جاسم عباس - لكل شيء تاريخ يهمك في اليمن لكل شيء تاريخ يهمك في اليمن
يعتبر اليمن من أثرى دول العالم بتجربته، ذكر ان فيه أول مدينة في الأرض، وأول ناطحة سحاب وأول عقيق وعسل وسواها من مستلزمات الإنسان، بهذه التجارب سر خلوده، والروح تهفو الى بلد العرب السعيد، وتنساب المشاعر مع خيراته، كل شيء رسالة الى البشر منذ اكثر من 3000 آلاف سنة، كانت رحلتنا أمنا وطمأنينة تجد فيه أشياء تهمك كأشعة الشمس الدافئة، وسماحة قلوب أهله: يد تغري الضيف وتبهج عين الزائر وتريح أعصاب المتعب.
الحنة .. والعنب
حدثنا إبراهيم محيي الدين تاجر الحنة ان أفضلها وأجودها في الأراضي الحضرمية، وحراش، وان الشجرة الواحدة تعطي حوالي عشرين كيلوغراما من الورق، نحن والباعة نقوم بإخراج أعواد الورق ثم نطحن الأوراق، وبعض النساء يفضلن الورق على الأعواد.
أضاف: اعواد الحنة تباع لانها تفرش تحت الميت في القبر والحنة اليمنية غير مخلوطة بالتراب او الاعشاب، تفيد في علاج العقم عندما يشرب الزوج والزوجة معا، ولإدرار البول، وتفتيت الحصى، واوراق الحنة تستعمل في الصناعة والصباغة، وتحفظ الثياب من العث، ولزينة اليد والاقدام والشعر.
وحدثنا زكريا هاشم بأن هناك مثلا عربيا يقال لمن يعود خال الوفاض دون الحصول على مآربه واهدافه 'لا طال بلح الشام ولا عنب اليمن'. فلماذا اليمن بالذات؟
يقول: العنب اربعون صنفا في اليمن، يزرع في مناطق متفرقة اشهره 'بني الحارث'، و'بني حشيش' و'بني بهلول، ووادي ظهر. اما اصنافه كما هي مرتبة على حروف المعجم: 'الاشهب - اصابع زينب - اطراف العذارى - البياض بيض الحمام - التبوكي - التربي - الجرشي - الجوزة - الجوفي - الحاتمي - الحبشي - الحسيني - الحنان - الحلواني - الدربج - الدوالي - الذبيبي - الرومي - الزيتون - الزبدي - السكري - السيسبان الشامي، الضروع، العذاري، العرقي، عيون البقر، القبر، القزاقز، القوارير، القهمي، الكشمش، المختم، الملاحي، الناهر، الوادي، النواسي، النشاني، الرازقي'،
ومن اهم الأصناف 'الرازقي' الذي يفضل في صناعة الزبيب، والاستهلاك الطازج، وحجم ثمراته صغيرة لونها اصفر ضارب الى الخضرة، اما الأسود من العنب فهو متأخر النضج جذاب يزن العنقود فيه من 500 الى 700 غرام، وتزن 100 ثمرة منه نصف كيلوغرام، كل الانواع سهلة الهضم.
وأكد هاشم: ان العنب عرفه البشر من اليمن، وكانوا في القديم يعتبرونه رمزا للخصب مع حبوب القمح الناضجة وعرف منذ عهد النبي نوح.
حبات كهرب مهر للفتاة
اما عبدالسلام الحارثي فحدثنا عن حبات الصفراء التي لا توجد الا في حضرموت، ولا اعتقد توجد ملة في الدنيا لا تعشق مسباح الكهرمان، لا يشم اي مسباح غير الذي حباته من كهرب الحضرمي الذي يضيء في الليل، القطع الكبيرة تقتطع من احجار الكهرمان الكريمة ولونها اصفر، الصغيرة منها تعلق في الديوانيات اليمانية، وحتى المحلات للتبريك وفي مقر عمله يعلق اليمني كهرمان الساحر.
اما عن فوائده فقال: بتجارب سابقة قديمة افادت حباته في علاج الصفرة خصوصا عند الأطفال، وقديما تقدم القطع الكبيرة او المتوسطة الحجم كمهر للعروسة، وهدية بعد الدخلة.
اللبان علاج
واوضح لنا زكريا هاشم (الدليل السياحي): ان حضرموت ازدهرت اثناء ازدهار تجارة اللبان، كانت تجارته متقدمة قبل 3000 سنة، قوافل كانت تمر من ظفار ومصر وغزة حاملة اللبان، كانت تغطي زراعته اكثر من 29% من مساحة حضرموت، واخذ ينتشر ليس كعلك بل دواء يعالج به الربو، واللثة، والحنجرة، وماء اللبان المنقع يشرب دواء للمعدة والكبد، واخذه الطبيب الشعبي منذ القدم لعلاج كسور العظام مع وضع العصي الصغيرة حوله، وكان ينقل بواسطة الجمل ذي السنام الواحد الذي استخدمه واول من روضه.
العسل الدوعني
وحدثنا يوسف الحميدي: أن العسل الدوعني فيه مجموعة الشفاء وبعد عشرين عاما من الدراسة والتجارب قام بها الدكتور عبدالعزيز الحميدي تبين ان العسل اليمني يعالج الضعف الجنسي ويضخ الحيوية والطاقة لدى الرياضيين كما يفتح الشهية وعلاج لفقر الدم مجدد النشاط لكبار السن، عسلنا مجموعة من الاعشاب خلطت معه وركبت للاطفال.
وقال: عرف اليمني العسل مع وجود البشر على سطح الارض وكما قيل ان جثة الاسكندر الكبير ارسلت الى مقدونيا وهي مغمولة بالعسل، واستعمل لحفظ اللحم، ويعقوب (ع) ارسل مع اولاده العسل المصفى حين ارادوا الرجوع الى مصر لشراء القمح ومعهم اخوهم بنيامين تلبية لطلب يوسف (ع) وسيدنا سليمان (ع) كان يأمر بالبحث عن العسل في اليمن واستعماله.
وقال يوسف: في صنعاء وحدها بدأت تنتشر مراكز توزيع العسل وتجاوز عددها 180 مركزا في الوقت الحاضر ويسمى في اليمن منذ مئات السنين بالحافظ الامين لانه يقف بوجه الامراض قبل دخولها جسم الانسان كما يدخل في كثير من الصناعات ومادة الشمع في صناعة التجميل والادوية، والنحلة تستخدم مادة للدفاع عن نفسها ايضا، وافضل انواعه من وادي دوعن في حضر موت لانه السدر صاف وخال من الشوائب، وسلالات النحل هناك من النوع الاصفر المشهورة.
السيف اليمني تراث
وانتقل بنا زكريا الى سوق الملح في صنعاء وهو من اشهر الاماكن التي تقوم بتصنيع السيوف رغم تقلص صناعتها الا ان السيوف كانت ومازالت في مقدمة الهدايا قدم السيف اليمني هدية من علي الصليحي للخليفة المستنصر بالله الفاطمي في مصر وكانت 70 سيفا مقابضها من عقيق ولا يزال اليمني يفتخر بتفوقه في صناعة السيوف وزخرفتها ومن الصعب الا تجد في بيت يمني سيفا معلقا كنوع من الاعتزاز بالتراث القديم كما ان العريس اليمني يحرص دائما على ان يتحلى به يوم زفافه، ويلوح به مرددا التحية لاصدقائه، واضاف زكريا: عرفت بلاد اليمن بالحضارات المعينية والسبئية وغيرهما فقامت على الفتوحات والتجارة وواجهت غزوا اجنبيا تطلب استعدادا كبيرا لصده، مع وجود المناجم والمعادن بكثرة، فالدفاع عن اليمن كان بالسيف الذي كان في مقدمة الاسلحة، والمعروف في التاريخ انه سلاح يتميز بجودته وصلابته وليونته في الوقت نفسه، ويصفونه بانه 'جوهر مستطيل متساوي العقد' وتقول الدراسات ان خالد بن الوليد طلب السيف اليماني العتيق يوم غزوة 'مؤتة' بعد ان تكسرت في يده تسعة سيوف.
قلما تتجول في أسواق صنعاء ولا تجد فيها زاوية يحتلها بائع 'الطروح' (يشبه الخيار ولكن حجمه كبير واسمه ايضا 'القثاء') شاهدناه يعرض علينا بضاعته قائلا بصوت عال: مرطب يطفئ العطش، عصيره يزيد الذكاء.
وقال البائع محدثا عن الطروح زرع عندنا في اليمن منذ اربعة ألاف سنة، والتاريخ يثبت خاصة 'ارسطو' الذي كان ينصح به النساء ليرطبن حرارتهن، ونصح الاطباء منذ القدم فقالوا: الخيار او الطروح افضل ما يؤكل منها اللب، لانه اسرع هضما، ويفيد مرضى السكري لانه خال من السكر.
وقال: من اجل نعومة الجلد إغسله بالخيار خاصة الوجه ويزيل الصداع اذا طبخته، ويدر البول وداء للحصى اما سلبياته فقال عنها: فيه ضرر فهو يولد البلغم، ويضر المعدة ويحدث رياحا، ولكن يصلحه العسل او الزبيب، وجمال مائدة اليمني بالطروح الصنعاني، واذا اردت العمل 24 ساعة بدون اكل الا الطروح اليمني.
سفينة نوح في اليمن
وتحدث زكريا هاشم قائلا عن سفينة نوح: يعتبر المكان الذي تربض فيه سفينة نوح لغزا لان اكثر الشعوب في العالم ادعت انها موجودة على اراضيها، ولكن علي محمد مسعد العداسي اعلن انه اكتشف سفينة نوح في منطقة (نهم) التي تبعد عن صنعاء حوالي خمسين كيلو مترا واكتشف قبر النبي ايوب (ع)، وهو يقع على اعلى قمة جبل بارتفاع 3500 قدم، وان السفينة لها بقايا في 'جودي' مكان هبوط السفينة، وكثير من السياح زاروا المنطقة، فهي آية وعبرة للجن والانس حتى قيام الساعة، باقية آية من آيات الله تعالى وفي سورة العنكبوت (الآية 15) 'فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين'.
وبعد ان سمعنا من الدليل السياحي هذا الكلام، قلت: الكل يدعي، ولم يتم العثور على دليل قاطع على وجودها في مكان معين، لذا تظل السفينة لغزا، وستكون الكلمة للمتخصصين في التاريخ والآثار.
مأوى آمن للحيوانات
ومن مشاهداتنا ايضا في اليمن عندما نقف عند الاشارة الضوئية تجد الاطفال والشباب يقدمون لك ما تحتاجه من الماء والهدايا مقابل مبلغ زهيد جدا، ولكن احدهم كان يوزع اوراقا تصف برنامج ملجأ الحيوانات المتشردة (حيوانات الشوارع) في صنعاء، نعم ان هذا المشروع يهم اهل العاصمة وحتى زوارها، كنا نشاهد القطط والكلاب الضالة سائبة، وهذا المشروع مهم جدا اذا نجح في التقاطها من الشوارع ووضعها في مكان آمن يوفر لها الطعام والمأوى والرعاية الصحية، وسيساعد المشروع كذلك على منع هذه الحيوانات من نقل الامراض الى البشر.
انه مشروع له اهداف نبيلة لم يتوقع سكان المدينة نجاحه بهذا الشكل، لاسيما وانه مازال في بدايته، ومن اهدافه تقليل اعداد الكلاب والقطط في شوارع صنعاء بشكل ملحوظ عن طريق تعقيمها طبيا، وتنفيذ برنامج توعية شعبية عام بتحويل هذه الحيوانات الى حيوانات مفيدة واليفة في المنزل، وايجاد فرص عمل ومهارات للمتسولين عبر تدريبهم واستخدامهم في ادارة المأوى الآمن، وتدريب الكلاب على نزع الغام في اليمن، وفي المستقبل يتم ادراج برنامج تدريب الكلاب على قيادة ذوي الاحتياجات البصرية الخاصة (العميان).
وفي الختام، نذكر مشاهداتنا في صنعاء بعد الساعة التاسعة ليلا، حيث تشاهد النساء المتحجبات والمنقبات يكنسن شوارع العاصمة مقابل راتب يكفي للمعيشة خلال شهر واحد من البلدية، فالمكنسة اوجدت فرص العمل مع تنظيف شوارع المدينة، انه مشروع يلقى دعما من قبل عدة شركات
* عن القبس الكويتية
|