الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:22 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الإثنين, 23-يوليو-2007
المؤتمر نت - بول كينيدي بول كينيدي -
حقائق العالم... بلغة الأرقام
لا شك أن العصر الذي نعيشه اليوم هو عصر الحقائق والأرقام بامتياز، حيث لا يكاد يخلو من إحصائيات وجداول بيانات تمتد إلى مختلف المجالات، وبكلمة لقد أصبح العالم خاضعاً لسلطة الأرقام وقوتها. وليس غريباً في هذا الصدد أن تُعلق آلة ضخمة للحساب في "تايمز سكوير" بنيويورك تقوم بتسجيل عجز الموازنة الأميركية ثانية بثانية وتتبع تفاصيلها إن ارتفاعاً، أو هبوطاً من دون تفويت أدق التذبذبات. وبالاعتماد على نفس الأرقام والبيانات أيضاً يتم تصنيف الجامعات العالمية حسب ترتيبها وأدائها العلمي والأكاديمي، وهو ما يستقطب انتباه العديد من الشرائح المهتمة بالبحث العلمي في العالم. وأخيراً يأتي سجل "جينيس" للأرقام القياسية ليروي ظمأ الإنسان وفضوله للاستزادة من المعلومات الغريبة مثل تحديد أكبر عدد من السجق أكله شخص في وقت واحد، وطول المسافة التي قطعها أحدهم سباحة، أو اختيار أغنى رجل على وجه البسيطة. وبالطبع فإن أغلب تلك الأرقام خالية من مضامين سياسية، أو اقتصادية، لذا فهي لا تمس حياة الإنسان بسوء، أو تؤرق مضجعه.
فمن يهتم حقاً بالإجابة عن سؤال من صاحب أطول مسافة قطعها سباحة؟ هذا فضلا عن النفور الذي يتملك المرء من كثرة الأرقام وتشعبها، باستثناء تلك المتصلة بحساباتنا البنكية. وعادة ما يتم تحذير السياسي، أو الأكاديمي الذي يغرق في الاستشهاد بالكثير من الأرقام في خطبه من مغبة تبديده لاهتمام الجمهور وتشتيته لانتباههم. كما أن المقالات الصحفية التي تحمل نسبة عالية من الأرقام تجازف بدفع أكثر القراء حرصاً وثقافة إلى قلب الصفحة والانتقال إلى موضوعات أخرى أقل استخداماً للبيانات المعقدة. لذا أخشى أن يُولد هذا المقال نفسه، الذي يدرس أهمية الأرقام وضرورتها لفهم ما يدور حولنا، النفور في نفوس القراء. لكن رغم وطأة الأرقام التي يستثقلها القارئ ويهرب منها، توجد أنواع منها تستقطب الاهتمام وتفرض علينا التأمل والدراسة. وسأسوق في هذا الصدد مجموعة من الأرقام التي استوقفتني، بل ونجحت في إزعاجي بعدما انكببت على تفحصها.
والواقع أن تلك الأرقام لا تتعلق بالقضايا السياسية الكبرى التي تشغل بال السياسيين وتلتقطها عناوين الصحف والتلفزيونات مثل حصة روسيا من إمدادات الطاقة العالمية، أو الإنفاق العسكري الصيني، أو حتى تكلفة الحرب في العراق. فالأرقام التي سأوردها تتعلق أساساً بالناس العاديين البعيدين كل البعد عن الشأن السياسي، أو القضايا المستعصية في العالم. لكنها مع الأسف تشير إلى نمط ينذر بالخطر ويؤشر إلى التهديد الذي بات يحدق بالنسيج الاجتماعي في كوكبنا. والرقم الأول هو ما ذكره "جانار هاينسون"، البروفيسور بجامعة "بيرمين" الألمانية في صحيفة "فاينانشال تايمز"، حيث درس العلاقة بين العنف المتفاقم في قطاع غزة والتوسع الديموغرافي الكبير في الشريط الساحلي الضيق. وبرغم أن العديد من المراقبين سبق أن أشاروا إلى تلك العلاقة القائمة بين نسب العنف والإحباط العالية في شوارع غزة وبين النمو السكاني الكبير، إلا أن ذلك كان يتم بصورة عرضية من دون التوغل في الأرقام التي يوردها البروفيسور "هاينسون" لتوضيح حجم الكارثة في قطاع غزة.
