المؤتمر نت/ ذويزن مخشف - جهود خجولة أمام مافيا التهريب في اليمن
وقف محمود العمراني إلى جانب بعض الصيادين يراقبون -عن كثب -تحرك أشخاص (مجهولين) كانوا ينتظرون قدوم قوارب صيد؛ ضمن عمليات بحرية واسعة ينفذها الصيادون اليمنيون في مدينة عدن -العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن-
وفي لحظة سكون حدَّق خلالها العمراني، تنبه إلى أن "الصيد الثمين" الذي تغلب عليه الصيادون -بشق الأنفس مع مصارعة أمواج البحر العاتية – لم يكن ذاك الصيد الذي يأكله غيره من المواطنين. فبعد أن تنهد وبنظرةٍ ثاقبة قال: " بضائع مهربة.. كل شيء فيه فاسد".
ولا يعلم محمود العمراني - الشاب الذي يفنى في بناء مستقبل له من عمله في الصيد حتى يدر دخلاً له وتأميناً لمصير إخوته الستة -أنه سيأتي يومٌ يعان فيه في من تجارة التهريب، ومنذ 5 سنوات ماضية.
وقال محمود بأن عاملي التهريب (المجهولين) أخبروه أنهم لن ينفكوا عن نشاط تهريب البضائع والسلع الخارجية –بحسب زعمهم- إنها لا تتطلب مجهوداً كبيراً وهي تعود بالمال الوفير- في إشارة إلى دعوته إلى ترك نشاط الصيد (المرهق) والمضي معهم في إدارة عمليات التهريب.
إن ملايين الريالات تخسرها خزينة الدولة وتحصدها مافيا التهريب.. المواطنون اليمنيون البسطاء لا يعلمون كيفية دخول البضائع المهربة إلى السوق اليمنية، لكن حمود العمراني يعرف مدى انتشارها وبشكل كبير ، يكاد يغطي مختلف الأسواق بل تغرقها بالمنتجات ذي الضرر الصحي الخطير على الإنسان.
والمسألة -كما يقول محمد- "تقف على رأسها مافيا قادرة على إيصال هذه الكميات وإدخالها إلى الأسواق دون حسيب أو رقيب من أجهزة الدولة، ما ينعكس بدوره على الاقتصاد المحلي والوطني سلباً.
ويبدو بأن إقبال المواطنين الشديد على المنتجات المهربة والمتوفرة بالأسواق المحلية، يكون عند فئة ذوي الدخل المحدود؛ نتيجة رخص أثمانها، مقارنة بالأسعار المحلية الخاصة بالتعرفة الضريبية؛ وهو الأمر الذي يضع (المواطن) في دائرة الخطر، على غير دراية منه.
التهريب قضية شاملة:
وتضع دخول أنواع مختلفة من البضائع المهربة عبر منافذ عديدة لليمن، محمد العمراني بين جانبين، كلاهما أمر من الآخر. فهو يقول إنها بضائع منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمي، والأكثر إضراراً ومضاعفة وإصابة بأمراض السرطان والقلب.. وأنموذجاً لقوله "السجائر المهربة".
ومضى العمراني يقول لـ "المؤتمر نت" إن معظم البضائع المهربة إلى بلاده "اليمن" هي "الدقيق، السجائر، والمعجنات (الحلويات) وسلع أخرى يحتاجها المرء في حياته اليومية.
ومع ذلك جلس حمود العمراني (26) عاماً – خريج الاقتصاد- مع سكان قريته (عمران) المتاخمة للشريط الساحلي في محافظة عدن، يدلي بنصائحه يوماً تلو الآخر دون انقطاع، فلا شيء يمنع شراء تلكم المنتجات المهربة التي تتعرض للتلف بسبب التخزين السيء لفترات طويلة. إذ يعتبر مروجي هذه الطريقة أفضل الوسائل لبيعه في الأسواق اليمنية-كما يرى ذلك محمود-
يقول اقتصاديون لـ "المؤتمر نت" إن قضية التهريب شائكة ومعقدة كونها تنسف الصناعة المحلية التي وصلت إليها الشركات الوطنية من خلال ثقة المواطن. وأصبحت حاله تنظر للمستوى المعيشي في اليمن.
