د.عوض محمد باشراحيل - البُعد الاقتصادي في الفكر الاستراتيجي للرئيس علي عبدالله صالح يعد يوم السابع عشر من يوليو من العام 1978م يوماً مجيداً وخالداً في حياة اليمانيين.. إنه يوم انتخاب فخامة الأخ علي عبدا لله صالح رئيساً للجمهورية من قِبل مجلس الشعب التأسيسي آنذاك.. إنه يوم عظيم في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، والذي مثل نقطة تحول في حياة شعبنا العظيم، بل وشكل انعطافاً تاريخياً حاسماً في المجتمع اليمني.. هذا المجتمع الذي كان يعيش حالة من الفقر والتخلف والجهل وعدم الاستقرار في حياته الداخلية.. إضافة إلى وجود حالة من الفراغ السياسي والقلق وغياب السلم الاجتماعي فضلاً عن عدم وضوح الروية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد، والضبابية في علاقة اليمن بمحيطه الإقليمي والدولي
إن تولّي فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح -حفظه الله- مقاليد الحكم وإدارة الدولة كان بمثابة ضرورة وطنية وتاريخية متوافقة مع حالة الأوضاع السائدة التي كانت تعيشها اليمن في تلك الفترة.. وما تقتضيه من وجود قائد وزعيم تاريخي قادر على قيادة سفينة الوطن والرسو بها إلى شاطئ الأمان.
لقد شكلت المسألة الاقتصادية وتحقيق التنمية الشاملة الحلقة المحورية في جملة التوجهات والرؤى الإستراتيجية لفخامة الأخ الرئيس منذ الأيام الأولى لانتخابه رئيساً للجمهورية.. سيما وأن هذه المسألة تشكل تحدياً استراتيجياً كبيراً ليس أمام فخامته فحسب بل ولليمن بشكل عام.
وفي هذا الصدد فقد عمل فخامته- ومن خلال رؤيته الاستراتيجية الثاقبة وبعد نظره وشموليته، ومعه الخيرون من أبناء اليمن- على انتهاج سياسة اقتصادية سليمة في اطار سعي اليمن نحو تحقيق الأمن الغذائي، حيث اتخذت الحكومة في النصف الأول من عقد الثمانينات من القرن الماضي قراراً استراتيجياً منع بموجبه استيراد الخضار والفواكه، وذلك بهدف الاعتماد على المنتجات الزراعية المحلية من خضار وفواكه وتحقيق الاكتفاء الذاتي منها.. وتمكنت اليمن حينها من تحقيق مثل هذا الاكتفاء بل وتصدير الفائض إلى الأسواق المجاورة.. وقد شهدت اليمن حينها نهضة زراعية حقيقية حيث تم استصلاح مساحات زراعية واسعة وحفرت الآبار وشقت قنوات الري وبناء السدود وكان أبرزها إعادة بناء سد مأرب العظيم.
لقد بذل فخامة الأخ الرئيس جهوداً جبارة بهدف تأسيس قاعدة صناعية، حيث شهدت اليمن في عقد الثمانينات بناء العديد من المصانع والمعامل في مدن صنعاء الحديدة وتعز وكان للدعم الكبير واللامحدود للقطاع الخاص والمختلط دور كبير في ذلك.. كما أسهم في بناء وتأسيس قطاع صناعي حديث ساعد في توفير الكثير من فرص العمل وسد جزء من احتياجات السوق المحلية فضلاً عن مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي للبلاد.
كما أنه وفي اطار الخطط التنموية ذات التوجهات الاستراتيجية والتي رسم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح معالمها لمواجهة تحديات التنمية فقد تمكنت اليمن- وبحنكة هذا القائد العظيم- من ابتداع أساليب المشاركة الشعبية في التنمية وذلك بإنشاء وتأسيس المجالس المحلية للتطوير التعاوني في مختلف محافظات الجمهورية التي كانت تجربة رائدة ونموذجية وشكلت علامة مضيئة في تنمية المجتمعات المحلية عبر مساهمة ومشاركة أبناء هذه المحافظات في ادارة شئون حياتهم بأنفسهم.
لقد تمكن فخامة الأخ الرئيس خلال عقد الثمانينات من وضع اللبنة الأولى لبناء الاقتصاد اليمني على أسس سليمة ومعاصرة بتطوير القطاع الزراعي والصناعي، أو تحقيق الاستكشافات النفطية وإنتاج النفط وتصديره لأول مرة في تاريخ اليمن، وكذلك دعمه اللامحدود للقطاع الخاص وزيادة دوره ومشاركته في التنمية ورائداً لها، فضلاً عن اهتمامه الكبير بتطوير مشاريع البنى التحتية للتنمية على اختلافها.
لقد عانى اليمانيون ويلات التشطير ومآسيه إلاّ أن تحقيق أهداف الثورة السبتمبرية الخالدة كانت دائماً وأبداً في سلم أولويات فخامته.. ففي ظروف تاريخية عصيبة كان يعيشها العالم، كانت أبرزها التفرقة والتجزئة التي صاحبت انهيار المنظومة الاشتراكية، بزغ من أرض العروبة فجر أمل الوحدة العربية في الثاني والعشرين من مايو 1990م، حيث تمكن فخامته ومع اخوانه الخيرين من أبناء اليمن من إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني حلم كل اليمانيين.
ومنذ الأيام الأولى للدولة اليمنية الموحدة والتي ورثت كاهلاً ثقيلاً تمثل في المديونية الخارجية لنظامي الشطرين بلغت نحو 10 مليارات دولار..
لقد كان الهم الشاغل لفخامة الأخ الرئيس رفع المستوى المعيشي للمواطن اليمني وتوفير حياة كريمة وآمنة له.. الأمر الذي يتطلب القيام بإصلاح الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث بدأت أولى مبادرات إصلاح هذه الأوضاع في العام 1992م، إلاّ أن الظروف المفتعلة والمنغصات التي واجهت الوحدة حينها وما تمخض عنها من شن حرب الانفصال كانت عائقاً رئيساً أمام تحقيق وتنفيذ هذه المبادرات الاصلاحية، بل وأدت إلى تدمير الاقتصاد اليمني والتي بلغت تكلفتها ما يقارب 10 مليارات دولار، وأوصلت حال البلاد إلى وضع كارثي خطير، إلاّ أن حكمة هذا الرجل العظيم أعادت الوحدة إلى مسارها الصحيح وتثبيت دعائمها في السابع من يوليو من العام 1994م.
وبخروج البلاد من هذا المأزق الاقتصادي الخطير وفي إطار الرؤى والتفكير الاستراتيجي لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح فقد وجه الحكومة إلى تبني إستراتيجية شاملةً الاقتصادي والمالي والإداري، الأمر الذي جعل الحكومة اليمنية وبالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين تشرع في تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي المالي والإداري مع نهاية العام 1995م وبداية العام ٦٩٩١م.. متزامناً مع تبني اليمن لأول خطة خمسية 1996-2000م وقد تمكنت اليمن وخلال هذه الفترة من تحقيق بعض النجاحات الملحوظة سوى في إصلاح بعض الاختلالات في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، أو تقليص العجز في الموازنة العامة للدولة، وتحسين إيراداتها وتقليص جهاز الخدمة المدنية وخفض نفقاته وإصلاح الجهاز المصرفي وتحسين أداء السياسة المالية والنقدية.
وواصلت الحكومة اليمنية إصلاح الأوضاع الاقتصادية وتبني خطط للتنمية الاقتصادية، حيث عمدت إلى تنفيذ خطة تنموية ثانية للأعوام 2001-2005م، مع التزام الحكومة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي والإداري والمالي، حيث قامت في العام 2005م بتنفيذ منظومة من الإصلاحات السعرية وإصلاح السياسة الضريبية والتي كانت لها انعكاساتها الايجابية على أداء السياسة الاقتصادية للدولة والتي كانت محل ارتياح من جانب المنظمات الدولية المانحة.
لقد حظيت مشروعات مكافحة الفقر والبطالة ضمن أولويات التوجهات الاستراتيجية للرئيس علي عبدالله صالح سواءً من خلال تبني اليمن خطة لمكافحة الفقر والبطالة، أو بتأسيس مشروعات لتحقيق هذا الغرض.
وقد جاء مشروع الصالح للحد من ظاهرة الفقر والبطالة تعزيزاً ودعماً لهذه المشروعات.. كما جاءت مبادرة فخامته بتخصيص مبلغ 20 مليار دولار لتوفير فرص عمل والحد من البطالة وبالأخص بين صفوف الشباب، فضلاً عن كل ذلك دعمه المستمر لصندوق التنمية الاجتماعية أو مؤسسة تمويل المشروعات الصغيرة وتوجيهاته لها بتقديم القروض الميسرة لتأسيس مشروعات صغيرة تدر على أصحابها مصدر دخل دائم.. أو من صندوق دعم الإنتاج الزراعي وبنك التسليف الزراعي لتقديم القروض الميسرة للمزارعين بأسعار ميسرة وبأقل الفوائد.
وبما أن اليمن بلد واعد بالاستثمار وتمتلك الكثير من المؤهلات والمزايا الاستثمارية النسبية في قطاعات اقتصادية متعددة، فضلاً عن الطبيعة الخلابة التي جاءت بفضل الله سبحانه وتعالى ولكي يتم تحويل هذه المزايا الى مزايا تنافسية جاءت مسألة توفير بيئة استثمارية مناسبة وجاذبة ومحفزة لرؤوس الأموال ضمن أولويات اتجاهات الرؤية الاقتصادية لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الذي منح الصلاحيات الكاملة للأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالاستثمار بإزالة كافة معوقات النشاط الاستثماري سواءً في الجوانب الأمنية أو البنى التحتية أو القضائية أو الأراضي أو الأوعية الضريبية والجمركية.. الخ.
فضلاً عن كل ذلك حرص فخامته على تسهيل وتسريع إجراءات ومعاملات المستثمرين من خلال اعتماد ما يسمى بالنافذة الواحدة.. الأمر الذي كان له بالغ الأثر الإيجابي على زيادة التدفقات الاستثمارية إلى اليمن.. وهذا ما يؤكده تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2007م، الذي أشار إلى أن اليمن قد حققت تقدماً في تصنيفها الدولي بمقدار ثلاث نقاط، حيث احتلت المرتبة 98 مقارنة بالمرتبة ١٠١ في العام 2006م.. وذلك في مجال سهولة ممارسة أنشطة الأعمال.. فضلاً عن تأكيدات العديد من المستثمرين العرب وتحديداًَ الخليجيين منهم الذين أشادوا بالتحسن الملحوظ والملموس والمستمر في البيئة الاستثمارية وما يلاقونه من دعم واهتمام كبيرين من شخص فخامة الأخ الرئيس -حفظه الله- والحكومة اليمنية بشكل عام.
لقد شكل البعد القومي لفخامة الأخ الرئيس هاجساً رئيساً انطلاقاً من إيمانه بتحقيق حلم الأمة في الوحدة أو إيجاد تجمعات عربية تكون خطوة مهمة على تحقيق هذا الحلم، لذلك فقد بذل جهوداً مضنية لإقناع إخوانه قادة دول مجلس التعاون الخليجي بأهمية انضمام اليمن إلى هذا التكتل العربي انطلاقاً مما يشكله اليمن كعمق جيواستراتيجي للجزيرة والخليج وأن أمن الخليج والجزيرة واستقرارها يكمن في أمن اليمن واستقرارها.. وبذلك فقد لاقت دعوات فخامته الاستجابة بانضمام اليمن وبشكل تدريجي وقد كان ذلك في العام 2001م بانضمام اليمن إلى عدد من منظمات مجلس التعاون على طريق إدماج اليمن في اقتصاديات دول المجلس.. وقد جاء مؤتمر لندن للمانحين في نهاية العام 2006م، ليشكل نقطة البداية لعقد شراكة إستراتيجية طويلة الأجل بين اليمن والدول والمؤسسات المانحة، والتي تمكنت اليمن ومن خلال هذا المؤتمر والذي كان لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح -حفظه الله- الثقل والحضور الكبيران والدور الاستراتيجي لإنجاح المؤتمر والخروج بتعهدات أولية من المانحين بلغت 4.7 مليار دولار لتمويل مشاريع التنمية وفق الخطة الخمسية الثالثة 2006-2010م، وبرنامجها الاستثماري في ظل مناخ اقتصادي شفاف وفعال والتزام اليمن بمواصلة الإصلاحات الاقتصادية وتحقيق الحكم الرشيد.
