احمد الحبيشي -
حاطب ليل أضاع ظله في النهار2-2
من المفارقات المدهشة أن يلتقي تيار الأغلبية وتيار الأقلية في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني وسط الشارع، بينما كانا قبل ذلك خصمين لدودين.
ومما له دلالة أن يكون الحوار بين الطرفين داخل هيئات الحزب المنتخبة مدعاة للخصومة والانقسام، بينما يكون هتاف الغوغاء وغبار الأتربة في الشارع حافزاً للوحدة بينهما، بعد أن تخلى الحزب عن قضيته الوطنية ليستبدلها بما تسمى " القضية الجنوبية ". لكن الذين يتحدثون اليوم عن الجنوب بعد سبعة عشر عاماً ونيف منذ قيام الوحدة، وبعد ثلاثة عشر عاماً من حرب صيف 1994م المشؤومة يتجاهلون حقيقة أنّ هزيمة الحزب الاشتراكي في تلك الحرب وخروجه من السلطة بعد إعلان وفشل مشروع الانفصال، ما كانا ليحدثا لو أنّ الحزب استوعب المتغيرات الداخلية و الخارجية التي حصلت خلال السنوات الأربع بعد قيام الوحدة، حيث لم يتمكن الحزب ــ بسبب عدم استيعاب تلك المتغيرات ــ من إعادة إنتاج شروط وضعه السابق قبل الوحدة في بيئة سياسية مختلفة وعالم متغير.
أما وقد أنهزم الحزب في تلك الحرب، ومرَّت بعد هزيمته ثلاثة عشر عاماً أحدثت هي الأخرى متغيرات وتحولات وحقائق جديدة سواء داخل المجتمع أو النظام السياسي أو الحزب نفسه، بالإضافة إلى متغيرات عاصفة وجوهرية على الصعيد العالمي أفرزت تحديات ضاغطة باتجاه إعادة تعريف حقائق وثوابت تاريخية مثل الدولة والهوية والسيادة والعولمة، وإعادة صياغة معايير ومفاهيم الحرية والحق والعدالة والأمن والإرهاب والشرعية الدولية، فمن العبث أن يصر الذين يتحدثون عن ما تسمى بالقضية الجنوبية على تجاهل ضغوط وتحديات هذه المتغيرات الداخلية والخارجية، وإنكار انعكاساتها على الوعي والفكر والسياسة والممارسة، خصوصاً وأنّ ما تسمى بالقضية الجنوبية مفتوحة على مشاريع بالية وميتة تجاوزها ليس التاريخ الوطني الحديث لكفاح شعبنا فحسب، بل وتاريخ هذه الحقبة من عصرنا الراهن . إذ يصعب على العقل الحي صياغة برنامج سياسي يستهدف إعادة إنتاج أوضاع قديمة وأدوات بالية ومشاريع ميتة، وما يترتب على ذلك من إهدار لضرورة التجاوز والاستشراف، وتكريس شكل الآخر للطوباوية السلفية التي تهدر البُعد التاريخي للزمن، بإصرارها على الإقامة الدائمة في الماضي، والاعتقاد بأوهام القدرة على إعادة تعريف الزمان والمكان من خلال إعادتهما إلى نقطة سابقة في تاريخ ماضوي وجغرافيا قديمة.
الحوار الداخلي والمصالحة مع الذات
والآن لنأتي إلى خاتمة رسالة "مقبل" الأمين العام السابق للحزب والتي تضمنت المطلبين (التاسع والعاشر) بشأن الحوار الوطني والمصالحة الوطنية.. وهنا أود التأكيد على أنّ كل ما جاء قبل هذين المطلبين، يشكل ألغاماً ومواد ناسفة وكافية لتفجير أي مشروع للحوار أو المصالحة، حيث يمكن وصف مقدمة الرسالة والمطالب الثمان السابقة للمطلبين الأخيرين بأنّها شروط انفجارية تعكس نمطاً من التفكير المرتبك والمواقف الملتبسة والرؤية العمياء إزاء الواقع والعالم الواقعي على حدٍ سواء، بل أنّها ترتد إلى صدور الذين كتبوا تلك الرسالة وهم – بلا شك – خصوم تيار الدكتور مسدوس الذين هربوا إلى ذات المربع المقيم فيه خارج الزمان والمكان منذ أن وضعت حرب صيف 1994م أوزارها.
لقد أدهشني كثيراً ما جاء في رسالة الأمين العام السابق للحزب من مغالطات حول المبادرات التي زعمت الرسالة أنّ الحزب تقدم بها في العديد من الدورات السابقة للجنة المركزية بشأن الحوار الوطني والمصالحة الوطنية، وزادت دهشتي عندما قالت الرسالة أنّ الصد كان الرد الوحيد من السلطة على كل المبادرات.
