د. سيّار الجميل -
الارهاب يهدّد العالم المعاصر !!
لم اصدق ولم يصدق غيري ان شبابا من الاطباء العرب قد القي القبض عليهم في بريطانيا وبدأ التحقيق معهم بتهمة تخطيط وتنفيذ تفجيرات إرهابية وقتل أناس أبرياء !! لم اصدق ان تصل الحال إلى هذا الحد من النزق والابتلاء وانعدام المشاعر والكراهية والأحقاد والأمراض النفسية القاتلة التي فاقت اي تجارب اخرى في التاريخ .. ربما كان هناك إرهابيون في منظمات سرية ومافيات خطيرة في اماكن عدة من العالم ابان القرن العشرين .. وكانت متهمة بل مدانة بجرائم خطيرة .. ولكن تلك ، كانت عناصرها مختفية تحت الأرض ولها مطالبها السياسية او المالية او الايديولوجية .. في حين غدا الارهابيون ( الاسلاميون ) اليوم يعبّرون عن واقع .. وان واقعا معينا قد افرزهم وانهم لم يقتصروا على إرهاب مجتمعاتهم ، بل انتقلوا الى ان يرهبوا العالم وهم يحملون هوية ورموزا وخطابا اسلامويا تمثله مجتمعات كبرى في العالم !
ربما انقلبت الأمور على أعقابها وانفلتت كل الضوابط ليغدو الانسان في هذا الشرق الاوسط لا قيمة له ابدا مذ تردّى التفكير واضمحلت الموازين .. وغدت مجتمعاتنا تنتقل من كارثة نحو اخرى وتتوالد اجيال وقد غشتها الادران ، فتكلست العقول ، وتضخمت الاوهام ، وتفاقمت الخيالات .. وبات الوباء ينتشر يوما بعد اخر بشكل مذهل .. انه وباء التعصب والكراهية والتطرف لكل ما هو جديد ولكل ما هو معاصر ولكل ما هو قادم من العالم الحديث .. ولم يزل ( الدين ) يستغل من خلال ( نصوصه ) ابشع استغلال كاداة جازمة من ادوات التطرف وحرب العالم .. وقد وصلت الوقاحة ان يعيش بعض هؤلاء في الغرب وينعمون بكل وسائله وقوانينه ولكنهم يريدون حرق كل العالم بسبب ما يعشّش في ادمغتهم من اوهام ضالة !
ان الصراع الثنائي لم ينته يوما من تاريخ البشرية ولما سقطت الحرب الباردة بكل ما رافقها من عمليات إرهابية كانت قد انتشرت هنا او هناك ، غدا الإسلام هو البديل ، بل وأصبح مرجعا للتمردات والتعصب والتطرف والمقاومة .. ويتركز اليوم بكل مخاطره في الشرق الأوسط منتقلا الى أماكن قريبة او بعيدة منه واصبحت العمليات الارهابية تقرن بالاسلاميين المتطرفين الذين يزيد عددهم بكل تجمعاتهم ومراكز قوتهم يوما بعد آخر .. والمفجع حقا ان ملايين المسلمين يعيشون على وهم كبير ، اذ انهم مخدوعون كون هذا الارهاب الذي يجتاح العالم هو مقاومة حقيقية للأعداء الأمريكيين خصوصا والغربيين عموما .. ان بلدان الشرق الاوسط كلها قنابل موقوتة بهذا الوباء الخطير الذي اخذ يعم المنطقة ويزحف نحو مجتمعاتها في المدن والأرياف والسواحل والدواخل ..
ان دواخلنا العربية اخذت تزدحم بالاشقياء والضالين والمنحرفين والمخابيل بمختلف الوانهم وأشكالهم وازيائهم التي تعّبر عن تعصباتهم الكريهة .. او تجد الوباء ينتشر في غفلة من الآخرين بسكوت وسرية تامة من دون اي شعور اجتماعي بمخاطره .. وما دام لبوسه دينيا ، فمن الخطر على المجتمع مساءلته في حين عجزت الدولة على محاصرته والقضاء عليه ، بفعل جعل نفسه اداة معارضة شديدة ضد سياسات الدولة وضد سلطاتها .. ولعل اهم من يساعد التطرف وبنيته وهياكله المنتشرة في كل مكان ( حتى في البلدان الامنة والمستقرة نسبيا ) هو الاعلام .. فالاعلام بكل وسائله مرئيا ام الكترونيا اصبح لا يعّبر الا بوجهة نظره المختلفة عن العصر ويغلفونها باسم الواقع ، وكأن الواقع لا يمكن ان تضبطه القوانين والانظمة المدنية .. فتنفلت الامور لصالح الاشقياء والقتلة والانتحاريين والتفجيريين والتفخييخيين والملثمين والمبرقعين المجرمين الذين لا يكشفون عن انفسهم ولا يعلنون عن هويتهم .. ان من ابرز مواطن الاشقياء والإرهابيين في الشرق الأوسط هي مجتمعات الباكستان وافغانستان وإيران والعراق والسعودية ومصر وفلسطين والجزائر واليمن والصومال .. وستنضم الى القائمة ايضا كل من لبنان والاردن وسوريا وبعض دول الخليج فضلا عن تونس والمغرب وهلم جرا
لقد تجاوز الفكر الإرهابي مسألة الهجرة او وجود المنفى لأسباب كّنا ندركها لأننا من منتجاتها ، ولكن غدت المهمة اكبر جسارة وأكثر خطورة في تصدير نفسها الى العالم وخصوصا عالم الغرب ومن قبل شباب متعلمين ومهنيين ومختصين تربوا في مثل هذا المخاض الاعمى الذي لا يعرف الا الانغلاق والعزلة والكراهية والاحقاد وروح الانتقام حتى وان كان من الابرياء .. ان الانتقال بمشروع الموت الى العالم بكل ابريائه شيوخه وشبابه ونشائه واطفاله .. وعلى ايدي مهاجرين او لاجئين او طلبة دارسين او شباب مبعوثين او مهنيين عاملين .. يعد ظاهرة غاية في الخطورة والمكر والدهاء والتآمر والخداع وحبك الجريمة على مستوى العالم .. وباسم الاسلام ايضا ، وقد وصل الغباء الى درجة من السماجة بحيث يريدون باعمالهم الشريرة هذه ان يزرعوا العالم رعبا وقسوة وهتكا لكل الاعراف الانسانية ومن دون اي شعور بالذنب او الاثم او العدوان او أي احساس بقيمة الحياة ..