وحسب التقارير العالمية حول مخاطر وأضرار التدخين؛ فإن السجائر المهربة عقب انقضاء فترة صلاحيتها تُسرب بأثمان زهيدة إلى دول العالم الثالث من خلال شبكات تهريب ومن ضمنها –اليمن- مما يجعل أضرارها الصحية مركبة ومزدوجة .
دأب الجهات الحكومية:
وفي هذا الشأن يؤكد مسؤول في ضرائب عدن على أن الجهات الرسمية والحكومية المتخصصة تكافح عمليات تهريب السجائر إلى داخل البلاد وسحبها بطريقة أو بأخرى إليها، لكنه يأسف لأنها تتعرض – أي الجهود الحكومية- إلى العراقيل من قبل تجار السجائر المهربة والمافيا الواقعة خلفهما، مشيراً إلى أن السواق اليمنية لا تلبث أن تخلو من السجائر المهربة حتى تغرق مجدداً بشكل أكبر " وهو ما يثبت أن الصناعة المحلية لهذا المنتج باتت تعاني الأمرين وتمنى بالخسائر الفادحة التي تعرقل عجلة التنمية في الاستثمار المحلي، الذي يسهم في رفد الاقتصاد الوطني برمته".
ويستطرد هاشم المرشدي -مسؤول قسم "البترول" بضرائب عدن- "لا شك أن ظاهرة انتشار السجائر المهربة في الأسواق اليمنية تعد ظاهرة مخيفة ذات مخاطر صحية جمة على المواطن نتيجة انتهاء فترة صلاحيتها، بالإضافة إلى أضرارها الاقتصادية الكبيرة التي تنجم عنها".
ويضيف مسؤول البترول: "تحرص مصلحة الضرائب على مكافحة هذه الظاهر من خلال تنفيذ أحكام المادة (38) من القانون رقم (70) لسنة (97) وتعديلاته بشأن الضرائب على الإنتاج والاستهلاك والخدمات؛ بالمراقبة والتفتيش والحجز للسجائر المهربة التي لا تحمل طابع البترول أو تحمل طوابع بترول مزيفة أو سبق استخدامها..
وتقوم الآن لجانٌ في جميع محافظات الجمهورية، بالتعاون مع مصلحة الجمارك والجهات الأمنية، باتخاذ الإجراءات القانونية حيال المروجين عبر النيابة العامة؛ بهدف القضاء نهائياً على ظاهرة تهريب السجائر التهريب وتقدي أصحابها م إلى القضاء وإحراق المهربات.
بحسب قول مسؤول الضرائب؛ فإن التهريب عموماً يتم عبر مداخل غير رسمية، يساعد في ذلك امتلاك اليمن ساحلاً طويلاً، ومع ذلك يتم التنسيق مع مصلحة الجمارك والإشراف المباشر مع وزير المالية، لضبط السجائر المهربة المكتشفة من قبل الضابطة الجمركية.
وتقيد تقارير مصلحة الضرائب بأن إجمالي الكميات المضبوطة -بمعرفة المصلحة- وصلت في العام الجاري 2003م إلى أكثر من (4) ملايين علبة سجائر مهربة من جميع الأنواع.
لا شيء أقوى من القانون:
وعلق اقتصاديون بأنه "عندما تكون التعرفة الجمركية (50% ) لدينا، وفي دول أخرى (5%) فإننا لن نستطيع بها منع التهريب حتى لو جاءت ملائكة من السماء. لكن رغم ذلك لا شيء سوف يُستعصى على القانون. فأعمال التفتيش والحجز مستمرة والمهام صعبة؛ كونها تتعلق بحجز بضائع بعض التجار الذين يمتنعون عن تمكين اللجان المختصة من اتخاذ إجراءات الحجز. غير أن تلك الإشكاليات تعمل على تجاوزها اللجان الأمنية في عملية الضبط.
وخصصت الشركات الوطنية لصناعة السجائر المحلية (الوطنية) مبالغ مالية كبيرة منذ العام 2000م للجهات الرسمية الأخرى المختصة، مساهمة في مكافحة ظاهرة التهريب. وما تزال مستمرة في هذا المجال، وذلك من ذات نفسها؛ حرصاً على المصلحة العامة والاقتصاد الوطني.
لكن محمود العمراني لا يزال يرى قوارب الصيد المجملة ببضائع التهريب تدخل إلى الأسواق اليمنية، بعد أن تمر بقريته الساحلية "عمران".
|