الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:07 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 17-مايو-2007
المؤتمر نت - العلم التركي بقلم : ف. ستيفن لارابي -
تركيا وحرب الأعصاب
إذا ما كانت تركيا راغبة في التحول إلي ديمقراطية ناضجة فلا بد أن تتقبل القوات المسلحة بها الاضطلاع بدور أقل في السياسة مع احتدام الجدال السياسي المحيط بمسألة اختيار رئيس جديد، تدخل تركيا مرحلة حاسمة قد تكون ذات أثر عميق علي التطور الداخلي للدولة كنظام علماني ديمقراطي وعلي علاقاتها مع الغرب.

كانت المحكمة العليا في تركيا قد رفضت ترشيح الإسلامي المعتدل ووزير الخارجية الحالي عبد الله غول لمنصب الرئاسة، كما تم تقديم موعد الانتخابات البرلمانية، التي كان من المقرر انعقادها في شهر نوفمبر، إلي شهر يوليو، وذلك في محاولة للخروج من هذا المأزق السياسي.

إلا أن هذه الخطوات ليس من المرجح أن تؤدي إلي التخفيف من حدة التوتر بين حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وبين القوات المسلحة التركية التي تري في نفسها حامي حمي النظام العلماني للدولة.

بل لقد تصاعدت هذه التوترات نتيجة لتغيير عدد من المناصب العليا في القوات المسلحة التركية، وبصورة خاصة الجنرال حلمي أوزكوك رئيس هيئة الأركان العامة في شهر أغسطس الماضي.

كان أوزكوك رجلاً معتدلاً لا يحب الظهور وكان يسعي إلي تنمية علاقات عمل طيبة مع أردوغان. وعلي النقيض من أوزكوك تماماً، سنجد أن خلفه الجنرال ياسر بيوكانيت رجل علماني قوي وأشد صراحة في محاولات فرض وجهات نظر القوات المسلحة.

في كلمة ألقاها بيوكانيت في شهر أكتوبر الماضي علي قادة الأكاديميات العسكرية في اسطنبول، حذر علناً من أن تركيا تواجه تهديداً خطيراً يتمثل في الأصولية . ولقد نظر العديد من المحللين إلي هذا التحذير باعتباره انتقاداً مباشراً لرئيس الوزراء أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم.

في السابع والعشرين من أبريل بلغ التوتر ذروته حين أصدرت هيئة الأركان العامة بياناً أكدت فيه أن القوات المسلحة التركية ما زالت علي عزمها الثابت في القيام بواجباتها النابعة من القوانين لحماية الشخصية غير القابلة للتغيير للجمهورية التركية، وأن إخلاص القوات المسلحة علي هذا العزم مطلق وبلا حدود .

كان هذا التصريح الخشن العبارات بمثابة تحذير واضح، وإن كان مُقَنَّعاً، باستعداد القوات المسلحة للتدخل إذا ما أسفر انتخاب غول كرئيس عن جهود من جانب حكومة أردوغان لفرض برنامجها الإسلامي أو اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تهدد الطبيعة العلمانية للنظام السياسي التركي.

كان ذلك التصريح ذا أهمية استثنائية، خاصة وأن القوات المسلحة التركية سبق لها التدخل في العملية السياسية أربع مرات منذ العام 1960 وكانت الأخيرة في العام 1997 حين أجبرت حكومة رئيس الوزراء نيكميتين إرباكان ذات التوجهات الإسلامية علي الاستقالة، فيما عُرِف ب انقلاب ما بعد الحداثة .

ولقد تفاقمت هذه التوترات بسبب الخلافات بين بيوكانيت وأردوغان فيما يتصل بصراع تركيا ضد الانفصاليين الأكراد تحت قيادة حزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره القوات المسلحة تهديداً خطيراً لسلامة الأراضي التركية.

فقد أسفرت الهجمات التي قامت بها عصابات تابعة لحزب العمال الكردستاني عن مقتل ما يزيد علي 35 ألف شخص منذ العام 1984. ومنذ شهر يناير 2006 أسفرت الغارات التي يشنها حزب العمال الكردستاني عبر الحدود من ملاجيء آمنة في شمال العراق عن مقتل ما يقرب من 600 شخص، أغلبهم أفراد في قوات الأمن التركية.

مع تصاعد الخسائر بين القوات التركية، بدأ صبر القوات المسلحة في النفاد وأصبح أردوغان تحت ضغوط داخلية متنامية لشن عمليات عسكرية أحادية ضد حزب العمال الكردستاني.

في مؤتمر صحافي في الثاني عشر من أبريل زعم بيوكانيت بوضوح أن القيام بعملية عسكرية في العراق بهدف القضاء علي التهديد من جانب حزب العمال الكردستاني بات أمراً ضرورياً وذا فوائد واضحة .

والحقيقة أن تعليقاته تعكس الإحباط المتنامي من جانب القوات المسلحة إزاء الافتقار إلي الدعم الأمريكي الجاد، وكان من الواضح أن هذه التعليقات تهدف إلي تكثيف الضغوط علي أردوغان لحمله علي التفويض بعلميات عسكرية أحادية عبر الحدود ضد قواعد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.

إلا أن مشكلة تركيا مع الأكراد لا يمكن حلها بالسبل العسكرية. فالحل الوحيد يتلخص في الحوار بين الحكومة التركية وقادة الأكراد العراقيين، علاوة علي اتخاذ إجراءات اقتصادية وسياسية تهدف إلي تحسين ظروف الأكراد الأتراك المعيشية ومنحهم حقوقهم السياسية.

ويبدو أن حكومة أردوغان تدرك هذه الحقيقة، فقد أبدت مؤخراً اهتماماً بإقامة حوار مع قادة الأكراد العراقيين. إلا أن القوات المسلحة التركية تعارض إقامة حوار علي مستوي عالٍ مع الأكراد العراقيين، علي اعتبار أن حزب كردستان الديمقراطي تحت زعامة مسعود برزاني، واتحاد كردستان الوطني تحت زعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، يدعمان حزب العمال الكردستاني عسكرياً وسياسياً.

ونظراً للدور الأساسي الذي تلعبه القوات المسلحة في السياسة التركية، وخاصة فيما يتصل بقضايا الأمن القومي الحساسة، فلسوف يحتاج أردوغان إلي دعم القوات المسلحة أو علي الأقل قبولها لأي مبادرة إذا ما أراد لها النجاح.

وعلي هذا فقد يكون كارهاً للشروع في الحوار مع الأكراد العراقيين في وقت يشهد تصاعد حدة التوترات مع القوات المسلحة بشأن تأثير الإسلاميين علي السياسة التركية.

لقد تحرك أردوغان لنزع فتيل الأزمة الحالية من خلال الإعلان عن اعتزامه عقد انتخابات مبكرة علاوة علي إجراء تغييرات دستورية شاملة تجعل انتخاب الرئيس يتم بواسطة الشعب وليس بواسطة البرلمان.

وهذا من شأنه أن يمنح الرئيس قدراً أعظم من الاستقلال، بينما يقلل من المخاوف بشأن احتمالات ميل الرئيس إلي تنفيذ الأجندة السياسية لأي حزب بعينه.

في ذات الوقت، إذا ما كانت تركيا راغبة حقاً في التحول إلي ديمقراطية ناضجة حديثة، فلابد وأن تتقبل القوات المسلحة الاضطلاع بدور أقل تدخلاً في السياسة التركية. وعلي الرغم من اتخاذ عدد من الخطوات علي هذا المسار خلال الأعوام العديدة الماضية، إلا أن الأزمة الحالية تسلط الضوء علي حقيقة مفادها أن الطريق ما زال طويلاً أمام تركيا قبل أن تتمكن من تحقيق هذه الغاية بشكل كامل.

*( يشغل منصب الرئيس المشارك لشؤون الأمن الأوروبي لدي مؤسسة راند RAND، وهي منظمة بحثية لا تسعي إلي تحقيق الربح)-

المصدر صحيفةالراية




أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر