بيتر بينارت -
عودة "الجمهوريين" إلى المدرسة!
خلال السنوات القليلة الماضية، حقق "الديمقراطيون" نجاحاً كبيراً في تقليدهم لخصومهم "الجمهوريين" من ناحية تدريبهم لناشطي الكليات والجامعات، وإنشائهم لمؤسسات البحث والدراسات الخاصة بهم، وحماسهم الملحوظ بشكل عام في تحويل حزبهم إلى حركة سياسية. فذلك هو عين ما فعله "الجمهوريون" خلال السنوات السابقة لعهد الرئيس الأسبق "رونالد ريجان".
وكما قال "جون بوديستا"، رئيس مركز "American Progress" في تصريح له مؤخراً لصحيفة "نيويورك تايمز": فقد كنت وصفت نفسي خلال تلك الفترة، بأني كما لو كنت أحمل درجة الماجستير في علوم المؤامرة اليمينية. وربما تبدو هذه المحاكاة مريحة للنفس في ظاهر الأمر، إلا أنها تحمل معها وجوه سخريتها الكثيرة. فبينما يتبع "الديمقراطيون" خطى خصومهم "الجمهوريين" في بناء حركتهم السياسية، يلاحظ أن الحزب "الجمهوري" الذي نجح في تحويل نفسه إلى حركة سياسية، تنحسر شعبيته يوماً إثر الآخر.
ووفقاً لدراسة للرأي العام أجرتها كل من قناة "إن. بي. سي" وصحيفة "وول ستريت جورنال"، لم تزد نسبة الذين ينظرون إلى الحزب "الجمهوري" نظرة إيجابية بين من شملتهم الدراسة، على 28 في المئة فحسب. أما حين سئلوا عن أي حزب يفضلون وصوله إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2008، فقد تفوق "الديمقراطيون" على خصومهم "الجمهوريين" في أفضليات الرأي العام الأميركي بفارق 20 نقطة. ولكي يسترد "الجمهوريون" عافيتهم السياسية، فقد تعين عليهم فعل ما تجنبوه لعدة عقود الآن، أي أن يتعلموا من الآخرين.
وكما نعلم فإنه لم يكن في وسع "الديمقراطيين" الفوز بأي من الأصوات الترجيحية في معظم المناطق الواقعة جنوب وغرب ساحة "هارفارد" في عقد الثمانينات. أما اليوم، فلم يعد "الجمهوريون" قادرين على نيل أي من تلك الأصوات. وكما شهدنا في موسم الخريف الماضي، فقد خسر "الجمهوريون" أصوات المستقلين بحوالي 18 نقطة، و22 نقطة للشباب، لتبلغ خسارتهم لأصوات ذوي الأصول اللاتينية نحو 40 نقطة كاملة. وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك سجل القضايا الساخنة في الحرب الدائرة على العراق، ثم الاحتباس الحراري ونظام الرعاية الصحية وموقف "الجمهوريين" من قضية الأبحاث العلمية في مجال الخلايا الجذعية وغيرها، فإن على الأرجح أن يسوء موقفهم الانتخابي عما كان عليه في الخريف الماضي بكثير.
وهذا هي رسالة إنذار بالخطر، وقد التقطها "الجمهوريون" الأذكياء على مستوى الولايات، وشرعوا في تعديل سياسات حزبهم واستراتيجياته المحلية بناءً عليها. ففي كاليفورنيا على سبيل المثال، تمكن حاكمها "الجمهوري" أرنولد شواريزنجر" من قطع شوط بعيد في تبني نظام شامل للرعاية الصحية، وكذلك من تحديد سقف لانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسببة للاحتباس الحراري، علاوة على إقامته لشراكة بحث علمي في الخلايا الجذعية مع مؤسسة كندية.
تلك هي القضايا التي احتلت مكانة متقدمة في أولويات جدول أعمال "شواريزنجر" في ولايته الثانية في منصبه الحالي. وفي ولاية فلوريدا تبنى حاكمها الجديد "تشارلي كريست" نهجاً مشابهاً رفع شعبيته إلى ما يقارب نسبة 70 في المئة. غير أن المشكلة أن هناك في القيادة القومية الفيدرالية للحزب "الجمهوري"، من يواصل التمسك بمواقف الحزب وسياساته واستراتيجياته القديمة البالية، بينما ينظر إلى مبادرات "شواريزنجر" و"كريست" على أنها "خيانة" لمبادئ الحزب ونهجه. فعلى سبيل المثال، يتحتم على المرشح الرئاسي "ميت رومني" تبني موقف "اليمين" المسيحي المتشدد إزاء أبحاث الخلايا الجذعية، بينما تبنى "جون ماكين" قانوناً في ولاية داكوتا الجنوبية يحرم الإجهاض دون أي استثناءات، حتى وإن حدث الحمل نتيجة لاغتصاب أو ممارسة قسرية. وتلك هي العقبة الكبيرة التي تقف أمام إمكانية تحول الحزب إلى حركة سياسية واسعة.
وعلى عكس ما يحدث الآن، فقد انخرط "الجمهوريون" على امتداد عدة عقود، في بناء مؤسساتهم الحزبية التي تمكن مؤيديهم وأعضاءهم، بينما تعمل على تهميش أي آخر سواهم. والآن وقد زج الحزب بنفسه في زاوية ضيقة للغاية، فربما كان الوقت قد تأخر كثيراً عليه لينفتح تارة أخرى على الجمهور ويتحول إلى حركة واسعة. وهذا هو ما ينبغي أن يعود بسببه إلى المدرسة السياسية مجدداً. وجهات نظر