المؤتمرنت -
فتوى بإباحة فوائد البنوك تجدد الجدل
تباينت آراء علماء الأزهر حول فتوى الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية بإباحة أخذ الفوائد على الأموال المستثمرة في البنوك بحجة أنها معاملات مستحدثة وأن الواقع النقدي قد تغير. فقد أعادت الفتوى الجدل الفقهى من جديد حول الحلال والحرام في معاملات البنوك بين علماء الأزهر.
وكان الدكتور جمعة قد اصدر فتوى أجاز فيها أخذ الفوائد البنكية على الأموال المودعة في البنوك وأكدها في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» نشر في وقت سابق حيث بين ان تحديد نسبة مستحقة مقدما من الأرباح على الأموال المودعة في البنوك بغرض الاستثمار جائز لأن الواقع النقدي قد تغير.
واستند المفتي في ذلك الى أن غطاء العملات لم يصبح كالسابق بالذهب والفضة، وأنه مع فتوى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، التي تجيز تحديد قيمة الأرباح مقدماً على الأموال المستثمرة في البنوك أصبحت الفائدة حلالا.
وأكد ان تحديد الربح مقدما أمر لا علاقة له بالحل أو الحرمة، مشيرا إلى أن الدراسات التي تقوم بها البنوك تستطيع ان تحدد مقدما نسبة الربح فيما سيشارك فيه مال المودع من أعمال تجارية.
وأيد فريق من العلماء فتوى الدكتور جمعة بينما رفضها فريق آخر ، ولكل فريق حججه وأسانيده الشرعية. ومن المؤيدين الدكتور عبد الرحمن العدوى أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث يرى أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدما جائز.
وأضاف أن كثيرا من الناس تكون لديهم مدخرات لا يحتاجون إليها وليست لديهم الخبرة لاستثمار هذه المدخرات أو تمنعهم مكانتهم في المجتمع ووجاهتهم عند الناس أن يباشروا بأنفسهم عملا من أعمال التجارة أو الصناعة لاستثمار هذه الأموال فيه.
وأشار إلى أنهم مع ذلك يخشون ان تمتد الى هذه الأموال يد بالسرقة أو الإنفاق غير الرشيد أو غير ذلك من المهلكات، وهم لذلك في أشد الحاجة لاستثمار هذه الأموال لدى جهة مأمونة لا يخشى ضياعها أو ادعاؤها أن المال إصابته جائرة أهلكته.
وذكر أن كثيرا ما يحدث أن يلجأ الأفراد الذين يثق فيهم أصحاب الأموال ويأتمنونهم على القيام باستثمار أموالهم بالمشاركة أو المضاربة أو بأي عقد من عقود الاستثمار. وتابع العدوى قائلا: إزاء عدم الخبرة أو عدم الاستطاعة والخوف على ضياع الأموال فإن الحاجة ماسة إلى استثمار المدخرات لدى هيئة مأمونة لا يخشى معها ما يخشاه صاحب المال في المعاملة مع الأفراد، ومن هنا كانت البنوك التجارية أو المسماة بالبنوك الاسلامية ضرورة من ضرورات استثمار الأفراد لأموالهم.
واسترسل «إنها من ضرورات تنمية المجتمع وإقامة المشروعات الكبيرة التى يحتاج إليها والتي يعمل بها عدد كبير يتعيش من هذا العمل وينفق منه على من هم تحت ولايته ومسؤوليته». ويضيف: لقد صار استثمار الأموال في البنوك من المصالح الضرورية فليس من الحكمة أو المعقول تعطيل هذه المصالح وتضييعها على أصحاب الأموال وعلى المجتمع وضرورة التنمية فيه وتشغيل أفراد مما يعود عليهم وعلى أسرهم بالنفع والخير. وأشار إلى أنه بعد أن كثرت تساؤلات الناس عن حكم استثمار أموالهم في البنوك التي تحدد الربح مقدما وهل هذا النوع من التعامل حلال أم حرام عرضت هذه التساؤلات على مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر منذ أكثر من ثلاثة أعوام وبعد مناقشات الأعضاء ودراستهم قرر المجمع الموافقة على أن استثمار الأموال في البنوك التي تحدد الربح مقدما حلال شرعا ولا بأس به.
وأفاد أن المجمع أصدر بيانه في هذا الشأن مدعما بالأدلة الشرعية التي استند إليها في فتواه للرد على الشبهات التي أثيرت حول شرعية التعامل مع البنوك التي تحدد الربح مقدما حتى تتجلى الحقائق وتطمئن القلوب إلى سلامة التعامل مع هذه البنوك. ويسوق الدكتور العدوي بعض الأدلة التي تبرهن على صحة حديثه حيث يؤكد ان التعامل مع البنوك، وهي هيئات معنوية أمر مستحدث لم يكن في عهد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد الصحابة الكرام ولا في عهد أئمة الفقه الإسلامي وأن المعاملات المستحدثة يجب على أهل العلم بالفقه ان يجتهدوا لبيان الحكم الشرعي الذي يغلب على ظن أهل الاجتهاد.
وأبان أن ما يقوى صواب الحكم أن يكون الاجتهاد جماعيا كما هو في المجامع الفقهية المتخصصة، والحكم الاجتهادي مقبول شرعا ما لم يصادم نصا صريحا من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي السياق نفسه يؤكد الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر عضو مجمع البحوث الإسلامية إن عوائد الأموال المستثمرة في البنوك سواء كانت في شكل حسابات إيداع أو شهادات استثمار وغيرها من الأوعية الاستثمارية الأخرى لدى البنوك حلال شرعا ولا شبهة فيها.
وأفاد، كما يمكن للمسلم أداء الواجبات الشرعية منها، كالحج والعمرة والصدقة على المحتاج وإطعام أهل بيته، وأن تحديد نسبة معينة مقدما تستحق على الأموال المستثمرة في البنوك أو ما يسمونه (الفائدة) جائزة شرعا.
وأكد أن هذه من المعاملات الحديثة التي تختلف عن الربا والذي جاء تحريمه بنص آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فقياس معاملات حديثة على المعاملات القديمة لا يجوز كما أنه من المنطقي أنه لا يجوز القياس فى غير محل القياس، كما أن العلاقة التي تربط بين العميل والبنك هي علاقة تعاقدية مبنية على اتفاق ورضا الطرفين.
وقال إن هذه العلاقة تحقق النفع للطرفين فضلا عن ذلك فإن أي أموال يتم إيداعها في البنوك تستحق عوضا معقولا لأن هذا المال إن لم ينم قلت قيمته. ومن ثم فالتعامل مع البنوك بهذه الصورة يمثل ضرورة لتحقيق التنمية المادية والبشرية للمجتمع.
وفي تعليقه يقول الدكتور احمد عبد الرحيم السايح الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة: إن البنوك المنتشرة في مجتمعات العالم اليوم لم تكن موجودة عند ظهور الإسلام ولا قبل الإسلام فضلا عما جاء في الفقه الاسلامي من ان كل ما يقضي مصالح الناس فهو من المصالح المرسلة. ويستند في ذلك الى ما ذكره الإمام الطوفى، «فالمصالح المرسلة التي تؤدي لخدمة وقضاء مصالح الناس أمر مشروع بمعنى أن الله سبحانه وتعالى قد شرعه للناس مشيرا إلى أن نظام البنوك القائم في المجتمعات الإنسانية ليس كنظام الأفراد في عهد الجاهلية لان البنك يقوم بما يقوم به الإنسان فهو نائب ووكيل وأن الوكالة في الإسلام جائزة شرعا. بالتالي ـ والحديث ما زال السايح ـ فإن ما يقوم به البنك نيابة عن الأفراد الذين يستثمرون أموالهم فى البنوك أمر مشروع لا شيء فيه. ويضيف قائلا: إن المعاملات البنكية تيسر للناس التعامل المضمون وهذا أمر شرعه الله عز وجل ونتيجة لهذا فان البنوك المنتشرة في المجتمعات الإنسانية جاءت من اجل مصالح الناس وهذا أمر مشروع. ويرى الدكتور السايح أنه لا يوجد فرق بين ما يسمى بالبنوك الإسلامية او ما يسمى بالبنوك غير الإسلامية والاختلاف في المسميات فقط لان المعاملات البنكية معاملات واحدة وفي ذات الوقت هي معاملات إنسانية تعم الناس أجمعين.
ويأتي على رأس الفريق الرافض فتوى إباحة اخذ فوائد البنوك الدكتور عبد الفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الاسلامي بمكة المكرمة حيث يؤكد ان المعاملات الحديثة بالبنوك غير الإسلامية لم تختلف عن المعاملات القديمة بالربا بل هي الربا بعينه. وأشار إلى أن مجامع البحوث الإسلامية والمجامع الفقهية وجامعة الأزهر ورابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي الدولي أجمعت كلها على ان فوائد البنوك هي الربا المحرم ومن اجل ذلك تم إنشاء البنوك الإسلامية. ويؤكد إدريس أن معاملات البنوك وخاصة تحديد سعر الفائدة مقدما مخالف لما جاء به الإسلام لأن البنوك تحصل على الأموال من أصحابها مقابل سعر فائدة محدد وليكن 10 بالمائة ثم تعيد ضخه في شكل قروض مقابل 12 بالمائة مثلا والفرق بين العرضين يحصل عليه البنك.
ويخلص الدكتور إدريس إلى أن القاعدة الشرعية هي التي تحكمنا والقاعدة تقول: (الغنم بالغرم) أي أن الموضوع مكسب وخسارة أي أن الفرصة في الحصول على المكسب تعادله الفرصة في التعرض للخسائر.
ويتفق مع الرأي السابق الدكتور أسامة عبد السميع أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة قائلا: يجب أن يعلم الجميع أن الأدلة الشرعية التي أوجبت تحريم الربا سارية في كل عصر وفي كل مكان طالما وجدت علة الربا في البنوك أو غيرها وبخاصة أننا لم نجد عقدا ينطبق على هذه المعاملة المصرفية إلا كونها عقد قرض فكيف نعتبرها معاملة جديدة؟
ويشير إلى أن القول بأن التعامل بفائدة مع البنوك فيه مصلحة للناس قول مردود عليه لأن العلاقة حسب ما تقضي الشريعة الإسلامية بين البنك والعميل ليست علاقة مضاربة. إذ يبين أسامة أن البنوك الإسلامية هي البنوك الوحيدة التي تطبق تعاليم الإسلام في المعاملات البنكية ويشترط في من يتولى المعاملة مع البنوك الإسلامية الخبرة والأمانة.
الشرق الوسط