المؤتمرنت -
عدن ليست بوابة مفتوحة للمشاريع الصغيرة
من حق المجتمع المدني أن يلعب دوره كاملاً في تنمية الديمقراطية وتفعيل آليات النظام السياسي الديمقراطي التعددي بالوسائل السلمية والقانونية.
ومن حق الناس .. كل الناس أن يشاركوا بآرائهم وأفكارهم وتصوراتهم في تصويب مسار بناء وتحديث الدولة والمجتمع وإدارة شؤون البلاد.
ومن واجب الدولة والمجتمع معاً ممارسة الواجبات والحقوق الدستورية بما يسهم في حماية حقوق المواطنين رجالاً ونساءً، وتأمين شروط وسبل الحياة الحرة والكريمة، وإعلاء سلطة القانون، والحفاظ على الأمن والاستقرار وصيانة السلم الأهلي، والدفاع عن وحدة وسيادة واستقلال الوطن أرضاً وشعباً.
من حق كل الأفراد والجماعات والأحزاب استخدام كل الوسائل الدستورية والقانونية التي يوفرها النظام الديمقراطي التعددي للتعبير عن الرأي والفكر والدفاع عن الحقوق، والمشاركة في مناقشة القضايا التي تتعلق بالشأن العام ومصائر الدولة والمجتمع.
ولكن ليس من حق أحد استخدام الديمقراطية للانقلاب عليها، واستغلال المُناخ الديمقراطي لممارسة الابتزاز السياسي، واستثمار الحقوق المشروعة لبعض شرائح المجتمع والمتاجرة السياسية بها من أجل تحقيق أهداف مشبوهة.
لا ريب في أنّ ثمّة قضية مشروعة للمتقاعدين العسكريين والمدنيين عندما طالبوا بحقوقهم المشروعة في ضوء القانون والاستحقاق.
وحين استخدم الإخوة المتقاعدون مختلف الوسائل المشروعة التي يكفلها نظامنا الديمقراطي التعددي للتعبير عن مطالبهم الحقوقية، لم تتردد أية جهة في الدولة والمجتمع عن دعم مطالبهم والوقوف إلى جانبهم حيث حظيت هذه المطالب باهتمام فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي أصدر عدة قرارات وتوجيهات لمعالجة أوضاع المتقاعدين العسكريين بما فيها إعادة وترقية المئات منهم، وتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتسوية هذه الأوضاع، كما حظيت هذه القضية وتداعياتها باهتمام الحكومة التي شكلت لجنة ميدانية لمتابعتها ومعالجتها.
وحين أصر بعض المتقاعدين على تنفيذ اعتصامهم في ساحة العروض أوائل شهر يوليو الماضي على الرغم من الترحيب الواسع بقرارات فخامة رئيس الجمهورية بشأن معالجة أوضاع المتقاعدين العسكريين والمدنيين، لم يتعرض هؤلاء لأي إجراءات تحول دون ذلك الاعتصام الذي تصرفت معه السلطات المختصة بمرونة وتفهم تامين.
والثابت أن قوى سياسية داخلية وخارجية دخلت على خط قضية المتقاعدين وسعت إلى اختطافها واستخدامها كغطاءٍ لتمرير أهداف ومشاريع مشبوهة بواسطة شعارات خطيرة ومدمرة من شأنها الإضرار بمصالح البلاد العليا، والمساس بوحدتها ونهجها الديمقراطي والدفع بالأوضاع نحو مصير مجهول العواقب.
ومن المثير للتساؤل أنّ هذه القوى ظلت تدفع بالأمور نحو مزيدٍ من التصعيد وتوتير الأجواء، ووظفت حقوق المتقاعدين كغطاءٍ لتمرير بعض الفعاليات السياسية والإعلامية، وتسويق بعض الشعارات المشبوهة التي تتناقض مع الرصيد الكفاحي الوطني لشعبنا اليمني ومدينة عدن على وجه التحديد، حيث راهنت هذه القوى على إمكانية تحويل التقاليد المدنية لهذه المدينة الباسلة إلى طاقة دفع لمشاريع مشبوهة كانت مدينة عدن على الدوام مقبرة لها، بعد أن سقطت هذه المشاريع الصغيرة على أيدي أبنائها ومناضليها الأبطال في مختلف مراحل الكفاح الوطني الثوري على طريق بناء اليمن الحر الديمقراطي الموحد.
