عبد الرحمن الراشد* -
هل يبيع الأميركيون العراق لإيران
معظم ما وقع في السنوات التي أعقبت غزو العراق، من مواجهات وتفجيرات واغتيالات وربع مليون انسان من القتلى، كان هدفه الجلوسَ إلى طاولة التنازلات في بغداد، فواشنطن وطهران تريدان العراق. ايران بدأت تجني ثمَرَ سياستها، وواشنطن تدفع اليوم ثمن فشلها.
أخيرا التقى سفيرا البلدين علانية حول الشأن العراقي. واللقاء رضوخ اميركي واضح مهما قيل عكس ذلك. فيه تراجعٌ عن تصريحات واشنطن المليون برفض التفاوض حول العراق. والسؤال لماذا لم يرتب الاجتماع سرا في قبرص او جامايكا كما يُفترض في مثل هذه التنازلات؟ ربما هي رسالة واضحة لكل دول المنطقة. الرسالة تقول للجيران ان الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع ايران لأن الاطراف العربية رفضت التعاون معها في الشأن العراقي. والعرب سينظرون الى الاجتماع كتطور سلبي يهز صورة واشنطن وثقتهم بها، ويخشون أن يكون مدخلا لتنازلات وتعاون اكبر بين العدوين.
أحدهم لام الدول العربية المعتدلة في المنطقة بأنها هي مَنْ دفعت الحكومة الاميركية للغداء مع ايران. قال تمنينا عليهم ان يساعدوا هذا البلد المستهدف، من قبل خصومنا وخصومهم في المنطقة، لكنهم فضلوا الجلوس على مقاعد المتفرجين، ولم يعد هناك بد من ان يتفاهم الاميركيون مع الايرانيين.
وبكل أسف لابد من الاعتراف بسلبية العرب تجاه العراق منذ البداية وحتى اليوم. غيابهم المتعمد جعل ايران تبني وجودها بشكل منظم ومتزايد حتى صارت المهيمنَ الثاني الحقيقي على الساحة العراقية، بعد الولايات المتحدة. وبغياب المشاركة العربية الايجابية في العراق اختل التوازن. وآخر الاختلالات انضمام مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، الى المعسكر الايراني، الذي عاد الى العراق ليبدأ مواجهة جديدة مع الأميركيين.
وإن استمرت المجموعة العربية في الاكتفاء بالشكوى والتفرج وترك النظام المركزي العراقي لمصيره، فإن البلد عملياً سيصبح مستعمرة ايرانية لعشرين سنة مقبلة. وهنا يهمني ان اشير الى علتين؛ الأولى الاكتفاء باللوم، بتحميل الغير المسؤوليةَ بدلا من تحمُّل المسؤولية. فلا يُعقل ان تبنى سياسة فقط على الشكوى ولوم الاميركيين على ما فعلوه في الماضي، لأن الأهم هو التعامل مع الواقع الماثل للعيان. والثانية، تبني سياسة الانعزال، وعدم التورط في الشأن العراقي، في حين ان العراق بلد كبير يقع في قلب المعادلة السياسية للمنطقة كلها، ولا يمكن الهروب من نتائجه. هذا بلد من 25 مليون نسمة، وثاني اكبر احتياطي بترول في العالم، ومداخيله ستبلغ مائة مليار دولار سنويا.
دعم النظام المركزي في بغداد، بغض النظر عمن على رأسه، بالتواصل معه وجذبه بعيدا عن طهران من أجل تأمين استقلال العراق عن أي تأثيرات كانت، اميركية او ايرانية او اقليمية أخرى. فمصلحة المنطقة ان يكون العراق حرا يخدم مصالحه مباشرة وليس المقصود ان يخدم الدول العربية او غيرها. مصلحة العرب والعالم ان يكون العراق بلدا مستقرا وقويا لا تابعا، فلا يصبح حماس ولا حزب الله وغيرهما اللذان يداران اليوم من طهران.
[email protected]
*الشرق الاوسط