حاوره - علي ربيع - شمسان: السرديون الجدد يعبّرون عن فوضى ورغبات سريرية عرفته منتصف التسعينيات من القرن الماضي أنموذجاً للمثقف الجاد والملتزم والمواكب لإبداعات زملائه الشباب، يكتب الشعر والقصة والنقد، لكن جانب النقد فيه أوضح وعلى اهتمامه أطغى، إنه الناقد والقاص هشام سعيد شمسان، صدر له كتاب نقدي بعنوان «مكاشفات النص» ومجموعة قصصية بعنوان «وجوه»، وفوق ذلك يعمل مدرساً للغة العربية منذ خمسة عشر عاماً، كما أنه مساهم في الصحافة الثقافية في اليمن ونشرت له عدد من المجلات العربية في أكثر من جنس أدبي، خاض هشام شمسان سجالات أدبية ومشاركات ثقافية كثيرة مع عدد من الكتاب والأدباء في الصحافة الثقافية، وهو في كل ذلك يحاول أن يقدم الدليل والحجة على صحة طروحاته، ومقولاته، كما أنه بعيد عن ثقافة المقايل أو الشللية الأدبية، ولذلك تجد كثيراً من المهتمين لا يعرفون من هو هشام سعيد شمسان.
في هذا اللقاء نلقي معه الضوء على عدد من القضايا العامة والخاصة كالتالي:
• بما أن عملك موصول بالصحافة، فهل توافق على القول بأن ذلك أثَّر على حيوية
ما تكتب، وبالتالي الوصول إلى مأزق بينك ، والكتابة الإبداعية: نقداً، وشعراً، ونثراً.
- إذا كان شوقي يقول " لكل زمان مضى أية، وآية هذا الزمان الصحف".. فأنا أرى بأن هذه "الآية" ، أكثر معجزاتها، إنما تتجلى على مدينة المبدعين الذين، يحترفونها لعامل معيشي، واقتصادي، بحيث صارت الصحافة مناقضة لفكرة الإبداع، والخلق. واعترف بأن صلتي بالصحافة، بالرغم من حميميتها، إلا أنها ورطتني –إلى حد كبير – في مأزق التفاصيل اليومية، وجعلتني أسيراً لسلطة الواقع، ومهيمناته المعيشية، التي تعطل الوقت، وتخنقه.. وفي ظل هذا التعارض تحوَّل هامش الإبداع الكتابي: نقداً، وشعراً، ونثراً إلى نص في مهب الظروف، أحاول أن أستميله ما استطعت، ليظل سياقاً متحركاً، ووميضاً عصياً على القتل..
• ولكن ثمة أدباء، ومعظمهم من الجيل التسعيني ، أصيب بنفس الحالة الإغفائية، دون أن يكون للعمل الصحفي دور في ذلك... فبمَ تفسر ذلك؟
- أنا أحدثتك عن حالة عامة، كان للصحافة، أو للظروف المعيشية، والانشغال بتحسين الوضع المادي،والأسري دور فيها، وتشاهد على ذلك أمثلة كثيرة: علي ربيع، علوان الجيلان، صالح البيضاني، محيي الدين علي سعيد، محمد عبيد، مها ناجي صلاح، جميل مفرح.. والكثير ممن لاتسعفني الذاكرة باستحضارهم..
ولكن دعنا نتوقف عند ملاحظة مهمة، كان قال بها علوان الجيلاني في مقابلة سابقة، وهي ملاحظتنا أن "معظم هؤلاء طبع على الأقل أعماله الأولى، وهذا بحد ذاته دافع للهدوء، والتأمل" وبالتالي شعور المبدع بأنه تخطى مرحلة البدايات، ووصل إلى نوع من اليقين الملتبس بفكرة الاكتفاء، ومغادرة النص الإبداعي ، ولكن هذا الالتباس في الرؤية، لا قيمة له، حين تستيقظ الحاجة إلى الفعل الكتابي والانتصار له.
• لننتقل إلى المشهد الإبداعي المحلي في اليمن، وموقعك منه كناقد متابع للإصدارات الأدبية: شعراً، وسرداً.. هل تعتقد بوجود نقد متطور، في ظل إبداع غير متطور؟
- وكأنك تقرُّ – ضمنياً – بعدم وجود إبداع متطور، مقابل نقدٍ، قد يكون متطوراً أو العكس.
- لنعطي المخطط الأدبي شكله المنطقي أولاً ، فنقول : هل كل نتاج كتابي، يتولد من علاقات التنامي بين المبدع، والقارئ؟ كيما نعطيه صفة المنتج الإبداعي.
