المؤتمرنت -
مزاج أزرق .... عالم جواني ولغة لاذعة
تُطل علينا الشاعرة الأردنية رانه نزال، المقيمة في البحرين بديوان شعرها الثاني " مزاج أزرق" بعد الأول " فيما كان" والصادرين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتقول فيه ما تقول من كلام جوّاني بلغة حارقة تتناول موضوعات الحياة اليومية من زاوية رؤية تستشرف الآتي عبر تحديقها في الماضي، في الآخر، في الأشياء، بلغة تتفلت من المكان كأن بها حرون عليه، وبحث عن مكان يتلبس أشواق الإنسان وظمأه للأنبل والأكمل.
وإذ تنبني الذات عند الشاعرة من الشتات الذي يعم .. ويغم فإن تجربتها لتمتد إلى الجيل الثلاث من الشتات الفلسطيني، الأبناء الذين عاشوا بعيدا عن الأرض، بعيدا عن الجرح وفي ذات الوقت في عمقه من حيث يدرون ولا يدرون، فكل مابهم وكل ما عاشوا وسيعيشون يرتبط بها تلك الأرض التي تفوح منها رائحة الصبر والدم والقهر، ولعل المعادل الموضوعي الذي يطل من خلال الديوان في تعسّر ولادته كرؤية متبصرة بواقعها يجعله لاذع النكهة، مستشرسا في خمشه الواقع المرير بحثا عن أفق آخر، يصير فيه للآخر طعم الحليب والسكر... بينما هو في ظل ما هو فيه ينز قهرا، ويترجم تهلّكه في تخفّف من الحياة وتواطيء بغيض يحرم الأشياء أن تتمظهر في فازاتها الرقيقة العابقة بالورد، ليحيلها إلى مكانات صابئة وملثاتة وملتبسة وقد اختلطت فيها الصور...
تقول :
" قد يمرض الواحد من حمى العناق المرّ
ولربما قد يعترض
على تراخي الروحِ
عند سغح الرغبة العمياء
فيما القلبُ هدّارٌ
وشكاّء بغيض
وممتعض ".
وتضيف في اعتراف صارخ بالاستلاب الدامي الذي يجهل الذات بذاتها وينكرها، يدفنها وأداً تحت طبقات من الأقنعة والمرايا الساخرة :
" هذه التي تشبهني
كيف تتصرف مثلي؟
تشرب القهوة
والسجائر العجلة
وتسخر من الجريدة
وتدير المحرك بالطريقة ذاتها
وأذكر أني كنت أعرفها
كانت مني
فكيف جرى أن انفصلنا
ذات صباح شتوي
قبل نهاية السنة
وصرتُ أذكرها بي فلا تفعل ؟"
لغة تراوح بين السرد اللاذع البسيط الذي يحكي الأشياء على ما هيتها وبعلاتها، وأخرى تتبحر وتغوص بعمق على معان ودلالات تحيل إلى النص القرآني، وإلى موروث من الإشارات والدلالات الثقافية الغنية بأبعاد تشف عن تثاقف محمود يصب في سعيه لمس الجواني المتحرّق إلى كينونة صائبة وانوجاد أصيل، ومن ذلك :
" ارفع يدك للناظرين
وألق عصاك ولا تتردد
ألقها فأنت الكليم المصطفى
وأنت الندى والرنين "
" .. يا جد
منَ مِن بعدك
يَعُدُّ العشيرة
من يصهل في ودياننا الخضراء
بصرخة الزير القتيل"
بلا تصالح ..
لا تصالح".