تركي السديري -
حقاً.. هو فخامة رئيس
حالياً في مجتمعنا العربي وبسبب الظروف والمحن والمشاكل المعقدة العائمة اضطربت في أذهاننا وقناعاتنا مضامين التسميات والألقاب السياسية.. دائماً تعطي الأسماء الأولى في مواقع القيادات العربية للشعوب ما يخصها بمؤشرات التميز ويفرض لها الثقة المطلقة، لكن الأوضاع الراهنة التي فشل فيها رؤساء عديدون من مقاومة مخاطرها بل لعب بعضهم أدواراً مضطربة في دفعها نحو الأسفل.. لبنان مثلاً، العراق، دول أخرى هناك تحفظ على تسميتها لكنها معروفة الاضطراب محلياً والتسلط المطلق رئاسياً..
لكن عندما أتأمل أوضاع اليمن الذي زرته عدة مرات وعبر أعوام قد تصل إلى الثلاثين عاماً تابعت خلالها مشاكله ومؤثراته وعقبات طموحاته أجد أن علي عبدالله صالح يستحق أن يأتي اسمه مسبوقاً بلقب التقدير "فخامة الرئيس" للمبررات الآنف ذكرها عن أوضاع الرئاسات العربية ومعها أوضاع عدد ليس بالقليل من المجتمعات العربية.. إما أن تكون ذات نمو متوقف، أو تكون غير متوازنة.. عند المقارنة بين الإمكانيات وطبيعة المفاهيم أو نشر الثقافات أو السيطرة على نشر مفاهيم توحد المجتمع..
الرئيس علي عبدالله صالح بإمكانيات وطنية مادية شحيحة جداً اختلف عن كل أولئك، واستطاع أن يرسم خطوط نمو عملت على تحديث المجتمع وقاربت بين مفاهيمه.. ليس هذا فحسب ولكن انتشار الفلكلور الثقافي يعطيك الانطباع أن الخنجر في واجهة الصدر لم يعد إلا مشهداً فلكلورياً بعد أن هبط من في الجبال ليعملوا ضمن أطر وحدة وطنية لم تكن موجودة من قبل..
لقد حكم اليمن لسنوات طويلة جداً قبله داخل صنعاء فقط وكانت العلاقات مع المناطق الأخرى أشبه بالتحالفات.. وحده علي عبدالله صالح الذي حكم اليمن كاملاً ولم يحرك في سبيل ذلك عنف قبيلة حليفة ضد أخرى ذات اعتراض.. فالجميع أصبح تحت لواء الدولة رغم أن معاناة اليمن بالغة القسوة، فالعدد السكاني الكبير الذي يقارب الأربعة والعشرين مليوناً يفتقد إلى بعض - مجرد بعض - من إمكانيات مجتمعات لا ترتفع إلى خمس هذا العدد، ولذا فمسألة تأهيل اليمن ليكون عضواً إيجابي الحضور في مجموع التعاون الخليجي هو أمر مهم للغاية، ليس لليمن فقط، ولكن أيضاً بالنسبة لدول الخليج ذاتها، حيث يفترض أن يكون الممون السكاني لحالة العجز العروبي في دول أخرى، وبالمقابل من المفروض أن تعمل رأسماليات عربية استثماراتها بوفرة توازي ما تفعله في دول أخرى، واليمن أكثر استحقاقاً، خصوصاً وأن اليمن برئاسته قد نجح في مجابهة تحديات كثيرة لعل أبرزها السيطرة على الحدود البحرية المنفذ المخيف لتسريبات الإرهاب، وبالتالي تحققت أيضاً السيطرة على حدود برية وجبلية مع المملكة شاركت في محاصرة عناصر الإرهاب..
الاستثمار العربي.. سوف يجدد قدرات صنعاء الوظيفية، وسوف يعيد لميناء عدن قيمته التجارية والسياحية الهامة قبل أربعين عاماً، فيتوفر اتفاق سياحي عربي ودولي سيؤثر اقتصادياً على مناطق أخرى، وهذا مجرد نموذج، وإلا فإن التلاقح بين القدرات مادية وبشرية من شأنه أن يعزز مناعة مجتمعاتنا التي أصبحت تهدد بمشاريع التدخلات قرب حدودها سواء من قبل طموحات دولية أو أخرى إقليمية
لقد تميز الرئيس علي عبدالله صالح بأنه لم يستسلم للغوغاء الثورية التي كانت قبل عشرين عاماً تملأ الميادين في المناسبات السنوية بالخطابات والمجتمع في حاجة إلى العمل.. وكبح جماح التطرف اليساري الذي أطفأ في الجنوب توقد ذلك النمو المبكر الذي كان لافتاً للجميع.. استطاع أن يفعل كل ذلك لأنه لم يسكت الجميع بالتحالفات القبلية ولكنه وبواسطة الأكاديميين والمثقفين أنجح وجود الدولة الفاعلة وسط مجتمع شحيح الإمكانيات للغاية..
* رئيس اتحاد الصحافة الخليجية-رئيس تحرير صحيفة الرياض