نصر طه مصطفى * -
لماذا الحرب الأصولية على اليمن؟
سواء انتهت الحرب في صعدة أم لم تنته، فإن من يقرؤون الموقف من خلال الواقع يدركون أن الوساطة التي تبنتها دولة قطر بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، قد لا تتمكن من إنجاز ما هو أكثر من هدنة - مهما طالت هذه الهدنة - يستعيد فيها الحوثيون أنفاسهم، ويعيدون ترتيب أوضاعهم العسكرية وأوراقهم السياسية بعد الضغط العسكري والسياسي الكبير الذي واجهوه من قبل الحكومة اليمنية، وكاد أن ينهي المعركة ميدانياً. فهذه المجموعة العقائدية المتشددة قاتلت بدوافع دينية ومذهبية أكثر منها سياسية، رغم أن الهدف النهائي الذي يرمي إليه قادتها، هو هدف سياسي وليس غير ذلك، غير أنهم يدركون - أي القادة - أن أهدافهم لن تتحقق من دون تعبئة عقائدية صارمة لأتباعهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين وخلق دوافع دينية لديهم تدفعهم للتضحية بأرواحهم في سبيل ما يؤمنون به!
عند نشر هذا المقال فإن احتمالات اندلاع المواجهات من جديد تكون واردة بقوة بسبب ما تعتبره اللجنة المكلفة بالإشراف على تنفيذ اتفاق إنهاء الحرب، أنه تنصل واضح من الحوثيين عن تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم عبر الوساطة القطرية، وتشرف على تنفيذه هذه اللجنة المشكلة من أعضاء في مجلسي النواب والشورى يمثلون الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد ويعاونها السفير القطري في صنعاء. فهذه اللجنة أعطت المتمردين أكثر من مهلة للانسحاب من مواقعهم الميدانية، وتسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة كان آخرها حتى يوم الثلاثاء الماضي ليتسنى تنفيذ الاتفاق الذي يشمل استقرار أربعة من قادة التمرد مع عائلاتهم في دولة قطر، وعودة المقاتلين إلى أعمالهم وغير ذلك من البنود المتوقف تنفيذها على إنهاء العمل الميداني. إلا أن مماطلة المتمردين وقادتهم في التنفيذ انعكس بقدر كبير من التشاؤم لدى اللجنة التي أمضت أكثر من ثلاثة أسابيع في محافظة صعدة من دون نتيجة تذكر حتى الآن، ما يعني أن كل الاحتمالات مفتوحة خاصة في ظل إشاعات حول سحب القطريين لوساطتهم، بعد أن يئسوا من تجاوب الحوثيين الذين طلبت دولة إسلامية كبيرة في المنطقة نيابة عنهم وبطلب منهم من قطر التوسط لدى الحكومة اليمنية، لوقف الحرب لأهداف تكتيكية في الغالب بحسب قراءة كثير من المحللين.
وفيما الجبهة مازالت مفتوحة تقريباً مع الحوثيين، فوجئت الأوساط اليمنية بالعملية الانتحارية التي نفذها تنظيم القاعدة في مدينة مأرب السياحية وأودت بحياة سبعة من السياح الاسبانيين واثنين من مرافقيهم اليمنيين، فبدا الأمر كما لو أن جبهة جديدة فتحت مع تنظيم عقائدي آخر لا يقل تشدداً عن الحوثيين. من الوهلة الأولى لا يبدو أن إسبانيا هي المستهدفة من خلال مواطنيها، لأن الحكومة الأسبانية الحالية هي التي أخرجت قواتها من العراق ويفترض كثيرون أن مثل هذا القرار سيجعل اسبانيا بعيدة عن مخططات القاعدة في الفترة الراهنة، والأكيد أن اليمن هو أحد أهم أهداف القاعدة في المرحلة الحالية، بعد أن صدرت تهديدات لليمن ورئيسها في العام الماضي، وتواصلت هذه التهديدات على لسان القادة المحليين للقاعدة، حيث أعلنوا أكثر من مرة في الشهور الأخيرة أنهم يعتزمون توجيه ضربات ضد شخصيات ومنشآت يمنية بدأوها بالفعل في سبتمبر/أيلول الماضي قبل الانتخابات الرئاسية بعمليتين انتحاريتين، استهدفتا مصفاة صافر في مأرب وميناء الضبة لتصدير النفط في حضرموت، ورغم فشل العمليتين في تحقيق أهدافهم، فإنهما أدتا الغرض الإعلامي منهما، وهذا بحد ذاته أحد الأهداف الرئيسية من عمليات القاعدة!