لقد بدأ المسلمون المتشّددون ( وخصوصا من العرب والباكستانيين والايرانيين ) يسيئون الى مجتمعات المنطقة وثقافاتها واخلاقياتها وكل اعرافها الاصيلة .. ونسأل : ما المكان الذي يريده الاشقياء ؟ ما الحياة التي يريدوها الارهابيون ؟ ما الاهداف التي يرسمها التكفيريون ؟ ما الذهنية التي تتحكم بكل المتعصبين ؟ لقد اصبح الشرق الاوسط كله غريباً عن كل العالم ! والعالم كله اصبح مسكوناً بالخوف من اوبئة الشرق الاوسط التي ارادته الولايات المتحدة الامريكية ان يكون مكان نفايات او مأوى حيوانات متوحشة او مجرد حقول مزابل او حقوق الغام بشرية ، فلا تجد فيه الا القتل والخطف والفتن والتفجيرات والحروب الاهلية والتشظي الديني والطائفي والعرقي وتنتشر فيه اسلحة ومحتل وقنص وميليشيات فتاكة كادوات للخراب، لا تميزها عن السلطة أبداً ، اذ غدت دولا داخل دول !! ان الاشقياء والارهابيين يريدون نقل ميليشياتهم نحو العالم المعاصر .. والعالم المعاصر ان بقي في غفلة من كل ما يجري باسم دين او حزب او جماعة او مافيا .. فسينفجر العالم من داخله .. ستتفجر المؤسسات فجأة ،وستؤخذ المجتمعات الآمنة على حين غرة بحيث يندهش الانسان ويصعق ازاء احداث لا تعقل مسبباتها ولا تعالج تداعياتها .. بسبب تصفية حسابات دول لدول اخرى وبسبب جعل منطقتنا وهي بمثل هذه التهرؤات ساحة لتقاسم المصالح .
ان دولا ومنظمات معروفة تقف اليوم راعية لما يحدث ، بل وانتقل الصراع في عالم اليوم من الحرب الدعائية الباردة الى الحرب الارهابية البشعة .. وبات الارهاب صفقة غالية الثمن لمن يقايض ازاء مصالحه او اجندته او حتى مخططاته ومؤامراته على حساب مجتمعاتنا التي باتت فاقدة للارادة والقوة .. لقد غدا الارهاب في السنوات الاخيرة وعند مطلع القرن الواحد والعشرين اشرس ظاهرة عرفها الانسان وهو ينتقل من طور تاريخي لآخر ساهم في صناعاتها الآخرون باساليب شتى في تجارب عدة منذ العام 1979 وحتى اليوم .. وبالرغم من الاخطاء التي حفلت بها رؤية هانتيغتون في كتابه " صدام الحضارات " وخلطه بين المفاهيم ، الا انه وجد في " الاسلام" بديلا عن الشيوعية العالمية في وقوفه في الصراع ازاء الغرب والحضارة الغربية .. ومن دون وعي لما كان كتبه المؤرخ البريطاني الراحل ارنولد توينبي في موسوعته " دراسة في التاريخ " ونظريته في التحدي والاستجابة التي تفصل فصلا حقيقيا بين الحضارات العالمية وبين الدول العالمية في التاريخ .. وان المصالح السياسية للدول لا يمكنها ان تكون بالضرورة اساليب حضارية لمجتمعات وشعوب .. وان ثقافات تلك المجتمعات والشعوب تتلاقح في بينها ولا تتصادم بالضرورة .. ولكنها ان غدت وسيلة سياسية لهذه الدولة او تلك ، فأمست متوحشة ومخيفة في تصادمها والتعبير عن كل موبقاتها !
انني انصح كل العالم ان يعالج الامور معالجة جذرية وواقعية وذكية .. وان تكون ثمة قوانين صارمة ضد هذه الظاهرة التي ينبغي استئصالها منذ الطفولة .. وان تدرك دول الشرق الاوسط قاطبة ان البقاء على هذه " الظاهرة " او حتى مجرد التعاطي معها سيودي بمستقبلنا الى الخراب والدمار . فهل يسمع كلامي احد من المسؤولين ام المواطنين ؟