فؤاد مطر -
الانقلابات الدينيةبعد الانقلابات العسكرية!
ينقل رجل الدين البريطاني اندرو وايت، الذي يعمل في بغداد، عن قيادي في تنظيم «القاعدة» في العراق التقاه في نيسان (ابريل) الماضي قوله: «هؤلاء الذين يتولون علاجكم هم من سيقتلونكم...». وبعد واقعة الخلية الطبية في سكوتلندا وعملية التفجير غير المكتملة التدمير في مطار غلاسكو، استعاد وايت تلك العبارة التي سمعها، ذلك ان افراد الخلية المشار اليها يعملون جميعاً في المجال الطبي البريطاني، ويعالجون المرضى من بريطانيين ومقيمين وضمن تسهيلات من الحكومة لا تتوفر لهم في بلدانهم التي أتوا منها.
هذه العبارة التي نقلتها صحيفة بريطانية يوم الاربعاء 4-7-2007 عن رجل الدين اندرو وايت تحملنا على التساؤل: هل ان متفوه العبارة قالها بغرض التنبيه، وان رجل الدين المشار اليه لم يقم بواجب إبلاغ المراجع الرسمية بها، لأنه لم يأخذ الكلام على محمل الجد؟
جوابنا عن ذلك ان حُسن النية يقدَّم على سوئها، وان رجل الدين استبعد إقدام أطباء عرب ومسلمين ولدوا في بريطانيا او تعلَّموا في جامعاتها ثم بدأوا يعملون في عيادات تابعة لوزارة الصحة وفي مستشفيات حكومية، على اقتراف جرائم في حق البلد الذي يعيشون بكرامة فيه ويحملون جواز سفر يجيز لهم التحرك بحرية في كل دول العالم. إلاَّ اننا في الوقت نفسه نلوم راوي الواقعة لأنه لو نبَّه لكان أمكن تفادي حدوث العملية الإجرامية، التي نحمد الله انها لم تصل الى ما هو مخطط لها، وتلك في اي حال رسالة من رب العالمين الى الفاعلين ومَنْ يحرضهم ويغسل عقولهم بأفكار تدميرية، بأن يعودوا الى رشدهم ويقرأوا جيداً في سُوَر كتاب الله ويتأملوا في الأحاديث النبوية، بدل الإصغاء إلى تفسيرات واجتهادات أشخاص يفتعلون التدين ويمارسون باسم الدين افعالاً تتعارض مع الإسلام، وينبشون أموراً لا موجب لتضييع أوقات الناس في نبشها.
في اي حال نرى بعد الفاجعة المعنوية، التي حدثت في مطار سكوتلندا، وما سبق هذه الفاجعة من فواجع حدثت في عواصم ومناطق عربية ودولية، ضرورة التنبه إلى ان الذي يحدث هو نوع من التأهب في اوساط الجماعات والتنظيمات الاسلامية للقيام بـ«انقلابات دينية» توصلهم الى الحكم على نحو «الانقلابات العسكرية». والذي يشجعهم على ذلك ما حصل في ايران، حيث ان رجال الدين باتوا ممسكين بمقاليد السلطة وجعلوا من افراد مدنيين عناصر تأتمر بأمرهم، مما يعني انهم وحدهم اسياد السلطة.
وحيث ان الفضائيات ومواقع «الانترنت» تمثل دوراً تحريضياً في هذا المجال، فإننا نلاحظ مدى حرص «جنرالات التدين» على اعتماد الفضائيات والمواقع، منابر ترويج لما يخططون له. والذي يساعد على إصغاء الرأي العام لهم ان سلوك بعض الحكومات وأهل السياسة والأحزاب التقليدية من السوء بحيث يصبح كلام «جنرالات التدين» افضل، ويصبح كذلك قريب الشبه بروحية كلام انقلابيي الخمسينات والستينات من جنرالات وعقداء ورواد، اوحوا بأنهم لا يقومون بالانقلاب رغبة في السلطة والتنعم بالحكم، وإنما من اجل الوطن والمواطن، ثم يتبين ان الفِعْل الانقلابي ليس من اجل الوطن ولا من اجل المواطن.
وها هم «جنرالات التدين» الذين يتهيأون لكي يصبحوا هم الحكام، كما حال الذين هم في ايران، يروِّجون من الافكار والمفاهيم التي تتمحور حول ان الدين في خطر والأمة مهددة، وان الخلاص هو في ما يدعو اليه الاسلام وفق تفسيراتهم لهذا الدين، وأنهم القادرون على وضع الأمور في نصابها الصحيح. وهذا لا يتم إلاَّ عندما تُزاح الانظمة والحكومات الراهنة ويحلون هم محلهم، تماماً على نحو ما حدث في ايران.
وقد يقال: وما الموجب لهذا العنف والتدمير وإلقاء الظلال على النخبة المثقفة من نوع اطباء الخلية الاسكتلندية. والجواب عن ذلك هو أن هذا السلوك يستهدف اقناع الحكومات الاجنبية بالاعتماد عليهم والقبول بهم بدائل حاكمة، على نحو القبول الذي ناله آية الله الخميني من فرنسا والمجتمع الاوروبي عموماً، ومن الادارة الاميركية نفسها التي تناصبه التحرش الآن. كما ان توظيف افراد من النخبة المثقفة يستهدف التوضيح، ما معناه إن «جنرالات التدين» ليسوا فقط قادرين على استمالة بسطاء الناس او الابناء الذين يفتقدون التوجيه الصالح من الوالدين، على نحو ما حدث مع فتية سعوديين اصطادهم تنظيم «فتح الاسلام» وآخرين وقعوا فريسة «الإمام» الأكبر بن لادن و«الإمام الأصغر الظواهري»، وإنما هم قادرون حتى على تجنيد النخبة على نحو ما نجح الخميني فيه. وكما هو معروف فإن الاطباء هم «الاكسترا» في النخبة، فضلا عن جمْعِهم بين العلم والتقنية والواجب الانساني.
ويبقى اننا بالعودة الى اجواء ما قبل الانقلاب العسكري الاول في سورية على يدي ضابط منتفخ هو حسني الزعيم، وكذلك بالعودة الى اجواء سبقت انقلابات عسكرية اخرى في دول عربية وإسلامية وفي دول العالم الثالث، نلاحظ ان الظروف السائدة في الزمن الحالي قريبة الشبه بظروف الماضي، وهي ظروف تشجع الذين يطرحون مفردات براقة ويُكثرون من الحديث حول الزهد في الحكم والسلطة وحول الحرص على انقاذ البلاد والعباد على ان ينشطوا من خلال منابر المساجد احياناً ومن خلال الفضائيات احياناً اخرى، وبين هذه وتلك من خلال رسائل تفجيرية وعمليات غسل ادمغة في الخلايا السرية.
وكما خُطط جنرالات وعقداء ورواد الثكنات كانت الاستيلاء على السلطة والتربع ما امكنهم فوقها، فإن مخطط «جنرالات التدين» هو تحقيق الغرض نفسه، حتى اذا تطلَّب الامر حرائق تشتعل هنا وأرواحا تُزهق هناك وتفجيرات في مجمعات سكنية او مطارات او اوتوبيسات او قطارات انفاق او شوارع فيها ملهى او مطعم او مصرف واقتحام مطار في بلد كريم ومضياف بسيارة مفخخة.
*نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط"اللندنية