المؤتمرنت - الشرق الاوسط - التفاح:رمزعلوم الإنجليزومقاومة الألمان سقطت التفاحة من الشجرة إلى الأرض أمام أنظار العالم اسحق نيوتن، فأصبحت رمز اكتشاف القوانين الطبيعية. ويتندر الألمان بالقول لو ان التفاحة سقطت على رأس ابن نيوتن لخاف العالم الكبير على أبنه من الأذى وفاته أن يدرك قانون الجاذبية الذي تحكم بسقوطها. في حين اضطر الألماني ـ النمساوي فيليهلم تيل إلى إصابة التفاحة وهي على رأس أبنه وأصبح رمز المقاومة ضد الطغيان.
ومن الطريف أن الرجال الألمان يحبون التفاح اكثر مما تحبه النساء حسب دراسة لمعهد التغذية الألماني. ويستهلك الألماني 18 كغم من التفاح سنويا في الأكل والطبخ، ويلتهم 60 تفاحة في السنة كمعدل. ويؤمن الألمان بفوائد التفاح الصحية فيقولون «أكل التفاح يقي من القراح» كما يقول الانجليز ان «أكل تفاحة كل يوم يبعد الطبيب».
ويفضل الألمان بالطبع أكل تفاحهم ويثيرون جدلا حاميا حول جودة التفاح الألماني وتفوقه على التفاح النيوزيلندي والأفريقي الجنوبي والصيني. وتضع دائرة حماية التغذية ختما خاصا يقول «تفاح ألماني» لتمييز التفاح الألماني في السوق عن غيره. وتقول منظمة التغذية الألمانية أن التفاح زرع بكميات تجارية لأول مرة في القرن الرابع عشر في حدائق ملوك النرويج، وكان يستخدم للزينة وتحضير المخللات، قبل أن يبرع الإنسان في تحسين حلاوته ومحتوياته في القرن التاسع عشر. وعرف عن السلتين انهم من أقدم الشعوب التي عرفت زراعة التفاح وكانوا يسمون «أرض الخلود والسلام» «أفالونAvalon» وتعني أرض التفاح. ولأن التفاح رمز المقاومة عند الألمان فهناك منظمة، محسوبة على النازية الجديدة، اسمها «التفاح الألماني للألمان» ترفص تهجين التفاح الألماني وتطعيمه وتروج الدعايات عن فوائد التفاح الألماني وتفوقه على الاميركي والروسي.
وهناك 13 نوعا أساسيا من التفاح في ألمانيا (غير المستورد) إضافة إلى الأنواع الأخرة المهجنة بينها. وتعدد منظمة التغذية الدولية 51 فيتامينا ومادة غنية ومعدنية وانزيمية مفيدة في التفاح الطبيعي. وينصح العلماء بأكل التفاح مع قشوره لأن القشر مليء بالمواد المضادة للتأكسد التي تعادل الراديكاليات الحرة التي تدور في جسم الإنسان والمتهمة بالتسبب بالنمو السرطاني. وعلى هذا الأساس يفسر أيضا سبب تلون لب التفاحة باللون الغامق بعد قطعها بالسكين وعدم تلون القشر. فالتلون علامة على تأكسد مادة لب التفاح بسبب احتكاكها بأوكسجين الهواء، في حين لا يتلون القشر بسبب احتوائه على المواد المضادة للتأكسد.
حرب التفاح: يزداد استهلاك الألمان للتفاح بنسبة 3% كل سنة، ولا يعود ذلك إلى زيادة عدد السكان فحسب، وإنما إلى زيادة الوعي الصحي أيضا. لكن قطاع التفاح الطبيعي (البيولوجي/ الذي يزرع دون أسمدة كيماوية ودون استخدام المواد القاتلة للحشرات) ينمو بنسبة 11ـ16% سنويا منذ 4 سنوات. فهناك توجه ظاهر لتناول المواد البيولوجية، وخصوصا التفاح، مع التركيز على الخضروات والفواكه الألمانية التي تحظى برقابة صحية أفضل.
ومع زيادة النهم للتفاح يزداد استيراد التفاح البيولوجي من نيوزيلندا وجنوب افريقيا والصين وتزداد معه الشائعات حول «صدق» بيولوجية هذا التفاح. وتتعهد جنوب افريقيا بأن 95% من تفاحها قد تمت زراعته وتنضيجه باستخدام السماد الطبيعي ودون رشه بالمواد القاتلة للدود، لكنها تعترف بوجود بعض الشركات الصغيرة التي قد تمزج السماد الطبيعي بآخر كيماوي، اختصارا للوقت، أو تستخدم مبيدات الحشرات للحفاظ على الثمار من التسوس.
ركض احد المقاتلين الأغريق مسافة 42 كم (الماراثون) كي يوصل خبر انتصار القلة الهللينية على الكثرة الفارسية في معركة وقعت قبل المسيحية. وفضل الباحث الزراعي الألماني ميشائيل بلانكة أن يقطع 32 ألف كيلومتر، وصولا إلى نيوزيلندا، كي ينقل للألمان الحقيقة عن التفاح النيوزيلندي البيولوجي. وكان «العداء» البيولوجي بلانكة يرغب في كشف ضرر زراعة التفاح «البيولوجي» النيوزيلندي على البيئة حينما اصطدم بمساحات أشجار التفاح الشاسعة في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية.
سافر بلانكة، من جامعة بون (غرب)، من فرانكفورت إلى نيوزيلندا ليتأكد من أن زراعة التفاح هناك تجري فعلا دون أسمدة كمياوية ولا مبيدات للحشرات. وزار مزارع التفاح التي تقدر مساحتها بالهكتارات، رصد طرق جني المحاصيل وحجم الطاقة المستخدمة في نقلها وحفظها، ورافق التفاح من ركن العالم الأقصى إلى ميناء انتفيربن البلجيكي كي لا يدع مجالا للتلاعب به.
قارن بلانكة التفاح النيوزيلندي، الذي يجنى في الصيف ويقطع مسافة 32 ألف كيلومتر في البواخر، مع تفاح مزارع ميكنهايم (قرب بون) الذي تتم جنايته في الخريف ويحفظ مدة 5 شهر في مخازن باردة (+3 درجة مئوية) قبل أن يشحن إلى السوق. وكانت النتائج التي توصل إليها بلانكة غير مشجعة أبدا بالنسبة للألمان لأنه لم يقع على دليل يدين «بيولوجية» التفاح النيوزيلندي. الأنكى من ذلك، أنه توصل إلى أن ما تطلقه الزراعة البيولوجية للتفاح في نيوزيلندا من ثاني أوكسيد الكربون، بما في ذلك السيارات والبواخر التي استخدمت في النقل، لا تزيد سوى 33% عن كمية الغاز المنطلق عن زراعة التفاح البيولوجي الألماني. وهي كمية غاز لا تزيد عما تطلقه سيارة ألمانية قديمة عندما تسير 3 كم لا اكثر عند النظر إلى مساحات زرعة التفاح الشاسعة في نيوزيلندا.
وهكذا وقع بلانكة في حيرة من أمره، فلا هو أثبت ضرر التفاح النيوزيلندي على البيئة (ثاني أوكسيد الكربون) ولا نجح في اثبات ضعف محتوياته من الفيتامينات والمعادن الأخرى. وكان الفرق بين النوعين، الألماني والنيوزيلندي، لا يزيد عن الفرق بين الكوكا كولا والبيبسي كولا.
وزرع معهد الأبحاث البيولوجية السويسري في لاندباو 576 شجرة تفاح مختلفة وعمل على تربيتها وانضاجها بمختلف الطرق، بينها الطرق البيولوجية الصرف والطرق التقليدية التي تستخدم الاسمدة غير الطبيعية. وفحص العلماء التفاح بواسطة أجهزة استشعار بيولوجية دقيقة بحثا عن كمية الفيتامينات والمواد الحمضية والصوديوم والكالسيوم والمغنيسيوم... الخ وكانت نتائج الفحوصات مربكة لأنصار البيئة بحكم الحيادية التي عرف بها معهد لاندباو. فالتفاح البيولوجي كان أصغر حجما، أصلب لبا وأقل نكهة من التفاح التقليدي. وكان الفرق، من ناحية المواد المفيدة في التفاح، بين ثمرات التفاح البيولوجي نفسه، أكبر من فرقها مع محتويات التفاح العادي. والأدهى من ذلك هو ان العلماء قدموا التفاح، من كافة الأنواع، إلى الفئران المختبرية فأظهرت الفئران ميلا واضحا للتفاح المزروع بالطرق التقليدية. وهكذا توصل المعهد، بعد الانتهاء من المشروع الذي كلف 18 مليون يورو، إلى تفسير الماء، بعد جهد، بالماء، فقالوا ان الاختلاف الوحيد بين التفاح البيولوجي والتفاح العادي يظهر في كمية المواد القاتلة للحشرات في التفاح العادي. وعلى أية حال لم تكن نسبة المواد الضارة في التفاح العادي ترتفع عن النسب المحددة لها من قبل الاتحاد الأوروبي إلا في حالات قليلة. وكانت نسبة المواد المبيدة للحشرات والقوارض في التفاح التقليدي لا تزيد عن 0.12 مغم/كغم كمعدل، وهي نسبة لا يجدها الاتحاد الأوروبي خطرة على حياة الإنسان.
يصل التفاح الأفريقي الجنوبي إلى ألمانيا بعد رحلة طولها 10 آلاف كم، لكنه لا يختلف كثيرا من ناحية الشكل والمضمون عن التفاح النيوزيلندي. ويزرع التفاح هناك بالهكتارات باستخدام الخضروات والفواكه التالفة كسماد ودون رش مواد سامة. ووسعت مزرعة «الجن فالي» في مدينة الكاب مزارعها بنسبة 50% خلال 7 سنوات بفضل الصادرات إلى أوروبا، وخصوصا إلى ألمانيا. وهناك في جنوب أفريقيا حاليا 45 ألف هكتار من الفواكه المرزوعة بشكل طبيعي.
ورغم أن استيراد التفاح من الصين ما يزال في بدايته، نال التفاح البيولوجي الصيني إجازة بيعه في ألمانيا، إلا أن بعض الألمان ما يزال ينظر إلى هذا التفاح كما ينظر إلى «فانيلة» اديداس مقلدة في بكين. ويحصد الصينيون حاليا 22 مليون طن من التفاح البيولوجي سنويا من مزارعهم في المقاطعات الشمالية الشرقية. وحذر مانفريد فورست، من اتحاد البيئة الألماني، من «حرب ثقافية» قد يثيرها التفاح الصيني عند بلوغه أوروبا.
فالتفاح أوروبي الاصل، وليس مثل البطاطا، رغم أن بعض بلدان آسيا تسميه البطاطا الخارجية (على أساس أن البطاطا داخلية تنمو تحت سطح الأرض). وإذ اضاع جلجامش وصديقه انكيدو سنوات في بحثهم عن زهرة الحياة، فان التفاح الذهبي كان يزرع في بساتين التفاح الذهبية الأغريقية ويكسب منْ يأكله شبابا دائما حسب الأساطير الأغريقية.
|