وبصرف النظر عن أنّ رسالة "مقبل" تضمنت شروطاً ناسفة وملغومة تكفي لنسف أي حوار أو مصالحة، ناهيك عن أنّها تجاهلت أشكالاً مختلفة من الحوارات والمصالحات تمّت فعلاً بين السلطة والحزب على مستوى قياداته وكوادره في الداخل والخارج طوال السنوات اللاحقة للحرب، حيث أسفرت تلك الحوارات والمصالحات عن عودة المئات من القيادات والكوادر إلى الوطن، والانخراط في الحياة السياسية والعامة، بصرف النظر عن كل ذلك فإنّ الذين كتبوا الرسالة تجاهلوا حقيقة أنّ الحزب نفسه، لم يكن مؤهلاً للتعاطي مع مبادراته التي تحدثت عنها الرسالة بسبب الصراعات الداخلية والحادة التي تعصف به منذ أزمة 1993م، وحرب صيف 1994م، وما بعدهما، حيث كان الحزب ينسف كل مبادرة يطرحها للحوار والمصالحة قبل أن يجف حبرها، وقبل أن تلقى الصد من السلطة وحزبها الحاكم، بحسب زعم الرسالة، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الدعوة للحوار والمصالحة لم تأتِ هذه المرة من داخل الحزب وهيئاته بل بواسطة رسالة غير رسمية باسم أمينه العام السابق، الأمر الذي يدل على أنّ الحزب لم يتأهل بعد ــ حتى الآن ــ للتوافق على مشروع للحوار والمصالحة مع الآخرين بمعنى أنّ الرسالة ليست موجهة إلى رئيس الجمهورية بل إلى عنوان آخر. وأنّ الأمين العام السابق ليس هو من كتب الرسالة، ووجهها إلى عنوان الرئاسة، بل هو عبارة عن ساعي بريد أراد كـُتـّاب تلك الرسالة استخدامه كغطاءٍ لحوار وتصالح مع تيار مسدوس وباعوم الذي يتهم ما يسمى تيارالأغلبية داخل اللجنة المركزية بالإدمان على معارضة الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته على حساب "الجنوب والجنوبيين" منذ أن كان فرع الحزب في الشمال يقاتل من أجل إسقاط الرئيس علي عبدالله صالح بواسطة العنف المسلح كوسيلة وحيدة لتحقيق الوحدة بين الشمال والجنوب!!؟
ما من شك في أنّ اختزال الحوار والمصالحة بين الحزب والسلطة في شروط ومطالب تتعلق بما تسمى "القضية الجنوبية" لا يجعل هذه المطالب ممكنة التحقيق في داخل الحزب نفسه، بل ويجعلها غير مؤهلة للحصول على إجماع "اللقاء المشترك" منذ أن أصبح الحزب الاشتراكي مجرد لوبي صغير في ماكنة هذا التكتل الذي يقوده حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، علماً بأنّ حزب "الإصلاح" درج على استخدام "القضية الجنوبية" بعد فشله في الانتخابات الرئاسية والمحلية كورقة سياسة ضمن أوراق أخرى في تكتيك اللجوء إلى الشارع بهدف إرباك السلطة وإضعافها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، بما يكفل منع تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية والحزب الحاكم، تمهيداً للوصول إلى السلطة وتنفيذ برنامجه الخاص، والملتبس بالمشروع التاريخي لحركات الإسلام السياسي الذي ينطلق من فكرة بناء الدولة الإسلامية وإعادة نظام الخلافة. وهي فكرة لم يبلور حزب "الإصلاح" حتى الآن قطيعة سياسية وأيديولوجية معها، ولم يحدد حتى الآن موقفاً نقدياً واضحاً وشجاعاً من تناقضها الصريح والسافر مع الدستور والنظام الجمهوري والديمقراطية التعددية وميثاق الأمم المتحدة وميثاق الجامعة العربية، وهي ثوابت وطنية ودولية يجري الالتفاف عليها من خلال خطاب سياسي وإعلامي تكتيكي أضطر الأخوان المسلمون الذين يقودون حزب "الإصلاح" إلى تبنيه بعد قيام الوحدة والتحول نحو الديمقراطية التعددية. كما تعزز هذا الاتجاه لدى الأخوان المسلمين في حزب "الإصلاح" بعد انتخابات 1997م وخروجهم من المشاركة في السلطة إلى المعارضة، وتحالفهم مع الحزب الاشتراكي اليمني في إطار "اللقاء المشترك"، وصولاً إلى انخراطهم العلني والسافر في برامج نشر الديمقراطية التي تمولها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي بهدف الاستفادة من مفاعيلها الدولية وتوظيفها لدعم وصول "الإسلام السياسي" إلى السلطة في اليمن عبر الديمقراطية، وهو موضوع سيكون لنا معه وقفة تحليلية في وقتٍ لاحق بإذن الله.
لعل رفض "اللقاء المشترك" دعوة رئيس الجمهورية الأخيرة للحوار حول مشروع التعديلات السياسية التي طالت شكل النظام السياسي والسلطتين التنفيذية و التشريعية مع تحديد الفترات الدستورية للرئاسة والسلطة التشريعية، باتجاه إقامة حكم رئاسي كامل يستند إلى حكم محلي منتخب و واسع الصلاحيات والموارد ، يقدم دليلاً إضافياً على أنّ أحزاب "اللقاء المشترك" غير مؤهلة هي الأخرى لمعالجة القضايا الجوهرية التي تتعلق بمصائر البلاد عن طريق الحوار السياسي ، بما هو أحد آليات العملية الديمقراطية التي تشارك فيها. وأرجوا أن أكون مخطئاً في التقدير حين أرى أجندة أحزاب "اللقاء المشترك " بقيادة حزب التجمع للإصلاح وهي تتجه بوضوح منذ فشلها في الانتخابات الرئاسية والمحلية عام 2006م إلى الانقلاب على الديمقراطية بواسطة "انتفاضة ثورية شعبية" تقوم بها هذه الأحزاب من خلال ناخبي الأقلية في الشارع، بعد أن فقدت ثقة غالبية الناخبين عبر صناديق الاقتراع . بمعنى أنّ طبول المجابهة في الشوارع صارت هي صاحبة الصوت الأعلى مقابل صوت الحوار السياسي في الأطر الديمقراطية للمجتمع المدني والمؤسسات الدستورية للنظام السياسي .
توكل كرمان تنفخ في البورزان
أعترف بأن شعورا ً بالرعب إستبد بي أثناء قراءة مقال نشرته الزميلة العزيزة توكل كرمان العضو البارز في حزب ( افصلاح ) ورئيسة " منظمة صحافيات بلا قيود " في العدد رقم 1978 من صحيفة ( الثوري ) الصادرة يوم الخميس 27 سبتمبر 2007م أكدت فيه على أهمية ما جاء في رسالة "مقبل" إلى رئيس الجمهورية، لكنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة رفض أي حوار مع " جلسات باجمال وغيره"، ثمّ دعت بدون أي لبس أو تورية أو تمويه إلى "انتفاضة ثورية سلمية كاملة لإسقاط نظام الحكم بقيادة "اللقاء المشترك" من صعدة إلى سقطرى ، والاستعداد لاستقبال أسماء شهداء (الانتفاضة الثورية القادمة ) التي رشحت لقيادتها خمسة من قيادات حزب "الإصلاح" والحزب لاشتراكي !!
استندت الزميلة توكل كرمان في عنوان مقالها إلى مخيال من الشعر ينفخ في بورزان الحرب ، و يحرض على المواجهة الحاسمة لإسقاط نظام الحكم عبر ثورة سلمية في الشوارع من صعدة إلى سقطرى بقيادة أحزاب "اللقاء المشترك"، مع أنّها كانت تتكلم في السياسة حيث ينبغي للسياسيين أن يصوغوا رؤاهم ومواقفهم ومهامهم وخططهم بما يجنب الناس كوارث شطحات ومخيلات الشعراء الذين ينفخون في البورزان أثناء التحضير للحروب .
قبل أنّ أناقش الزميلة توكل أود التأكيد على أنّه من حقي أن اختلف معها، ومن حقها أن تختلف معي أيضاً . لكن الخلاف في الرأي بيننا يجب ألا يفسد للود قضية . خصوصاً وأنني من أشد المعجبين بقلمها الرشيق، وبفكرها المتحرر، وروحها المتمردة، وقدراتها القيادية، وأخلاقها الفاضلة ، وسبقها الريادي على الكثير من أبناء جيلها من رجال وشباب ونساء حزب "الإصلاح" في ميدان العمل السياسي المدني.. بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنّ توكل كرمان أصدقهم وأشجعهم وأجملهم وأودعهم جميعاً، رغم بيان إعلان الحرب الذي تضمنه مقالها الأخير. فهي ــ وأنا مقتنع بما أقول ــ تستحق مني ومن كل صاحب فكر ورأي أسمى مشاعر الود والاحترام والتقدير، بوصفها امرأة رائعة ومحاصرة بين مدن الملح التي أحرقتها ( الشمس) بعد ان حاصرتها رمال صحراوية حالت دون إتصالها بما وراء البحار ، بحسب رواية للأديب السعودي العالمي عبدالرحمن منيف ، وبين جزيرة مسحورة لطيور البنجوين تعرضت للسحر على يد كاهن من أكليروس روما الحديثة.أراد مصادرة حريتها، وحاول أن ينزع عنها إعجاز الصفات الفريدة التي تؤهلها لعبور القارات والمحيطات والبحار بلا قيود ، بعد أن أدعى القدرة الإعجازية على الخلط بين الدين و السياسة والشعوذة وشفاء القلوب الجريحة ومعالجة الأمراض المستعصية . لكن طيور البنجوين التي تعرضت لسحر ذلك الكاهن انقلبت بسحره عليه، ونزعت عنه نقاب الكهانة الذي كان يخفى وراءه المكر والدجل والزيف وإدعاء الحكمة والفضيلة بحسب رواية للأديب الفرنسي العالمي بلزاك !!
في مقالها المنشور على صفحات "الثوري" رفعت توكل كرمان رايات الحرب والانقلاب والثورة على نظام الحكم تحت شعار "الإصلاح أو الموت". وكانت الزميلة توكل واضحة عندما أهدت مقالها إلى خمسة أشخاص تصوّرت أنّهم سيقودون الانتفاضة الثورية القادمة ، على رأسهم اثنان من فرسان الميدان في حزب "الإصلاح" يتقدمان ثلاثة رؤساء "جنوبيين" سابقين يعيشون خارج الميدان بل وخارج الوطن. حيث ظهر الرؤساء الثلاثة وهم علي سالم البيض وعلي ناصر محمد وحيدر العطاس في هيئة "كومبارس" بعد الفارسين ( الاصلاحيين ) اللذين يتوليان قيادة الانتفاضة الانقلابية في الميدان !!
لا أشك إطلاقا ً في أن توكل كرمان تثق جيداً بأنّ أحداً من أولئك الرؤساء السابقين ــ الذين تولوا سدة الحكم في الشطر الجنوبي قبل والوحدة وبعدها ــ لا يفكر بالعودة إلى موقع ( ولي الأمر ) الذي يتطلع إليه القائدان الميدانيان فضيلة العلامة أمير المؤمنين (الشيخ ياسين عبدالعزيز) وصاحب السمو أمير الجند والبصّاصين (العقيد محمد اليدومي)، وهما الفارسان اللذان وضعهما مخيال الزميلة توكل كرمان في مقدمة قادة "الانتفاضة الثورية القادمة" التي ستتولى تنفيذ خطة أحزاب ( اللقاء المشترك ) لإسقاط نظام الحكم المنتخب من صعدة حتى سقطرى بحسب النفير الذي إنطلق من بورزان الزميلة توكل كرمان عبر صحيفة ( الثوري ) !!
يقينا ً أن الزميلة توكل كرمان أجادت عندما رفعت شعار (الإصلاح أو الموت)، استخدام فنون "التورية" بين الإصلاح كمصفوفة لإعادة البناء، وبين "الإصلاح" كحزبٍ لم يقتنع حتى الآن بإصلاح خطيئته الكبرى في الإصرار على مصادرة الحق الوطني والإنساني المشروع للناشطة توكل كرمان وغيرها من النساء الرائدات اللائي يطالبن قيادة حزبهن باحترام وضمان حقوقهن الدستورية والمدنية والانسانية في المواطنة المتساوية ، وتمكين المرأة من حقها في تولي وظائف الولاية العامة والترشح إلى السلطة التشريعية أسوةً بإخوانها "المسلمين" في حزب ( الإصلاح )!!!
لا يمنعني إعجابي بذكاء وتميز الزميلة توكل كرمان من القول إنّها لم تكن موفقة عندما قدمت لنا الموت كخيار آخر مقابل خيار "الإصلاح" ــ كحزب أو كمصفوفة لأعادة البناء ــ بدون أن تقدم لنا ضمانات كافية بعدم إراقة قطرة دم أو صرخة ألم في لحظة النزع الأخير لكل ضحية يولد من بطن هذا الشعار. خصوصاً وأنّها دعت ــ أيضاً ــ في مقالها إلى الاستعداد لاستقبال أسماء شهداء الانتفاضة "السلمية" التي ستتولى مهمة إسقاط نظام الحكم !!
صحيح أنّ توكل كرمان أبدت حرصاً على الوحدة في صحيفة "الحزب الاشتراكي". وكانت رائعة عندما أعربت عن مخاوفها من انفصال الجنوب عن الشـمال . فهي صادقة ولا شك في ذلك. لأنّ حزب "الإصلاح" وإن لم يكن له رصيد تاريخي في النضال الوطني من أجل الوحدة، إلا أنّ له رصيداً لا ينكره أحد في تكوين الثروات والنفوذ من غنائم "الفتوحات" التي تهافتت عليها قيادات وأوليغارشيات حزب "الإصلاح" بعد "فتح" المحافظات الجنوبية في حرب صيف 1994م، على حساب أراضي وعقارات ومزارع الدولة والأوقاف والمواطنين .. وعلى حساب مدخرات المودعين التي نهبتها الطغم المالية لشركات توظيف الأموال الإسلامية بعد" فتوحات" تلك الحرب السوداء.
لكنه من الصحيح أيضاً أنّ الذين يخفون أو يؤجلون مشاريعهم وأجنداتهم الرامية إلى فصل جنوب الوطن عن شماله، لن يخفوا سعادتهم وتأييدهم ومباركتهم لكل من يطالب بإسقاط نظام حكم منتخب جاء عبر صناديق الاقتراع، حتى وإن نزعنا عن مقال توكل كرمان عناصر التورية الملتبسة بين "الإصلاح" الحزب وبين "الإصلاح" بمعنى إعادة البناء. لأنّ مجرد وصول حزب "الإصلاح" إلى الحكم تحت مظلة الثورة الشعبية القادمة التي ستتولى مهمة إسقاط نظام الحكم المنتخب بقيادة ملالي ( اللقاء المشترك ) وعلى رأسهم الشيخ ياسين عبدالعزيز ــ بحسب ما قرأناه في ( الثوري ) ــ سيكون كافياً وضامناً لحرث وتهيئة التربة ليس فقط لفصل جنوب الوطن عن شماله ، بل وتحويل الوطن بأسره إلى كانتونات ودويلات طائفية ومذهبية وقبلية من صعدة إلى سقطرى، بعد أن يتقدم صفوف "الانتفاضة الثورية الانقلابية " شيوخ ومجاهدو حزب "الإصلاح" وهم ينفرون خـِـفافـاً ، رافعين في الأيدي اليمنى رماحا ً نواهلَ صوب الفرق غير الناجية من النار ، وسيوفا ً بيضا ً تقطر من دماء الروافض والمرتدين والمخالفين . فيجد فيها المجاهدون حافزا ً لسفك المزيد من الدماء بعد إن تلمع في حد النصال الدامية بروق خدود وثغور بلون زهر الأرجوان ، طالما أضناهم الشوق ( الحلال ) الى لثمها وتقبيلها بإجازة شرعية من جمهور ( الفقهاء ) . خصوصا ً وإن هؤلاء المجاهدين سيرفعون في اياديهم اليسرى رايات الفتاوى الدموية التي تجيز إبادة وقتل كافة المسلمين المدنيين من الرجال والنساء والأطفال "المتترس" بهم من قبل كفار الفرق الضالة والممتنعة ، على نحو ما طالبت به فتاواهم السوداء أثناء حرب صيف 1994م المشؤومة.
مغالطات بين مبادرتين
إنني لا أفتري على الحزب الاشتراكي اليمني عندما أقول إنّه معني أولاً بإجراء حوار وطني في داخله والتصالح مع نفسه وتاريخه ، والاعتذار عن الأضرار التي لحقت به وبمناضليه وبالناس جميعاً، منذ أن أصبح حزباً برأسين وبرنامجين " أحدهما في السلطة والأخر في المعارضة بعد الوحدة ".. ومنذ أن وجد نفسه حزباً ببرنامجين في المعارضة بعد الحرب وخروجه من السلطة إلى المعارضة على نحو ما دلت عليه وقائع الصراع بين تياري الأغلبية والأقلية.
وللتدليل على ذلك فإنّ الفارق الزمني بين الدعوة للحوار والمصالحة التي جاءت بها رسالة "مقبل" بما هو الأمين العام السابق للحزب، وبين آخر مبادرة أطلقتها اللجنة المركزية للحزب عندما كان "مقبل" أميناً عاماً شرعياً للجنة المركزية هو خمس سنوات، حيث سبق للجنة المركزية للحزب أن أقرت وثيقة بعنوان "مبادرة للحوار الوطني" في دورتها التي انعقدت أواخر شهر مايو 2002م، ونشرتها صحيفة "الثوري" في عددها رقم (1721) الصادر يوم الخميس 13 يونيو 2002م، وحددت فيها عناوين القضايا التي تمحورت حول التحضير للانتخابات البرلمانية لعام 2003م، وإصلاح مسار الوحدة وإزالة آثار حرب 1994م، وتحقيق المصالحة الوطنية.. وهي ذات القضايا الواردة في رسالة "مقبل" الأخيرة بعد تضمينها كافة مطالب تيار مسدوس ــ باعوم التي تدعو إلى ربط هذه المطالب بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق وقرارات مجلس الأمن الدولي أثناء حرب صيف 1994م، على نحوٍ ما جاء في الرسالة، وهو ما كان يرفضه بحزم ما يسمى بتيار الأغلبية في اللجنة المركزية.
في ضوء ما تقدم من حقنا أن نتساءل عن الجهة التي نسفت مبادرة الحزب الداعية إلى الحوار والمصالحة الوطنية عام 2002م ومن الذي واجه تلك المبادرة بالصد؟
ومن حقنا أن نتهم الحزب الاشتراكي ليس بصد مبادرته بنفسه بل وبتفجيرها وإطلاق نيران كثيفة عليها فور صدورها ونشرها في صحيفة "الثوري" آنذاك.
وقد سبق لكاتب هذه السطور حينها تسليط الضوء على هذه الحقيقة في مقالٍ نشرته صحيفة "26 سبتمبر" الأسبوعية على صفحتين كاملتين بعد شهر واحد منذ أن أطلق الحزب نيراناً كثيفة وقاتلة على دعوته للحوار والمصالحة عام 2002م، حيث جاءت تلك النيران من داخله وليس من السلطة التي يتهمها "مقبل" اليوم بأنّها كانت دائماً تواجه مبادرات الحزب للدعوة والمصالحة بالصد والتجاهل!!!
ولأنّ الذكرى تنفع المؤمنين، فلابد من التذكير بأنني أوضحت في تلك المقالة التي أعلنت فيها انسحابي من الحزب الاشتراكي اليمني كيف أطلق الحزب رصاصات قاتلة على تلك المبادرة. فقد نشرت "الثوري" وثيقة الحوار الوطني التي أقرتها اللجنة المركزية للحزب إلى جوار وجهة نظر الدكتور محمد حيدرة مسدوس عضو المكتب السياسي وهو أبرز رموز ما يسمى بتيار إصلاح مسار الوحدة داخل الحزب، حيث وصفها بأنّها لا تختلف عن وجهة نظر قدمها الشهيد جار الله عمر الأمين العام المساعد سابقاً عام 1999م، وقد كان من أبرز رموز تيار الأغلبية الذي يُعارض مطالب وأطروحات تيار مسدوس، قبل أن يسقط ورثة قضية جار الله عمر في داخل مربع هذا التيار على نحوٍ ما تدل عليه الأطروحات الجديدة التي تضمنها بيان الدورة الأخيرة للجنة المركزية ورسالة أمينها العام السابق.
لقد انتقد مسدوس تلك المبادرة بأسلوب قاسٍ للغاية، وهدد علناً بنسفها وتعطيل شرعية الأغلبية في قيادة الحزب، ووصف تيار الأغلبية بأنّه يمثل معارضي الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته قبل الوحدة . كما هدّد بمنعهم من توظيف هيمنتهم على قيادة الحزب لصالح حرفتهم الوحيدة التي أجادوها وأدمنوا عليها، وهي المعارضة الدائمة والمطلقة للرئيس وسلطته حتى إسقاطه بحسب ما جاء في ذلك المقال الذي سبق لي الرد عليه ومناقشته آنذاك.
الحق أقول أن تيار الأقلية الذي يمثله مسدوس هو وحده مَنْ أطلق النار على تلك الوثيقة التي دعا فيها الحزب الاشتراكي إلى الحوار الوطني، بل أنّ نيراناً أكثر شراسة وعنفاً أطلقها صوب تلك الوثيقة تيار الأغلبية من خلال الرفيق علي محمد عبده (الصراري)، عضو المكتب السياسي وأحد أبرز رموز ومنظري هذا التيار ، حيث قام الصراري وبالتزامن مع نشر مبادرة "الحوار الوطني" ووجهة نظر مسدوس إزاءها في صحيفة "الثوري"، بكتابة ونشر مقال على حلقتين في صحيفة "الناس" التي يموّلها حزب التجمع اليمني للإصلاح خلال الفترة 10 – 17 يونيو 2002م شن فيه هجوماً ضارباً على المؤتمر الشعبي العام الذي دعت الوثيقة إلى الحوار معه.
لم يخفَ الصراري في ذلك المقال رفضه المطلق لمبادرة "الحوار مع المؤتمر الشعبي" الذي وصفه بأنّه "تعبير سياسي عن الفساد، وأداة لإفساد الحياة السياسية في بلد انتهت فيه السياسة"، مشيراً إلى ( أنّ المؤتمر الشعبي العام سيظل كذلك إلى أن ينتهي الفساد وينتهي معه المؤتمر الشعبي العام أو أن ينتهي اليمن والعياذ بالله ) بحسب قوله.
في غمرة تلك النيران التي أطلقها الصراري على وثيقة "الحوار الوطني" التي أقرتها اللجنة المركزية عام 2002م لم ينسَ تذكير قرائه بأنّه كتب مقالاً في صحيفة "الشورى" عام 2001م، وصف فيها المؤتمر الشعبي العام بأنّه "حزب من ورق" مؤكداً على أنّه لن يتراجع عن ما جاء في ذلك المقال، "لأنّ المؤتمر هو حزب مصنوع من ورق الكتابة وورق البنكنوت، ويشكل خطراً على الحياة السياسية في اليمن"!!!
والحال أنّ مسدوس في رفضه لآخر مبادرة رسمية أطلقها الحزب الاشتراكي للحوار الوطني عام 2002م، لم يكن ضد مبدأ الحوار مع المؤتمر الشعبي العام ــ كما هو الحال عند الصراري بما هو المنظر البارز لتيار الأغلبية ــ بل أنّه أبدى حرصاً على الحوار مع الرئيس علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام كشريكٍ تاريخيٍ للحزب في الوحدة وليس كنمر من ورق يفسد الحياة السياسية ويضعها أمام خيارين تصفويين أما أن ينتهي الوطن ويبقى المؤتمر.. أو أن ينتهي المؤتمر ليبقى الوطن!!
وإذ يرفض "الصراري" ممثلاً عن تيار الأغلبية مبدأ الحوار بشكل مطلق مع السلطة وحزبها الحاكم ، فإنّ مسدوس الذي يمثل تيار الأقلية كان مع مبدأ الحوار، ولكن حول قضية واحدة تتعلق بإعادة إنتاج الشراكة في السلطة وتقاسمها بين طرفي الوحدة انطلاقاً من نقطة سابقة في تاريخ قديم توقف عندها زمن مسدوس، على عكس الصراري الذي لا يكتفي برفض الحوار مع الآخر ــ أي الحزب الحاكم ورئيسه ــ بل يرفض وجود الآخر من أساسه، وينزع إلى إقصائه وإلغائه واستئصاله، ويدعو إلى محاربته وإزالته مقابل بقاء الوطن، على نحوٍ ما تدعو إليه اليوم أيضاً الزميلة توكل كرمان .. " فأما أن ينتهي المؤتمر الشعبي العام ، أو أن ينتهي اليمن والعياذ بالله "!! مع أنّ الصراري الذي يتظاهر بالدعوة إلى حماية الديمقراطية والتعددية والوحدة، يتجاهل حقيقة أنّ المؤتمر الشعبي العام الذي يدعو إلى استئصاله ــ لأنه نقيض وعدو للوطن ــ هو الشريك التاريخي لحزبه في تحقيق وحدة الوطن، وهو مَنْ حرص على بقاء الحزب، وقاوم مطالب حزب "الإصلاح" بحله وتصفيته بعد الحرب.. وهو من يتمسك بأن تكون شرعية الحكم في اليمن مستمدة من صناديق الاقتراع وليس من رجال الدين وأهل الحل والعقد.. وهو من يضمن حق الصراري وغيره من المعارضين في التعبير عن آرائهم وأفكارهم ومواقفهم، ولا يدعو إلى تصفيتهم وإقصائهم وإلغائهم على نحوٍ ما يطالب به الصراري وتوكل كرمان اليوم، وكذلك على نحو ما طالب به حزب التجمع اليمني للإصلاح عندما كان شريكاً في السلطة بعد الحرب.
وجهان لمأزق واحد
نحن الآن أمام وجهين لمأزق واحد يعيشه الحزب الاشتراكي اليمني وأحزاب "اللقاء المشترك" أيضاً، وهو مأزق لا يؤهل هذه الأحزاب للحوار والمصالحة مع الرئيس والحزب الحاكم والآخرين عموما ً ، تنفيذا ً لما دعا إليه الرفيق "مقبل" في رسالته. فالذين أطلقوا النار على آخر مبادرة تقدّم بها الحزب الاشتراكي عام 2002م بشأن الدعوة إلى "الحوار الوطني" ، وكذلك الذين رفضوا نتائج الانتخابات الرئاسية والمحلية ، ثم اتجهوا بعدها الى الشوارع بهدف التمرد على نتائج الديمقراطية وإسقاط نظام الحكم ، هم أنفسهم من سيطلقون النار على المطالب العشرة التي وجهتها رسالة "مقبل" إلى رئيس الجمهورية. وينبغي على هؤلاء إدارة حوار داخل الحزب أولاً وداخل أحزاب ( اللقاء المشترك ) بكافة تجنحاتها ثانياً، وصولا ً الى تحقيق المصالحة بين تياراتهم المتصارعة . وهو ما يفسر أنّ الدعوة للحوار والمصالحة بشروطها ومطالبها الملتبسة التي تضمنتها رسالة "مقبل" لم تأتِ هذه المرة من اللجنة المركزية حتى وإن كانت في بيان دورتها الأخيرة قد وقعت رهينة الشارع الشارد، حيث يعلو صوت مسدوس وباعوم والنوبة إلى جانب أصوات مشبوهة لأشباح ميتة تسللت من خلف أسوار التاريخ والجغرافيا!!
لا ريب في أنّ الاختباء خلف شخص أنهكه المرض ويحمل صفة "الأمين العام السابق" على نحو ما فعله كتبة رسالته المشحونة بالألغام والمتفجرات التي تكفي لنسف المطلبين الأخيرين (9 – 10) وهما الحوار والمصالحة، يدل على أنّ الحياة الداخلية للحزب لم تعد صالحة لرسم سياساته وصياغة أهدافه وتحديد وجهة سيره على نحو يجسد وحدة الإرادة والقضية.
وفي الاتجاه المعاكس ليس بمقدور أي طرف سواء داخل الحزب أو أحزاب "اللقاء المشترك" أو المنظومة السياسية للدولة والمجتمع، البحث عن بيئة للحوار والمصالحة في الشوارع المنفتحة على الرياح والعواصف والأشباح .. كما أنّه ليس بمقدور أحد التهافت على مخرجاتها الملتبسة بالخطوط والظلال والغبار والأتربة والأوساخ!.
ولئن كان تيار الأغلبية وجد نفسه مضطراً لإدارة حوار مع تيار الأقلية على نحو ما جاء في بيان اللجنة المركزية ورسالة "مقبل" الأخيرة من حديث حول "القضية الجنوبية" ومطالبة بالعودة إلى دستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق، فإنّ هذا الحوار سيكون أشبه بحوار طرشان لا يجري داخل هيئات الحزب بل يجري في شوارع مفتوحة على الرياح والأشباح.
إنّ أخطر ما في التمسك بهذه المطالب ليس الهروب إلى الإقامة الدائمة في الماضي وهو خيار العقل السلفي بامتياز، بل الاغتراب عن الواقع وفقدان القدرة على قراءته وإعادة اكتشافه في ضوء مفاعيله ومتغيراته الجديدة والمستمرة.. لأنّ وثيقة العهد والاتفاق لم تعد صالحة اليوم، كما أنّ مشاريع الإصلاحات المطروحة سواء من السلطة أو المعارضة تجاوزت هذه الوثيقة، وتجاوزت دستور دولة الوحدة بحسب ما أكده الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (المعارض)، والذي كتب بنفسه تلك الوثيقة وكان من أشد المدافعين عنها والمطالبين بتنفيذها في وقتٍ سابق. ولذلك فإنّ الذين يرفضون الحوار، هم الذين يهربون إلى مطالب جاهزة ومسبقة لا تحظى بالإجماع لتسجيل مواقف لا غير، أو إخفاء أجنداتهم الانقلابية التي تستهين بقيم الديمقراطية التعددية وأدوات الحوار.
وإذ ْ نزعم بأنّ الحزب لم يعد مؤهلاً للحوار في داخله والمصالحة مع نفسه أولاً، فإننا لا نزعم أيضاً بأنّ من يعجز عن فعل ذلك ليس مؤهلاً للحوار والتصالح مع الآخرين.. فقد سبق لتيار الأغلبية إجهاض وإعدام مبادرة الحزب عام 2002م برفض الحوار والتصالح مع المؤتمر، لأنّه نمر من ورق ونقيض للوطن يتوجب إقصاؤه لكي يبقى الوطن . أما تيار الأقلية فهو يدعو إلى الحوار مع المؤتمر حقاً، ولكن من خلال العودة إلى نقطة سابقة في التاريخ والجغرافيا.. وكلا التيارين يسعيان إلى إعادة إنتاج وتكريس ثقافة المجابهة الموروثة عن عقلية شمولية قادت البلاد في المراحل السابقة إلى أزمات وكوارث وصراعات سياسية خلفت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا الذين يدفعون على الدوام أثماناً باهظة لأخطاء حفنة من السياسيين الذين لا يجدون لحياتهم معنى بدون احتراف هذا النوع المدمِّر من السياسة التي تنزع إلى المجابهة والإقصاء من خلال الحرب الأهلية أو التحريض عليها، ثمّ تنقل بعد ذلك مخرجاتها إلى الشارع في صورة دماء وجراح وأحقاد وأجندات وشعارات وتصفية حسابات.. وهو الدرس الذي يبدو أنّ الحزب لم يتعلمه ــ حتى الآن ــ رغم المتغيرات المأساوية التي أصابت " شرعياته " المتعاقبة قبل الوحدة وبعدها. حيث لا يزال ثمة من يصر على الإقامة الدائمة في الماضي سواء من خلال الإدمان ــ المزمن والمطلق وبلا حدود ــ على معارضة الرئيس علي عبدالله صالح وسلطته على غرار ما يفعله تيار "الأغلبية"، أو من خلال الوهم بإمكانية إقناع الرئيس علي عبدالله صالح بفكرة الحوار والمصالحة على أساس إنتاج شرعية ماضوية لم تتجاوزها الأحداث فحسب، بل تجاوزت نفسها بنفسها، تحت تأثير وفعل القوانين الموضوعية والحقائق والمتغيرات الجديدة. فقد جرت على نهر الواقع خلال السنوات السبعة عشرة الماضية بعد الوحدة، والسنوات الثلاث عشر بعد حرب صيف 1994م، مياه كثيرة.. وبحكم القوانين الموضوعية التي تجاهلها الحزب، فإنّ الإنسان لا يضع قدميه على النهر مرتين.. ففي كل مرة ثمة مياه جديدة لنهر مختلف عما قبل.. وصدق الله القائل : " وترى الجبال تحسبها جامدة ً وهي تمر مر السحاب ".