الكل يهجس بالحداثة، بل وما بعد الحداثة – كما ترى -رغبة من الكاتب في تهشيم الثابت والمهيمن – كما يقال – ولكن تصاب الحداثة لدى الأكثرية منهم بالخجل، عندما نجد أنهم ما زالوا عند حدود الخطاب الملتبس ، واللغة الدعائية التي لا تجاوز سلطة الذات، التي تخطف المبدع من حداثته.. وأكثر ما نجد ذلك على مستوى القصة، والرواية، في كثير منهما، حيث السرد لا يزال عبداً للخطابية، ويتغذى من لغةٍ خاملةٍ وأشكال تصويرية، تتزخلق على كتابات السابقين، وهو ما يُحدث تشقيقاً للحداثة التي يلهثون خلفها.
ومن الغريب أن عدداً من كُتَّاب القصة الذين ظهروا مؤخراً أطلق عليهم أحد النقاد- ممن قدمهم للساحة الإبداعية في ملف خاص في إحدى المجلات الثقافية اليمنية – كتاب الزمن الجديد ،ويعني بذلك أدباء مابعد الحداثة. وعند التأمل فيما يكتبون ،وجدنا بأنهم مجموعة من المراهقين الذين لم يغادروا –بعد-حدود الفوضى السردية و الرغبات السريرية. ولذا فأنا أنبه مجدداً بأن الحداثة في اليمن صارت نسبية. وتمارس بشكل جزئي،ومبتور، لهذا فهي تشهد تراجعاً ،وانحساراً؛ سواء على مستوى المقولات، أو على مستوى الخطاب الإبداعي.
وقليلة هي الأسماء التي تتولد كتاباتها السردية الحداثية، من علاقات تنامٍ بينها، والقارئ، من خلال الاهتمام بالعمل النصيَ، لا العمل العقلي، وحده.. ومن أولئك: وجدي الأهدل، ومحمد أحمد عثمان، ونبيلة الزبير، ومحمد المقطري، وأحمد زين ، وهدى العطاس،وضوئيان القعود،وغيره..
هكذا أكون وضعت مسافة بين ما يمكن اعتباره متطوراً وما يمكن اعتباره غير متطور من الإبداع المكتوب.. أما النقد، فليس بالضرورة أن يكون تابعاً، للمكتوب الإبداعي (شعراً، وسرداً ، ونثراً ) باعتبار النقد نص إلى جانب النص أو كتابة، إلى جانب الكتابة؛ لذلك فهو يخضع لشروطه الخاصة، وحركته الداخلية، والتطور فيه خاضع للمعرفة، والمواظبة، وآليات التأويل والتفسير؛ لكن أكثر ما يؤثر في تطور النقد هو عزوف الناقد عن تناول الأعمال الأدبية؛ إما لرداءة معظمها ، أو لتقليديتها المحضة، التي لا تواكب النقد المعاصر، والجديد ، الأمر الذي يجعل من الناقد مجرّد مستكشف شفوي لا أكثر.. وهو عيب لا يقع على النقد ذاته، وإنما على الناقد وحده، الذي " يعني بموضوع النص: عوائقه، وانتصاراته، وتاريخه، وتفصيلاته".
• ذكرت أمثلة عن السرد: قصة، ورواية. فماذا عن الشعر، وقصيدة النثر تحديداً؟..
- قصيدة النثر ذاتها، لا زالت تبحث لها عن مناخٍ ملونٍ يتوسل بالحداثة، من خلال محاولة الاحتفاء بالقطيعة، وقتل الرمز ( الأب ) ؛ إلا أن نحو هذه الكتابة في اليمن ستظل – كما يبدو – نص في مهب الريح، إذْ ما زالت الكثير من هذه النصوص تغتذي من مقولات قصيدة التفعيلة، كاللغة وثنائية الذات، والموضوع، وهو ما جعلها جنساً يقع ضمن إطار الفن المنثور، الأقرب إلى الخواطر النفسية، التي تتخذ من التداعيات التحليلية طريقاً للبوح، والإفصاح الموضوعي، وأقرب مثال لهذه الكتابات ما تسطره كاتبات شابات ظهرن مؤخراً، ولكل واحدة منهن ديوانان على الأقل. وعلى مستوى آخر جماعة ما يطلق عليهم بـ( العراطيط)، والتي تُعدُّ نموذجاً سخيفاً لشعراء،وسرديون قال أحد الكتاب عنهم بأنهم استمدوا من الحداثة فلسفة الاحتفال بالتعارض، ونقض فكرة القيمة" وقال عنهم آخر بأنهم يعيدون إلى الذاكرة (مشهد الشعراء الصعاليك , منذ امرؤ القيس مروراً بالشنفرى وتأبط شراً وصولاً إلى أبو نواس والفرزدق) والواقع يقول بأن كتاباتهم وحداثاتهم، لا تتعدى حدود عوراتهم وأفكارهم التي تحتاج إلى سرولة.. مع تقديم التحية لشباب آخرين، يحاولون جادين أن يقتربوا بالقصيدة الجديدة إلى فكرة الرفض لخطابية الإبداع، وتتجاوز لغتهم الشعرية فكرتي الواقع (النصي) والتمثيل بالذات، بالبحث الدءوب عن المسافة بين اللفظ والمعنى، حيث أضحت الحداثة لديهم مقترنة باللغة، وتقنيات الصورة، وفيضها المستمر، ومن أولئك،على سبيل المثال: صاحب "الصيرورة تثمر فأساً"، عمار النجار، و"الشباك تهتز..العنكبوت يبتهج" محمد اللوزي، مع عدم إغفال شعراء تسعينيين كان لهم بصمتهم المؤسِّسة لقصيدة النثرالتسعينية،ومنهم محمد الشيباني ،وهدى أبلان ،ونبيلة الزبير وآخرين نحو: محمد المنصور، وأحمد الزراعي، وابتسام المتوكل -في كتاباتها التي تلي "شذى الجمر" - ثم أحمد السلامي الذي أجد بأن نصوصه الأخيرة، تحاول أن تجدلها لها مكاناً متموضعاً في سماء قصيدة النثر، بالرغم ،من أنه كان ولا زال ، من أكثر المنظرين لهذا الشكل الكتابي المتجاوز.
• على ذكر الشعراء التسعينيين.. هل ترى بأن هذا الجيل أخذ حقه من العناية ، النقدية، وتبلورت معالمه؟
-أصارحك القول: لا..
• لماذا ؟
- لأن كل مرحلة كيما تتضح معالمها، وتتبلور ،فإنها بحاجة إلى فترة زمنية قد تطول ، أو تقصر، وذلك لاستقصاء سيرورتها ، أولاً ،وحدود مشروعها الإبداعي .وما الذي ثبت منها، وتمكَّن ، وما الذي زَبُد ،وركد؟ ومن خلال هذا الاستقصاء تتضح المعالم، والتجارب الإبداعية فتتبلور بوجه عام.
• وما دور النقد هنا؟
- كنت سأقول بأن للنقد دوراً مهماً ، في عملية غربلة هذه الفترة وتأرختها، ولكن، كما ترى بأن ما كُتب حتى الآن عن هذا الجيل لا يتعدى بعض الإصدارات النقدية، ومعظمها يقع في نطاق التنظير، والأقل منها ينحو إلى التطبيق .. ولكنني لا أرى ذلك مدعاة للقلق، باعتبار أن هذا الجيل لم تتبلورمعالمه بعد، وما زال في أطوار تكوينية، بالرغم من تعديه للمراحل الأولى . ولأعطيك مثالاً على القصة في اليمن كنموذج لما أقول: متى صدر أول كتابً في نقد وتتبع ملامح القصة في اليمن، أليس في السبعينات؟ وانظر الفارق بين سنوات ظهور السرد في اليمن ( بداية الأربعينيات)،ثم كِتاب "القصة في اليمن" لمحمد عبدا لحميد إبراهيم ،عام 1977م، وقل كذلك عن الشعر، حيث لم تتضح معالم تجارب السبعينيين إلا بعد أكثر من عشرين سنة، وما زال بعضها قيد الدراسة حتى الآن. ، ومعالم مبدعيه.
• هل يعد كتابك "مكاشفات النص" أحد تلك الكتب التي تحاول أن تبلور بعض ملامح هذا الجيل؟
- استطيع أن أقول بأنه بذرة على الطريق ، تحاول أن تَنْزَرع، لتُظهر القليل من تلك الملامح، من خلال استعراض تجارب شعرية، وسردية تسعينية، بالتنظير حيناً، والتطبيق للنصوص حيناً آخر.. ولكنني ما زلت اشعر بكثير من التقصير، والقطيعة (المؤجلة) نحو هذا الجيل الذي يستحق أن نسخِّر له طاقات اهتماماتنا، لأننا منه ، وفيه ترعرعتْ أفكارنا.. ولكن رُبَّ تقصير بحاجة إلى تأمل .
-
•آخر مشاريعك الإبداعية؟
- أقوم بالإعداد لإصدار كتاب في نقد القصة، وآخر في نقد الشعر، وما تيسر من قصائد لضمها في ديوان واحد.
|