعه الشهيدان الشيخ حسين بن ناصر الأحمر وابنه حميد بن حسين، ولحق بهذا الرعيل من أبناء محافظة إب عدد من أبنائها بعد ثورة سبتمبر الضافرة وعلى رأسهم الشهيد علي عبدالمغني الذي كان يرأس تنظيم الضباط الأحرار الذي ضم من أبناء المحافظة المرحوم المؤرخ العسكري العقيد ناجي علي الأشول والعقيد علي الكهالي والشهيد أحمد الكبسي والعقيد علي محمد الشامي كما استشهد أثناء حصار السبعين يوماً لصنعاء الباسلة الشهيد الشيخ علي بن عبدالله عنان، وآخرون من أبناء المحافظة لا يحضرني ذكر أسمائهم .. إذاً فمحافظة إب وهي تحتفل بالعيد السابع عشر لإعادة وحدة الوطن قد جسدت هذه الوحدة بالإضافة إلى ما قدمت من شهداء على درب الوحدة ومن المناضلين الذين ذكرناهم آنفاً والذين تعرضوا للسجون والتعزير، كما حدث للوالد المرحوم القاضي أحمد بن علي العنسي الذي تعرض للتعزير في شوارع المدينة بل الزج به في السجن بإب وفي تعز كذلك، فقد جسدتها وذلك من خلال دعمها مادياً ومعنوياً لثورة أكتوبر المجيدة، وكذلك جسدت إب وحدة الوطن في احتضانها لعدد من مناضلي ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة وذلك في بداية المقاومة المسلحة وفي بداية الثورة التي انطلقت من جبال ردفان الأبية ضد المحتل الانجليزي .. ومثلما احتضنت إب أولئك المناضلين كانت عدن هي الأخرى قد احتضنت الكثير من المناضلين الذين كانوا يلجأون إليها من سيف الجلاد "أحمد".
إنني من خلال هذا السرد عن مناضلي اللواء الأخضر وشهدائه أود أن يطلع الجيل الجديد في هذا اللواء ليعرفوا أن الثورة والوحدة لم تأت من فراغ وإنما سبق ذلك سنوات طويلة من النضال والتضحيات بأرواح قوافل من الشهداء سواء في شمال الوطن أو جنوبه، والذي أرجو أن تعاد صياغة تاريخ الحركة الوطنية في اليمن بموضوعية وبشفافية بحيث يشمل كل من كان لهم دور بارز في مسيرتها، والله ولي التوفيق.
*الثورة