زيد محمد بن يحيى الذاري -
الحوثية هل هي نتاج هاشمي زيدي؟ 2 - 2
الحوثية هل هي نتاج هاشمي زيدي؟! مع رجاء العودة إلى قراءة ما تضمنه الجزء الأول من هذا المقال في العدد الماضي باعتباره موضوعا واحدا من حلقتين حيث انتهى بنا المطاف في العدد الماضي إلى طرح التساؤل القائل فهل صحيح أن حركة الحوثي نتاج مشروع زيدي ومؤامرة هاشمية خطط له وأجمع عليه كل الزيود وجميع الهاشميين؟ نستكمل في هذا العدد عرض وتوضيح طبيعة ومسار الزيدية والهاشميون فكرا وسلوكا ونركز على الحقائق التي جسدها الواقع باعتبار السلوك انعكاس للفكر الذي يحدد تصور الإنسان ويرسم ماسر حركته في الحياة وهو ما ستنطقه الوقائع عبر تتبعها خلال تاريخنا المعاصر وواقعنا المعاش لندرك غربة فكر الحوثي وحركته ومدى تناقضها مع الزيدية والهاشمية فالزيدية بما هي مذهب إسلامي عريق وفكر إنساني خلاق تميز بقدرته على التجدد ومواكبة كل جديد انطلاقا من ترسيخ أصل الاجتهاد وتحرير العقل بإعماله في فهم النصوص ومراعاة الواقع بمستجداته فقد تجاوز علماؤها في الأعم الأغلب قيود وإرث من سبقهم وقدموا -انطلاقا من شرعية مذهبهم- الاجتهادات التجديدية بما تحمله قواعد المذهب من السعة في النظر للمسائل الشرعية وهو ما انعكس في الأدوار التي قاموا بها في صناعة التحولات في اليمن فكان علماؤها من أبرز من قادوا ثورة 1948م حتى سماها كثيرا من المؤرخين بثورة العلماء كما أن كثيرا من رجالات وقادة ثورة سبتمبر كانوا امتدادا لفكر وبيئة المذهب الزيدي ومن جملة الأدوار التي قام بها علماء الزيدية خلال مسيرة الثورة والجمهورية إسهامهم ومشاركتهم بما بذلوه من جهود في سبيل وضع مناهج التدريس لأجيال الثورة وكذا دورهم المشهود في المنجز الرائد الذي تفاخر به اليمن؛ اقصد به تقنين أحكام الشريعة الإسلامية الذي صار المعتمد والمرجع في صياغة القوانين والتشريعات في بلادنا وتعممت قواعد القانون بذلك المنجز الذي شارك فيه علماء الزيدية إلى جانب إخوانهم من علماء الشافعية والأحناف وهي المذاهب المعتمدة في بلادنا، وهنا وللتذكير أورد أسماء بعض من علماء الزيدية والمساهمين في ذلك الدور وهم أصحاب الفضيلة العلامة عبد القادر بن عبد الله رئيس محكمة النقض والإقرار الأسبق والوالد العلامة محمد بن محمد المنصور عضو أول مجلس سيادة بعد الثورة والوزير في أكثر من تشكيلة في العهد الجمهوري المبارك والعلامة القاضي عبد الله الشماحي والعلامة حسين السياغي والقاضي عبدالكريم العرشي وسماحة المفتي العلامة أحمد محمد زبارة وغيرهم كثير ممن لا يتسع المقام لذكر أسمائهم ألم يكن هؤلاء هم من كبار علماء الزيدية ونتاج مدرستها المنفتحة والمتجددة؟ ألا يعني قيامهم بهذه الأدوار اقتناعهم بالنظام الجمهوري وإقرارا بشرعيته وبالتالي الولاء له والعمل من أجل ترسيخ دعائمه؟
ومن جملة أدوار علماء الزيدية وقوفهم إلى جانب قيام دولة الوحدة ودحضهم لتلك المواقف التي أرادت أن تعيق قيامها من خلال ما أسمي بأزمة الدستور فكان أن أصدروا ذلك البيان الشهير الداعي والداعم لتحقيق الوحدة، والذي كان له أعمق الأثر في تجاوز تلك العقبة، وقد وقع على ذلك البيان التاريخي جل علماء الزيدية وكبار مراجعها من صنعاء وذمار وصعدة وحجة وعمران والمحويت وغيرها فانتصروا بذلك البيان للوحدة وانحازوا إلى خيارات الشعب والأمة وقدموا بموقفهم ذاك دعما سياسيا استثنائيا للقيادة السياسية في شمال الوطن سابقا ممثلة بفخامة الرئيس علي عبد الله صالح حينما خذله أقرب حلفائه التاريخيين في تلك المرحلة حيث كان في أمس الحاجة إلى إسناده وهو يتجه لتحقيق أعظم منجز في تاريخ شعبنا والذي يمثل ياقوتة تاج عهده ومبلغ طموحات حكمه. وبالنسبة إلى إشكالية الإمامة وحصرها بالبطنين فلقد أصدر كبار مراجع الزيدية المعنيي بيانا وفتوى تضمنت رؤية زيدية معاصرة واجتهادية خلصوا فيها إلى أن أمر تعيين وانتخاب الحاكم أو الرئيس منوط بالأمة وأفراد الشعب يضعونه في من يريدون دون تقيد بعرق أو نسب وبالتالي فلا مجال لحصر الولاية العامة في عنصر أو سلالة وهنا نشير لأ همية إدراك عمق دلالات حضور ومشاركة أصحاب الفضيلة العلماء الوالد محمد بن محمد المنصور وأحمد بن محمد الشامي وحمود بن عباس المؤيد في مهرجان مرشح المؤتمر الشعبي العام للانتخابات الرئاسية بميدان السبعين في 18 سبتمبر 2006م وهم الذين مهروا بتوقيعاتهم -إضافة إلى العلامة قاسم بن محمد الكبسي- على ذلك البيان حيث لم يكن حضورهم محض صدفة أو فعلا عبثيا خال من أي رمزية وذلك للتدليل على انسجامهم مع ذواتهم ومطابقة أعمالهم لأقوالهم حيث حضروا وهم يعون ويعنون ما يفعلون ولا يفوتنا التذكير بذلك البيان الذي أصدره الوالد الحجة والعالم الأجل محمد بن محمد المنصور أمد الله في عمره عشية الانتخابات الرئاسية عام 1999م كمصداقية لهذه القناعة بما احتوى عليه ذلك البيان من دعوة للشعب لاختيار من يرتضيه لحكم البلاد كون الشعب صاحب الحق في ذلك كما تضمن البيان تزكية لاختيار الرئيس علي عبد الله صالح وقد رأى فيه المراقبون تجاوزا عمليا لفكرة حصر الإمامة في البطنين باعتبار أن صاحبه هو من هو علما وقدرا، وحجة سامقة على مستوى الوطن وبما يمثله من موقع مرجعي للزيدية ومقاما روحيا لدى الهاشميين. كما قدم علماء زيديون معاصرون اجتهادا آخر لمعالجة إشكالية الخروج على الحاكم مقررين أن أمر الخروج اليوم وفي عصرنا الراهن محل إعماله وتنفيذ مبدئه موكول إلى الأشكال الديمقراطية الشوروية المعاصرة والمتمثلة بحجب الثقة عبر البرلمان أو الدعوة للانتخابات المبكرة من قبل الشعب ولا أنكر وجود بعض من لا يزالون يعتقدون حصر الولاية في البطنين ولكن ذلك لا يعبر عن واقع الزيدية وجمهورها وهو ما يستلزم ويستدعي مزيدا من الجهد الفكري والعلمي والإثراء الاجتهادي.
وبالوصول إلى موقف الزيدية كمذهب وعلمائه البارزين من فتنة الحوثي فإن الواقع -وهذا ما يسجله التاريخ- يقول إن أول من تنبه إلى خطورة تلك الأفكار ونبه إلى ضلالتها هم علماء الزيدية حينما أصدروا بيانا فندوا فيه أباطيل فكر ودعوة حسين الحوثي وحذروا من عواقبها الوخيمة وأعلنوا البراءة منها وقد نشر ذلك البيان باسم علماء الزيدية وعلى صدر صحيفة الثورة الرسمية وتعمدوا أن ينسبوه -مضطرين- إلى علماء الزيدية لا تكريسا ولا تأسيسا لحالة مذهبية أو فئوية وطائفية منغلقة ولكن لإدراكهم لخطورة ما يمكن أن يترتب على فكر الحوثي وعمله من التصاق في أذهان الناس من أنه يمثل الزيدية ويعبر عن نهجها وينطلق من شرعيتها ولإبراز وإيضاح عمق تمايزهم عنه وتأ:يد مدى شذوذه وتناقضه مع الزيدية الحقة. وأما ذلك البيان الذي سبق أو صاحب بداية الحرب الأخيرة باسم علماء الزيدية بما تضمنه من مطالب غريبة ومستهجنة لا تمت إلى تفكير الزيدية ورؤيتهم وثقافتهم ولا تعبر عن قناعتهم. فلا يعدو عن كونه بيانا مدسوسا ومشبوها وقد رأينا كيف بادر علماء الزيدية إلى توضيح موقفهم منه وإزالة الالتباس الذي حصل بإنكار موافقتهم على مضمونة ولا شك أن ذلك البيان بنفسه المذهبي والطائفي والدخيل قد سبب صدمة وأثار الفزع من مضمونه ومراميه الخبيثة لدى جميع الزيود والهاشميين قبل غيرهم من بقية أهلهم في وطننا الحبيب ممن استفزهم وأثارهم -وهم على حق- كونه جاء جارحا لوعينا الجمعي السوي ومناقضا لكل ما تراكم فينا من التسامح وحس التعايش. وبالتعريج على موقف بقية أبناء الزيدية وقناعاتهم وخياراتهم فإنها تتطابق مع مواقف علمائها التي سبق استعراضها .. ألم يكن رجال القبائل وزعماؤها من أبناء حاشد وبكيل وحمير وعنس والحداء وآنس هم الذين دافعوا عن الثورة والجمهورية وكانوا حماتها كتفا بكتف ويدا بيد مع بقية أبناء وطنهم من المنتمين إلى المناطق والمذاهب غير الزيدية؟ أو ليس رجالاتها ومشائخها كانوا ضحايا حكم الاستبداد الملكي في عهد آل حميد الدين وسقط منهم الشهداء سواء بسواء مع إخوانهم من بقية الفئات الأخرى؟ أليست قبائل صعدة التي شاركت إلى جانب قوات الدولة في مواجهة جماعة الحوثي قبائل زيدية ومن نفس البيئة الزيدية ومعقلها فكيف يستقيم الادعاء بأن حركة الحوثي حركة زيدية فمن تصدى لهم هم الزيود علماء ومشائخ هاشميين وقبائل مدنيين وعسكريين هذا هو موقف الزيدية فكرا وبيئة وعلماء ومشائخ وافرادا.
أما فيما يتعلق بالادعاء القائل بأن حركة الحوثي تعبير عن موقف متجذر في الوعي لدى الهاشميين فهذا غاية الإفك والبهتان فالهاشميون هم جزء من الوطن ومن ضمن مكونات النظام كما أسلفنا، تشهد على ذلك مواقفهم وأدوارهم.. أليسوا من أبرز من فجر الثورة تخطيطا وتنفيذا؟ أو ليست قوائم ووثائق حركة الضباط الأحرار تؤكد وتوضح كم كانت نسبة الهاشميين من أعضاء ذلك التنظيم الذي قاد التحول التاريخي مفجرا ثورة السادس والعشرين من سبتمبر منطلقين من طموحات مشتركة وآمال واحدة مع إخوانهم في تنظيم الضباط الأحرار واستشهد منهم العشرات ومن كتب له طول العمر ظل يواصل عطاءه في ترسيخ دعائم الثورة والجمهورية بكل تفان وإخلاص وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح كانوا وما يزالون من أبرز رجالاته كما أسلفنا بما تميزوا به من إخلاص ووفاء وحسن بذل والعطاء قياما بما يحتمه عليهم واجب الانتماء وحس المسئولية تجاه وطنهم وترسيخ مكتسبات الشعب ومنجزاته وتجلت مواقفهم من فتنة الحوثي بمساهماتهم على المستوى العسكري والفكري والإعلامي وبالنظر إلى حقيقة من وقف في وجه الدولة في الفتنة الحوثية فإننا نجد أن معظم من شارك في القتال ضد الدولة هم من غير الهاشميين من أبناء القبائل في صعدة وشكلوا الأغلبية العددية في قوام أتباع الحوثي كما أن كثيرا من الضحايا كانوا هاشميين من أفراد المؤسسة العسكرية والأمن وهكذا تسقط هذه الدعاوى وبعد أن فندنا دوافع مروجيها وأهدافهم والتي أخطرها على الإطلاق تلك المحاولة البائسة واليائسة بتحويل الزيدية في اليمن إلى طائفة والهاشميين إلى أقلية وبهذا يتم خلق الذرائع للتدخل في شأننا اليمني تحت مبرر حماية الأقلية أو دعم الطائفة، فهيهات هيهات أن تتحقق هذه الأهداف المشبوهة. وبهذا نخلص إلى نتيجة زيف تلك الدعوى وبهتانها ويتضح لنا مدى انحرافها وتناقضها مع قناعات وإيمان الزيدية والهاشميون فكرا وتراثا وسلوكا وبالتالي فالحوثية لا تمثل الزيدية ولا تعبر عن الهاشمية فمن أشعلوها لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يحملون إلا وزرهم وحدهم والزيدية والهاشميون من شرور أعمالهم أبرياء وما كانوا ولن يكونوا في يوم من الأيام طائفة أو فئة ذات مشروع خاص تبحث عن عمق لها في الخارج أو ترضى أن تكون امتدادا في الداخل والزيود والهاشميون وبما هم من مكون أصيل في نسيج هذا الوطن أسهموا بكل إخلاص وتفان في بنائه وصنع تحولاته والذود عنه .. امتزجوا به تاريخا وثقافة ووجودا وحضورا وانغرسوا في عمق ترابه الطاهر المقدس وتنفسوا عبير هوائه النقي فهم في اليمن كجبالها الراسخة تجذرا واصالة وكسهوله وأوديته تمددا وانتشارا وكالأشجار الباسقة عطاء وبذلا وكل ذرة في أجسادهم وفكرة في عقولهم وأحاسيس في مشاعرهم من هذا الوطن وله ولاءهم له لا سواه ولم ولن يرضون أن تمتد إليه يد طامع أو يحلم بالنيل منه أي دخيل ولو تلبس بأي لبوس أو تدثر بأي شعار.. هواؤهم عشق اليمن وهويتهم الانتماء إليه وولاؤهم ينحصر له ومن انحرف منهم عن هذه القيم فتطلع عمالة خارج الحدود ينشد خيانة أو يثير فتنة أو يتعالى تميزا أو يروم أوهاما لهثا وراء السراب فهم له أول النابذين وهو من صفوفهم أقبح الخارجين وهم عنه أوضح المتبرئين يلفظونه كالبحر الذي لا يقبل الجثث في أوساطه أو الجيف في أحشائه وهو بما يرتكب من جرم لا يمثل إلا نفسه ولا يعبر إلا عن شرور هواه وفساد طويته وجلاء عزلته وغربته وماله الخسران وسعيه إلى الهلاك ولا يحمل إلا وزر نفسه تلاحقه لعنات العصور وتلازمه صفات الخزي والعار أنا ذهب وحيثما ذكر.
[email protected]
*نقلاً عن صحيفة الوسط