وكما سقطت كل المشاريع غير الوطنية في مدينة عدن عبر محطات تاريخية حاسمة، فقد سقطت يوم أمس الخميس الموافق 2 أغسطس 2007م مراهنات خاسرة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء من خلال بعض الأعمال الفوضوية التي استهدفت النيل من أمن واستقرار هذه المدينة، وإضعاف سلطة النظام والقانون، حيث أمكن إفشال مخطط مشبوه استهدف تخريب مدينة عدن وقطع طرقاتها والاستيلاء على المقرات الحكومية الاقتصادية والمؤسسات الإعلامية فيها. وقد خسر أصحاب المشاريع الصغيرة رهانهم، بفضل وعي أبناء مدينة عدن ويقظة أبطال الأمن الذين نجحوا في إحباط الأهداف التي سعت إلى تحقيقها مجاميع حاولت التسلل إلى مدينة عدن من محافظات أخرى، بهدف تحويلها إلى ساحة مفتوحة لصراع غير واضح المعالم، كان من شأنه إدخال مدينة عدن والبلاد بأسرها في نفق مظلم ومجهول العواقب.
ومن المفارقات العجيبة أنّ أحزاب "اللقاء المشترك" حاولت - وكعادتها دائماً - استغلال بعض القضايا المشروعة واستثمارها لتحقيق أهداف ومصالح ضيقة يصل بعضها إلى حد ابتزاز السلطة من الأبواب الخلفية لحل مشاكل شخصية لبعض قيادات هذه الأحزاب، على حساب أصحاب الحقوق المشروعة التي درجت قيادات أحزاب "اللقاء المشترك" على المتاجرة بها، فيما تسعى الدولة والحكومة على الدوام إلى معالجة الحقوق المشروعة لمختلف الفئات الاجتماعية، بعد أن تخلت عنها قيادات أحزاب اللقاء المشترك بمجرد الحصول على بعض المزايا والامتيازات الشخصية التي يبتزون بها السلطة بعد كل متاجرة سياسية في المواسم التي يزدهر فيها الابتزاز السياسي.
ومما له دلالة عميقة أنّ أحزاب "اللقاء المشترك" استخدمت خطاباً سياسياً وإعلامياً لتحريض بعض المتقاعدين والدفع بهم نحو مزيد من التصعيد الذي يتجاوز حدود المطالبة بتلبية الحقوق المشروعة للمتقاعدين، من خلال تحويلها إلى قضية سياسية بهدف تحقيق أهداف ومشاريع مجهولة، على نحو ما حدث يوم أمس في مدينة عدن. في حين لم يعد بوسع أحزاب "اللقاء المشترك" إخفاء آثار بصماتها التي تركتها على تربة بعض الممارسات غير القانونية التي استهدفت إثارة الشغب، وممارسة العنف والاعتداء على الممتلكات العامة، وضرب السلم الأهلي وإضعاف وحدة المجتمع وزعزعة الأمن والاستقرار في هذه المدينة الباسلة.
ولئن كانت أحزاب "اللقاء المشترك" صادقة في دفاعها عن حقوق المتقاعدين، لكان بإمكانها أن تتبنى هذه القضية بوضوح، وأن تتقدم للحصول على ترخيص رسمي وقانوني للقيام بما تريده من فعاليات سياسية وتضامنية تكفلها الديمقراطية ويحميها القانون.. لكنها فضلت المناورة والمراوغة واستخدام قضية المتقاعدين بما هي قضية حقوقية بالدرجة الأولى، كغطاءٍ للابتزاز والمكايدة، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب واسعاً ليس فقط لزعزعة الأمن والاستقرار وإضعاف سلطة القانون، بل وفتح فجوات خطيرة في جدار الأمن العام، تتسلل منها أطراف مجهولة من أجل تمرير أهداف ومشاريع مشبوهة ومعادية للوحدة والنهج الديمقراطي التعددي.
لعل ما حدث يوم أمس الخميس يشكّل درساً لأحزاب "اللقاء المشترك" ولكل الذين يراهنون على استغلال الديمقراطية لتحقيق أهداف غير ديمقراطية، لأنّ الديمقراطية لا تعني الفوضى ولا تعنى الابتزاز .. ولا يمكن أن تتحول إلى وسيلة لضرب أسس وقواعد العملية الديمقراطية.
ولعل ما حدث يوم أمس الخميس يشكل أيضاً رسالةً إلى مختلف القوى التي أدمنت طوال المراحل الماضية على تحويل مدينة عدن في الماضي، إلى محطات مؤلمة للصراع السياسي، مفادها أنّ عدن بأهلها وعاداتها وتقاليدها وتاريخها وتجاربها لن تكون بعد قيام الوحدة اليمنية ساحة مفتوحة للصراعات السياسية.. ولن تتحول من رافعة للوحدة الوطنية إلى معول هدم لها.
من واجب هؤلاء أن يدركوا أنّ عدن الحديثة كانت وستظل منطلقاً للمشاريع الوطنية الكبيرة .. ولا يمكن لبعض الصغار أن يجدوا فيها زقاقاً ضيقاً لمشاريعهم الصغيرة واللاتاريخية
* كلمة 14 اكتوبر