!د/ عبدالحكيم المنصوب# - الوحدة اليمنية عامل أمن واستقرار اذا كان العمل على تحقيق الوحدة اليمنية قد جاء ضمن اهداف كل من ثورة 26سبتمبر 1962م وثورة 14 اكتوبر 1963م، فذلك لأن اليمن يمثل وحدة بشرية وجغرافية واحدة ومن الطبيعي ان تكتمل بالوحدة السياسية والاقتصادية.
إذ لا تمثل الوحدة اليمنية ترفاً في وجدان اليمنيين وانما ضرورة لتحقيق الامن وما يتبعه من استقرار في المنطقة كلها وليس في اليمن فحسب.. فطبيعة اي تجمع بشري ان تتعارض مصالح ورؤى بعض افراده، وحيث هذا التعارض يكون الصراع، وبتعدد الافراد تتعدد مصادر التعارض وتتنوع اوجه الصراع، وقد عرف اليمنيون هذا الصراع ودفعوا ثمنه الكثير من الخسائر بشرية ومادية وخوف واضطرابات خلال فترات مختلفة -طولاً وتوقيتاً- من التاريخ اليمني المعروف بدءاً بالقرن العاشر قبل الميلاد وحتى العقد الاخير من القرن العشرين الميلادي.
إذ تشير المعلومات عن التاريخ اليمني القديم إلى ان سبأ كانت هي الدولة الأم منذ الالف الاول قبل الميلاد، وان الدول الاخرى (معين، قتبان، اوسان، حضرموت) كانت تدور في فلكها، ترتبط بها تارةً وتنفصل عنها تارةً أخرى، بل ان حمير اندمجت آخر الامر في سبأ ومثلت امتداداً لها.
وفي عصر سيدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وخلفائه الاربعة -رضي الله عنهم- سادت انحاء اليمن وحدة مستقرة وقفت في وجه حركات الردة والانفصال (حركات: عبهلة العنسي المعروف بالأسود العنسي، قيس بن مكشوح المرادي، قيس بن الاشعث)، حيث حكم اليمن والٍ واحد يتبع عاصمة الدولة الاسلامية، وفي عصر الدولة الأموية ظل اليمن موحداً ولكنه شهد اضطرابات قادت الى تدهور الاوضاع الاقتصادية.. وذلك بسبب الحركات المناهضة لحكم بني أمية او لولاتهم في اليمن (مثل حركة عباد الرعيني وحركة عبدالله بن يحيى الكندي الحضرمي).. ومنذ عام 819م بدأ افول الحكم العباسي في اليمن، ودخلت البلاد في الكثير من الاضطرابات والتمزق.. حيث قامت دولة بني زياد بالاستقلال عن الخلافة العباسية، ولم ينتهِ القرن التاسع الميلادي الا وقد بدأ حكم الأئمة واستمر حتى 1962م، والذين نازعهم الحكم الكثير من اليمنيين وغير اليمنيين، وظل حكمهم طوال هذا الفترة بين القوة والضعف، غير قادر على تحقيق الوحدة الكاملة لليمن، باستثناء فترتي حكم الامام المؤيد محمد بن القاسم الذي تولى أمر اليمن سنة 1635م، والامام المتوكل اسماعيل بن القاسم الذي تولى الحكم سنة 1644م، وعلى انقاض دولة بني زياد قامت دولة بني نجاح ثم دولة الصليحيين الذين استطاعوا تحقيق الوحدة الكاملة لليمن.. الا ان اليمن كان قد تمزق بعدهم بين الأئمة وآل حاتم والهمدانيين وآل مهدي واشراف المخلاف السليماني، امارات متصارعة انتهت بحكم الايوبيين لليمن (1174-1229م).. واستمرت وحدة اليمن خلال حكم بني رسول من بعد الايوبيين باستثناء مناطق شمال اليمن التي ظلت محل نزاع بين الأئمة والأشراف.. واستمر هذا الوضع خلال دولة الطاهريين فيما بعد، حتى سنة 1517م عندما دخل المماليك اليمن بحجة تقديم العون لمقاومة البرتغاليين.. ومن بعد المماليك لم يستقم الأمر للعثمانيين الذين يؤرخ بداية حكمهم لليمن بسنة 1548م، حيث استمرت الاضطرابات التي انتهت بانفصال المناطق الجنوبية والشرقية وبانسحاب العثمانيين من البلاد.. ورغم استعادة اليمن لوحدته في اثناء حكم الامام المؤيد محمد بن القاسم، والامام المتوكل اسماعيل بن القاسم، كما سبقت الاشارة الى ذلك، الا ان المناطق الجنوبية والشرقية انفصلت مرة اخرى خلال فترة حكم الامام محمد بن المتوكل المعروف بالمؤيد الصغير الذي تولى امر البلاد سنة 1681م، واستمر هذا الانفصال حتى سنة 1839م عندما احتل البريطانيون عدن، فدخلت البلاد بعدها صراعاً محلي ودولي الاطراف.
فقد عاد العثمانيون لينازعوا السلطات كل من الأئمة في الشمال والبريطانيين في الجنوب، وظهر الأدارسة بدعم ايطالي لمناهضة العثمانيين، ثم بدعم بريطاني لمناهضة الأئمة والعثمانيين معاً، ثم بدعم ايطالي وبريطاني ليستولي الأدارسة على المدن التهامية بما فيها الحديدة والمخا.. ولم يندحر الأدارسة الا سنة 1924م امام قوات الامام يحيى حميد الدين الذي سبق وان نازع البريطانيين الحكم في مناطق الجنوب والشرق من البلاد، وظل مطالباً بها، وعقد الاتفاقات التي بموجبها حصلت المناطق الشمالية على الاستقلال سنة 1923م الا ان المناطق الجنوبية والشرقية بقيت سلطنات ومشيخات ومحميات بريطانية.. وظل هذا الوضع الى ان قامت ثورتا 26سبتمبر 1962 في الشمال و 14 اكتوبر 1963م في الجنوب اللتان افرزتا نظاماً يمنياً معتدلاً في الشمال وآخر اشتراكياً متطرفاً في الجنوب، هدفاً إلى تحقيق الوحدة ولكن برؤى مختلفة خلقت صراعاً وصل الى الاقتتال أكثر من مرة.. وظلت الوحدة اليمنية مطلباً ضرورياً لا يجادل فيه اليمنيون الى ان تحققت سنة 199٠م وعبَّر اليمنيون عن تمسكهم بها بدمائهم في حربهم ضد الانفصال سنة 1994م.. وبذلك انتهت صراعات ابناء البلد الواحد الذين نشدوا الأمن والاستقرار، ومن ثم توجيه الجهود والاموال نحو التنمية، وخلق فرص افضل امام الاستثمار الخاص المحلي والاجنبي.
واذا سبق القول: بأن اوجه الصراع تتعدد بتعدد افراد المجتمع، فإن ذلك يمكن تعميمه على مستوى الدول، فتعدد الدول في اقليم جغرافي معين يكون من المتوقع معه ان تتنوع وتتعدد أوجه الصراع في هذا الاقليم، ويتدرج هذا الصراع من اختلاف مواقف الدول في المحافل والمنظمات الاقليمية والدولية، الى الحرب الاقتصادية غير المعلنة وما شاكلها، الى ان يصل الى اقبح وجه له وهو استخدام الآلة العسكرية.. وعليه يكون من المتوقع ان تتضاءل فرص الصراع بين الدول الواقعة في الاقليم الجغرافي الواحد كلما قلَّ عدد هذه الدول بالوحدة الاندماجية الكاملة.. خاصة اذا توفرت مفردات التجانس الاخرى بين الدول غير المتحدة، مثل الدين واللغة، فقد انتجت الوحدة اليمنية بعض الثمار المنظورة على مستوى المنطقة، حيث كان التقارب اكبر في المواقف الاقليمية والدولية، وحيث كان إنهاء مشاكل الحدود اليمنية بسرعة وبسلام علَّق عليه امين عام الجامعة العربية بأنه يتمنى ان تحذو الدول العربية حذو اليمن في حل مشاكلها الحدودية مع جاراتها.
مما سبق يمكن التقرير بأن الوحدة اليمنية اصبحت تمثل عامل استقرار وأمن وما يتبع ذلك من فرص افضل للتنمية، ليس في اليمن فحسب، ولكن في شبه الجزيرة العربية على الأقل.. حيث العرق الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة.. بل والتقارب في مجمل العادات والتقاليد بين شعوب المنطقة.. وربما لا نذهب بعيداً اذا قلنا: إن الحدة اليمنية اوجدت دولة واحدة اكبر واقوى من الدولتين اليمنيتين المتحدتين، مما يمثل عمقاً استراتيجياً اكثر اهمية لدول شبه الجزيرة العربية، ومصدراً اكبر واكثر تنوعاً للأيدي العاملة التي قد تحتاج اليها، وقوة اكبر لحماية أمن البحر الاحمر والبحر العربي.
# عميد كلية التجارة والعلوم الادارية - جامعة إب
*صحيفة 26سبتمبر
|