ومع كل ذلك إلاّ أن هناك الكثير من التحديات التي تواجه الاقتصاد اليمني، حيث تسعى الحكومة جاهدة -وتحت توجيهات فخامة الأخ الرئيس، ومع شركاء التنمية- إلى مواجهتها وتحقيق أهداف الألفية بحلول العام 2015م وفق رؤية استراتيجية واضحة المعالم.
ومن أجل ذلك فقد انعقد مؤتمر الفرص الاستثمارية في العاصمة صنعاء في أبريل الماضي بمشاركة محلية وخليجية وعربية واسعة والذي وضع الجميع أمام اختبار حقيقي للبيئة الاستثمارية المحفزة والتي تحمل في أفقها الكثير من الفرص الاستثمارية المجزية والواعدة، وبذلك يكون اليمن قد دخل مرحلة جديدة من الشراكة الإستراتيجية الحقيقية للمستثمرين المحليين والخارجيين لتوظيف أموالهم في بيئة الأعمال اليمنية وقد برز ذلك بصورة واضحة في العقود الاستثمارية التي جرى الإعلان عنها خلال أيام المؤتمر.
لقد شهدت اليمن في شهر سبتمبر من العام 2006م، حدثاً ديمقراطياً عظيماً تمثل في الانتخابات الرئاسية والذي اعترف العالم بنزاهتها وقال أبناء يمن السعيدة كلمتهم الفاصلة »نعم لـ علي عبدالله صالح« زعيماً ورئيساً لليمن وقائداً لمسيرة البناء والتحديث والتنمية.. وبذلك فقد اعتبر البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ الرئيس ليس فقط برنامجاً للمؤتمر الشعبي العام بل برنامجاً وطنياً معبراً عن آمال وطموحات الشعب اليمني جميعاً.
لقد شكل البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ الرئيس خطة إستراتيجية لتحقيق يمن جديد.. ومستقبل أفضل.. فالالتزام الخلاق بتنفيذ هذا البرنامج وخاصة في محوره الاقتصادي سوف يسهم بشكل كبير في رفع المستوى المعيشي والاقتصادي للمواطن اليمني وتوفير حياة كريمة له.
وفي هذا السياق تأتي توجيهات فخامته للحكومة بالتطبيق الخلاق لهذا البرنامج وحرص فخامة الأخ الرئيس الإشراف المباشر على تنفيذه لما يشكله ذلك من أهمية في تحسين الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. الأمر الذي جعل الحكومة تعتزم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات العميقة ضمن أجندة الإصلاحات الوطنية خلال المستقبل المنظور، سواءً أكان ذلك في مجال تطوير أداء السياسة الاقتصادية أو تنفيذ مبادرة الشفافية في قطاع الصناعات الاستخراجية والنفطية، وإعادة النظر في التشريعات الضريبية بما يخدم زيادة الإيرادات العامة، وتنمية الموارد الذاتية غير النفطية، وتحسين بيئة الاستثمار، وتحرير التجارة الخارجية من كافة القيود والمعوقات، والسعي لاستكمال اندماج الاقتصاد اليمني في الاقتصادات الخليجية، وكذلك بإدماجه في الاقتصاد العالمي، والعمل على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، فضلاً عن إنشاء مشروع نظام معلومات لحماية المال العام واستكمال البنية التشريعية والقانونية والإدارية لسوق الأوراق المالية، التي ستكون وسيلة فعالة لجذب الاستثمارات الخارجية وإعادة توطين الاستثمارات المغتربة وتمويل مشروعات التنمية.
تحية إجلال وإكبار لفارس الأمة وباني نهضة اليمن الحديثة وصانع وحدتها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح -حفظه الله- في الذكرى التاسعة والعشرين ليوم السابع عشر من يوليو.. متمنين من الله العلي القدير أن يعيد هذه المناسبة العظيمة على قلوب اليمانيين جميعاً، واليمن في تقدم وازدهار ويمن جديد.. ومستقبل أفضل.
هيئة الرقابة التنظيمية والتفتيش المالي *عضو اللجنة الدائمة *
عن (الميثاق)
|