لاشك في أن دخول القاعدة على خط المواجهة مع الحكومة اليمنية في الوقت الراهن، ينفي كل الدعاوى التي قالت خلال الفترة الماضية إن عناصر القاعدة تقاتل في صفوف الجيش اليمني ضد الحوثيين في صعدة، نظراً للخلاف العقائدي المعروف بين القاعدة كتنظيم سلفي جهادي والحوثيين.
وهنا نتساءل كيف اجتمع الضدان في وقت واحد لاستهداف اليمن في استقراره واقتصاده بل وحتى في سياساته الخارجية المتوازنة، فالطرفان النقيضان ينتقدان على السواء علاقات اليمن مع الولايات المتحدة وينددان بها رغم أنهما - بقصد أو بدون قصد - ينفذان مخططاتها في المنطقة ويسهمان بشكل رئيسي في إضعاف كيان وبنيان ومواقف الدول العربية لصالح “إسرائيل” وشغل هذه الدول بمشاكلها الداخلية مع مثل هذه التنظيمات المتطرفة بدلا عن انشغالها بكيفية توفير الاستقرار والتطور والتنمية والحريات ومحاربة الفقر!
بمحاولة أولية لاستقراء أهداف التنظيمين في حربهما ضد اليمن سنجد أن أقوى ما يمتلكانه هو القدرة على التدمير والتخريب ونشر الإرهاب، ودون ذلك فإنهما لا يمتلكان حججاً شرعية صحيحة، ولا يمتلكان واجهات علمية فقهية معتبرة، ولا يمتلكان رؤية سياسية واضحة محددة الأهداف، ولا يمتلكان مشروعا مستقبليا قابلا للحياة والاستمرار، وفوق هذا وذاك لا يمتلكان قبولاً جماهيرياً يمنحهما أي قدر من التعاطف مع أحاديثهما عن مشاريع دولتيهما الإسلاميتين اللتين ينشدانهما، بل على العكس فإنهما لا يحظيان بأي قبول شعبي، بسبب أعمالهما التخريبية التي أضرت بالمصالح المباشرة للمواطنين ولم تهز الحكومات أو تسقطها كما يتصوران... وبناء على ما تقدم سنجد أن حربهما على اليمن لا تهدف لأكثر من ضرب اقتصاده، وهز استقراره السياسي وتشويه صورته في الخارج، وذلك في الأخير عمل إرهابي تخريبي!
فيما مازالت المساعي تبذل باتجاه عدم تجدد القتال في صعدة فإنه لا حوار حتى الآن مع القاعدة... وفيما التنظيمان ربيا عناصرهما على أقصى صور التشدد وعززا لديهما روح القتال، فإن أمام الحكومة اليمنية مهمة صعبة في توجهاتها للتهدئة معهما ناهيك عن أن أي اتجاهات للاستئصال لن يحالفها النجاح. ومن ثم فلابد من استراتيجيات جديدة، ينبغي على الحكومة انتهاجها لمحاولة استيعاب مثل هذه العناصر، التي يعتبر الكثيرون أنهم مجرد ضحايا لقياداتهم حيث لا اعتبار ولا قيمة لديها للنفس الإنسانية التي كرمها الله.
* نقلا عن صحيفة "الخليج" الإماراتية