فخري صالح - الوكيل الأدبي وعالم النشر العربي لا شك في أن فكرة الوكيل الأدبي، أو ما يسمى في اللغة الإنكليزية Literary Agent، غريبة علينا في العالم العربي، بل هي مفهوم ينتمي إلى عالم الغرب وقيمه وعاداته، وطبيعة نظامه الاقتصادي وصيغه التعاقدية التي تربط الأفراد بنظرائهم الأفراد، والأفراد بالمؤسسات المختلفة. ولهذا السبب الحديث عن ضرورة أن يسعى الكتاب إلى أن يكون لهم وكلاء يروجون إنتاجهم (ويكونون صلة الوصل بينهم وبين دور النشر، والصحف والمجلات، ووسائل النشر المختلفة التي يسعون إلى عرض إنتاجهم عليها) قد يبدو مستهجناً في ثقافتنا العربية الراهنة التي يتناقص فيها عدد قراء الكتب بدلاً من أن يتزايد. لكن هذا التباين بين ثقافتين مختلفتين لا يعني إهمال الفكرة ورميها في الوقت الذي تضيع فيه حقوق المؤلفين، وتصبح القراءة، في مجتمعات تتآكل ويزداد فيها التطرف والانغلاق، من شؤون الماضي الجميل!
بلى إن فكرة الوكيل الأدبي تنتمي إلى عالم آخر من عوالم الثقافة، إلى سياق اجتماعي واقتصادي يؤمن بأن كل شيء يمكن التعامل معه بصفته سلعة نستطيع الترويج لها، وزيادة اهتمام الناس بها، ودفعهم إلى شرائها. لكن من قال إن هذا الفهم خاطئ ما دام يدفع الناس إلى القراءة، ويجعلهم يقبلون على الكتب لأن منظومة المؤلف والوكيل الأدبي ودار النشر والصحيفة، أو المجلة، تشكل نوعاً من الصدقية التي تؤثر في القراء وتشكل أذواقهم؟
لقد نشأ نظام الوكيل الأدبي في سياق اجتماعي - ثقافي - اقتصادي يؤمن بحقوق الملكية الفردية، بل يقدسها، وهو النظام الرأسمالي الغربي، لكن ذلك لا يقلل من فرادة الفكرة التي تجعل من الكتاب سلعة ينبغي الترويج لها. ولا يعني نشوؤها في ظل هذا النظام عدم صلاحيتها للمجتمعات التي تتخذ في حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية نظاماً غير النظام الرأسمالي. إن الوكيل الأدبي يهمه الربح طبعاً، لكنه يوفر على الكاتب الصراع مع دور النشر على الحقوق، ويجعله يتفرغ للكتابة من دون أن يشغل نفسه بحواف عملية الكتابة المتمثلة في البحث عن ناشر، ومتابعة ترويج كتابه. الأهم من ذلك أن الوكيل الأدبي سيقوم بالبحث عن أفضل شروط النشر لأن ذلك سينعكس عليه ربحاً أكبر، فالمصلحة مشتركة بين الكاتب والوكيل الذي يمثله.
ذلك متبع في الغرب عموماً، يستثنى منه الكتاب غير المعروفين ودور النشر الصغيرة ربما، وهم يشبهون ما نحن عليه الآن في العالم العربي، صناعة نشر صغيرة يمتلك فيها المعنيون بالنشر دكاكين صغيرة تبيع كميات قليلة من الكتب في سوق ضخم يمتد من المحيط إلى الخليج. لهذا السبب يبدو الوكيل الأدبي حلاً من الحلول لتراجع القراءة في هذه المنطقة المنكوبة من العالم.
ثمة وكالات أدبية قد أنشئت في مصر، وبدأت عملها مع عدد من المؤلفين وافتتحت لها نقاطاً لبيع الكتب في عدد من الاستراحات والمجمعات التجارية الكبيرة، فهي إذاً زاوجت بين عمل الوكيل الأدبي والمروج والموزع. وأهمية هذه البداية تتمثل في البحث عن آفاق جديدة لتوزيع الكتاب، وعن مجموعات قرائية جديدة، وتخليص الكاتب من أفواه الناشرين الذين يرفضون دفع حقوقه في العادة. لكن الأهم من وجهة نظري أنها توفر على الكتّاب تضييع وقتهم في البحث عن ناشرين ملائمين لكتبهم، وتعطيهم فرصاً أكبر للتفرغ لعملهم الأساسي وهو الكتابة.
صحيح أن الناشرين سيقاومون هذه الفكرة لأنها تدفع شركاء جدداً إلى سوق الكتاب ونشره، وتأخذ منهم بعض الأرباح المضمونة التي لم يكن ينازعهم عليها أحد، لكن ظهور وكلاء أدبيين يتعاقد معهم الكتّاب لتولي أمر ترويج كتبهم وعرضها على الناشرين، والسعي الى التعاقد مع دور نشر أجنبية لترجمة تلك الكتب، يفتح أمام الكتاب آفاقاً، خصوصاً في ما يتعلق بإيصال الكتب إلى القراء، وتوسيع مجالات ترجمة تلك الكتب، في ضوء ضعف القراءة وضعف ترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأخرى.
الحياة
|