ففي الفترة ما بين 1950 و2007 ارتفع عدد سكان غزة من 240 ألف نسمة إلى نحو 1.5 مليون نسمة بفضل نسبة الخصوبة العالية لدى العائلات الفلسطينية. ومن غير المرجح أن تستقر تلك الأرقام، أو أن تتراجع نسبة النمو السكاني في ظل معدل التوالد الحالي. ومع أن الفلسطينيين قد لا يكون بمقدورهم هزيمة الدبابات والآلة العسكرية الإسرائيلية، إلا أن معدل النمو السكاني لديهم يفوق بكثير نظيره لدى الأسر اليهودية. وفي إحدى الملاحظات اللافتة التي يوردها "هاينسون" في مقاله يقول: "لو كان سكان الولايات المتحدة يتكاثرون بنفس معدل السكان في قطاع غزة لقفز عدد السكان من 152 مليونا عام 1950 إلى 950 مليونا 2007، وهو أكثر بثلاث مرات من عدد سكانها البالغ حالياً 301 مليون نسمة". غير أن الأرقام التي يوردها الكاتب بخصوص قطاع غزة تكتسي أبعاداً أعمق، بحيث تشير إلى وجود عدد أكبر من الشبان العرب الذين يعانون من الإحباط والغضب والبطالة مقارنة مع الشبان اليهود، وبأن أعداد الشبان العرب في تزايد مستمر إلى درجة سيصبح من الصعب السيطرة عليهم. والأسوأ من ذلك اعتراف القادة الفلسطينيين بأنفسهم سواء في "فتح"، أو "حماس" عن عجزهم في كبح فورة الشباب التي يضج بها القطاع.
وإذا ما صح ذلك فإن جميع مبادرات السلام من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستتراجع إلى الوراء في ظل الأرقام الحالية التي ستشعر بها إسرائيل أكثر من غيرها خلال العقود القليلة المقبلة. أما الرقم الثاني الذي استوقف انتباهي فكان ما تضمنه مقال نشر في عدد يونيو- يوليو من مجلة "كاثوليك ووركر" الأميركية التي أسستها "دوروثي داي" قبل ستين عاماً. وقد تطرق المقال إلى موضوع نادراً ما تنتبه إليه وسائل الإعلام، أو يسترعي انتباه الجمهور والمتمثل في مسألة السجناء بأميركا. فالمقال الذي كتبه "جيم ريجان" يحمل عنوان "أكثر من مليوني سجين والعدد في تزايد"، مشيرا إلى عدد الأميركيين المعتقلين في السجون إلى غاية 2005. وحسب هذا الرقم المرتفع لعدد السجناء تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في العالم متقدمة حتى على الصين (1.5 مليون سجين)، وروسيا في عهد صديقنا "بوتين" (870 ألف سجين)، وذلك حسب الأرقام التي أوردها "المركز الدولي للدراسات السجنية" بجامعة لندن.
وبالاستناد إلى تلك الأرقام يظهر أن الولايات المتحدة تعتقل في سجونها ثماني مرات أكثر من أصدقائنا الأوروبيين، بالمقارنة مع نسبة السكان، وبأن عدد نزلاء السجون قد تضاعف منذ مطلع التسعينيات. ويبدو أن نسبة نزلاء السجون من السود واللاتينيين هي الأعلى، حيث تشير الأرقام الواردة من سجن "ريكرز آيلند" بنيويورك إلى أن 90% من النزلاء هم من السود واللاتينيين". ولا ننسى أيضاً أن العديد من السجناء القابعين وراء القضبان يعانون من مختلف أنواع الإساءة والتجاهل، ليس فقط بالنسبة للمجرمين العتاة في جوانتانامو (وإن كان ذلك لا يبرر سوء المعاملة)، بل أيضاً باقي المواطنين الأميركيين. لذا فإنني عندما أتفحص تلك الأرقام أصاب بالذهول والحيرة مما سيؤول إليه المستقبل سواء تعلق الأمر بسكان غزة في 2020، أو بالطريقة التي ستدير بها الولايات المتحدة، نظاماً عقابياً يتعامل مع ثلاثة إلى أربعة ملايين سجين أغلبهم من السود وذوي الأصول اللاتينية.
وأخيراً أعترف بأنني أجد صعوبة في التكهن بمستقبل العالم في ظل التقارير التي تتحدث عن الاحترار الكوني، أو تلك التي تشير إلى صعود آسيا كقوة رئيسية على الساحة الدولية. لكن مع ذلك فلا مناص من الانتباه إلى الأرقام والإحصائيات وفتح عيوننا على الحقائق التي نكتشفها كلما صادفناها في مقال، أو أدلى بها مسؤول.
الاتحاد الامارتية





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر