الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 11:57 م
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الخميس, 16-أغسطس-2007
المؤتمر نت - السيد يسين السيد يسين -
الدولة الفلسطينية و"المصلحة" الإسرائيلية!
حين صرح أولمرت رئيس وزراء إسرائيل بأن في إنشاء دولة فلسطينية تحقيقاً للمصلحة الإسرائيلية، فإنه كان يلخص في عبارة واحدة نوعية التغير الذي لحق بإدراك النخبة الإسرائيلية الحاكمة، لكيفية حل الصراع العربي- الإسرائيلي، الذي استمر عقوداً طويلة ومر بمراحل اتسمت بالعنف الشديد.

والواقع أن تصريح أولمرت يمكن فهمه بدقة لو وضع في سياق التصورات المختلفة للنخبة السياسية الصهيونية للشخصية العربية من ناحية، ولطريقة حل الصراع العربي- الإسرائيلي من ناحية ثانية.

وقد تعرضنا لهذا الموضوع من قبل بشيء من التفصيل في كتابنا "الشخصية العربية بين مفهوم الذات وتصور الآخر" الذي صدر عن مركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1973، وصدرت طبعته الرابعة من الهيئة المصرية للكتاب عام 2006.

وقد اعتمدنا في دراسة وتحليل التصورات المختلفة للنخبة الإسرائيلية التقليدية على أبحاث الأستاذ الكندي اليهودي المعروف مايكل بريتشر.

ويقرر هذا الباحث الذي يعد من أبرز علماء السياسة الذين درسوا الشخصية الإسرائيلية، أن الصورة الإسرائيلية عن العرب كعالم وكعقل وكمجتمع وكشعب وكعدو، بالغة التحدد باعتبارها تحتل مكاناً مركزياً في "رؤية العالم" التي يصدر عنها صانعو سياساتها العليا. إلا أن ما يسميه صورة العرب في ذهن النخبة الإسرائيلية، هو أقرب ما يكون إلى الاستراتيجيات المختلفة التي دعا لتطبيقها مختلف أعضاء هذه النخبة تجاه العرب.

وهناك في الفكر الإسرائيلي تنميط ثلاثي للصور الإسرائيلية عن العرب. وهذا التنميط يشتمل على ثلاث صور متمايزة، يطلِق عليها على التتالي: "البوبرية" و"البنجوريونية" و"الوايزمانية"، نسبة إلى الفيلسوف مارتن بوبر، وبن جوريون، ووايزمان.

والبوبرية تقوم على مبدأ أساسي مفاده "التوافق مع العرب من خلال الحلول الوسط".

وهذا الاتجاه الذي تبناه أثناء إقامته في فلسطين الفيلسوف "مارتن بوبر" يسعى إلى التوفيق بين اليهود والعرب.

وهذا الاتجاه في جوهره يمكن إجمال منطقه فيما يلي:

"أن اليهودية دين يتسم بمعايير أخلاقية عالية، وهناك ظلم وقع على العرب، وبالتالي فعلى إسرائيل أن تكفِّر عن أفعالها غير الأخلاقية".

وبناء على ذلك تبنى أنصار هذه الرؤية ضرورة تقديم "تنازلات" للعرب، غير أنه حدثت خلافات بينهم حول مضمون هذه التنازلات، التي ينبغي أن تتم من أجل تحقيق السلام بين الشعب الإسرائيلي والشعب الفلسطيني.

والصورة الثانية التي يطلق عليها "البنجوريونية" نسبة إلى "بن جوريون" تنطلق من مبدأ رئيسي كان هو الذي ساد في تعامل الدولة الإسرائيلية مع العرب، ومفاده "التوافق مع العرب من خلال استخدام القوة الفائقة". ولسان حال أنصار هذه الصورة يقول "نحن اليهود قد اضطهدنا لفترة امتدت ألفي سنة، وأخيراً لقد استعدنا هذه البقعة من الأرض في وطننا التاريخي، وكان ينبغي على العرب أن يستقبلونا بحرارة، باعتبارنا أبناء عمومة، ولكنهم على العكس، يحاولون أن يخلقوا لنا جيتو آخر GHETTO عن طريق المقاطعة والحصار".

وجوهر هذا الاتجاه يتمثل في الاعتقاد بأن العرب غير قادرين على قبول التعايش السلمي في هذه الحقبة التاريخية، ولذلك فإن إسرائيل لابد أن تُظهر قبضتها وتلوِّح بها بين حين وآخر.

وكانت النتيجة هي اللجوء المتكرر لاستخدام القوة التي وجدت التعبير النموذجي لها في سياسة "الردع" "في حكم بن جوريون وموشي ديان خلال عامي 1955– 1956، وفي الفترة التي أعقبت حرب يونيو 1967 ، والتي أخذت شكل "عدم التنازل عن بوصة واحدة من الأرض العربية المحتلة". وهناك عنصر آخر في هذا الاتجاه، وهو أنه إذا استطاعت إسرائيل أن تحتفظ بصورتها وبالحقيقة التي مبناها أنها ستظل هكذا لا تقهر، فذلك سيؤدي إلى تغيير جوهري في نفوس العرب، وفي إدراكهم لإسرائيل.

ونصل أخيراً إلى الصورة الثالثة وهي "الوايزمانية" التي تنسب إلى "وايزمان"، والتي تقوم على مبدأ رئيسي مبناه "التوافق مع العرب من خلال البحث العقلاني للحصول على حلول معتدلة".

والمُسلَّمة الرئيسية لهذا الاتجاه أن المواجهة العربية- الإسرائيلية ليست صراعاً دولياً شاذاً، بل هي نزاع حادٌّ ومستمر، ولكنه يقع داخل دائرة "السواء" وينبغي النظر إليه كذلك. وأبعد من ذلك فالصراع لا يمكن تفكيكه عن طريق حل واحد مفرد ولكن عن طريق سلسلة من التدابير غير الجذرية التي تنفذ عبر الزمن. ويرى هذا الاتجاه أن حل الموقف يتمثل في تغيير المناخ وتخفيض المستوى العام للتوتر عن طريق عدد من الأفعال البناءة.

والواقع أنه لو تأملنا هذه الصور الثلاث لطريقة حل الصراع مع العرب التي يتبناها أعضاء النخبة الإسرائيلية التقليدية، لأدركنا أن الصورة الأولى ونعني "البوبرية" تكاد تنفرد بنظرة معتدلة إلى العرب، على أساس أنها تعترف بالظلم التاريخي الذي وقع عليهم، في حين أن الصورة الثانية وهي "البنجوريونية" هي التي سادت طريقة تعامل إسرائيل مع الدول العربية منذ إنشائها عام 1948 حتى الوقت الراهن. أما الصورة الثالثة فهي تقوم على المراوغة لأنها تنطلق من أن الزمن كفيل بحل الموضوع، ومعنى ذلك ترك الفرصة لإسرائيل لتستكمل مشاريعها الاستيطانية على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وبعد ذلك يمكن التفكير في طرق للتوافق.

والواقع أن تصريح أولمرت عن أن إنشاء دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل، يعد انتقالاً من البنجوريونية التي كانت تقوم على أساس أن العرب لا يعرفون إلا لغة القوة والعنف، إلى خليط من أفكار "مارتن بوبر" و"وايزمان" معاً.

"مارتن بوبر" كان يدعو للتوافق مع العرب من خلال الحلول الوسط، والقبول الإسرائيلي بإنشاء دولة فلسطينية يعد ولاشك حلاً وسطاً، في حين أن "وايزمان" كان يدعو إلى التوافق من خلال البحث العقلاني للحصول على حلول معتدلة، ويمثل التحول في إدراك النخبة الإسرائيلية إزاء حق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته المستقلة، منطلقاً عقلانياً للتوصل إلى حلول معتدلة.

والواقع أنه ينبغي البحث المتعمق لفهم أسباب وتجليات هذه التغيرات التي لحقت بإدراك النخبة الإسرائيلية الحاكمة إزاء حل الصراع العربي- الإسرائيلي. وقد لخص أحد الباحثين الإسرائيليين وهو "شلومو بروم" في تقرير مهم له هذا التحول في عبارة واحدة مفردة هي "من الرفض إلى القبول"، وله عنوان فرعي له دلالة وهو "التفكير الإسرائيلي في الأمن القومي والدولة الفلسطينية".

ويحاول هذا الباحث الإسرائيلي الحفر في تربة المجتمع السياسي الإسرائيلي، ليكشف عن الأسباب العميقة للتغير وأهم ملامح القبول بفكرة الدولة الفلسطينية، بعد أن كانت مرفوضة كلياً.

ويرى أن هذا التغير حدث في العقدين الماضيين، بمعنى أن موضوع الدولة الفلسطينية قد فرض نفسه بالرغم من الصراع العنيف الذي دار بين الشعب الفلسطيني من خلال الانتفاضة الأولى والثانية والسلطة الإسرائيلية.

تتبع أسباب التغير وفحص تجلياته المختلفة وانعكاسات ذلك على التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، يستحق أن نعالجه بشيء من التفصيل في المستقبل القريب.
الاتحاد






أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر