المؤتمرنت -وكالات -
حكم الشرع فى إحياء ليلة نصف شعبان
تلقى فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين سؤالاً، يقول صاحبه : نحن الآن في شهر شعبان… وبعض المسلمين يختصون ليلة النصف من شعبان بصلوات وأدعية يتلونها… فهل عملهم هذا مشروع، وهل ورد شيء في فضل هذه الليلة؟
وقد أجاب فضيلته على السؤال بقوله:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ورد في فضل ليلة النصف من شعبان بعض الأحاديث: إن الله تعالى يتجلى فيها على عباده، ويستجيب دعاءهم، إلا بعض العصاة، وهذا الحديث قد حسنه بعض العلماء وضعفه بعضهم، حتى قال الفقيه القاضي أبو بكر بن العربي: لا يثبت حديث واحد في فضل ليلة النصف من شعبان. ولو قبلنا الأحاديث الواردة في فضل هذه الليلة وإحيائها بالطاعة فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن أهل القرون الأولى وهم خير القرون… لم يرد عنهم أنهم كانوا يتجمعون في المساجد لإحياء هذه الليلة، ويتلون دعاء خاصاً ويقيمون صلوات خاصة كالتي نعرفها في بعض بلاد المسلمين.. فبعض البلاد يتجمع الناس فيها بعد المغرب في الجوامع، ويقرؤون سورة "يس" ثم يصلون ركعتين بنية طول العمر!! وركعتين أخريين بنية الغنى عن الناس ثم يتلون دعاء لم يؤثر عن أحد من السلف، وهو دعاء طويل، وهو مخالف للنصوص ومتناقض، ومتعارض في معناه أيضاً، ففي هذا الدعاء يقول الداعي: اللهم إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب شقياً أو محروماً أو مطرودا أو مقتراً علي في الرزق، فامح اللهم بفضلك شقاوتي، وحرماني، وطردي، وإقتار رزقي، أثبتني عندك في أم الكتاب سعيدا مرزوقا موفقا للخيرات كلها، فإنك قلت قولك الحق في كتابك المنزل على لسان نبيك المرسل (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) هذا نص من الدعاء، وهو متناقض كما ترون فهو يقول: إن كنت كتبتني عندك في أم الكتاب كذا فامح هذا الذي كتبته، وأثبتني عندك في أم الكتاب على خلاف هذا لأنك قلت: (يمحو الله ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب). ومعنى الآية أن أم الكتاب لا محو فيها ولا إثبات.. وإنما المحو والإثبات فيما عدا ذلك من صحف الملائكة وغيرها، فإن كان هذا هو معنى الآية، فكيف يطلب العبد من ربه أن "يمحو ويثبت في أم الكتاب"، وهي لا محو فيها ولا إثبات؟.
ثم أي دعاء هذا الذي يقول فيه القائل هذا الترديد: إن كنت فعلت كذا فامح كذا، أو افعل كذا… مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دعونا أن نجزم المسألة، نجزم ولا نردد الدعاء ولا نشكك… ولا نتشكك… فهذا يدل على أن ذلك الدعاء مغلوط ولا أساس له… وفي هذا الدعاء أيضا يقول القائل: إلهي بالتجلي الأعظم في ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم، أن ترفع عنا من البلاء ما نعلم وما لا نعلم… وهذا خطأ أيضا… فالليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم إنما هي الليلة التي نزل فيها القرآن… وهي ليلة القدر ليلة التجلي الأعظم… وهي في رمضان بنص القرآن.. قال تعالى في سورة الدخان: (حم والكتاب المبين. إنا أنزلناه في ليلة مباركة، إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم). وقال في سورة القدر: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) وقال في سورة البقرة: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) فالليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم هي في رمضان بيقين… وهي ليلة القدر بالإجماع، وما روي عن قتادة أن ليلة النصف هي التي يفرق فيها كل أمر حكيم فهو ضعيف ومضطرب وجاء عن قتادة نفسه أنها ليلة القدر. وما جاء في حديث أن ليلة النصف من شعبان تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان فهذا أيضا حديث ضعيف كما قال ابن كثير وهو مخالف للنصوص، ومن هنا نرى أن هذا الدعاء، ملئ بالأغلاط وهو دعاء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن خير القرون ولا عن السلف، وهذا التجمع بالصورة التي نراها ونسمع عنها في بعض بلاد الإسلام مبتدع ومحدث، والأولى أن نقف في العبادات عندما ورد، فكل خير في إتباع من سلف.. وكل شر في ابتداع من خلف. وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.