زياد ابوشاويش* -
قراءة محايدة لاقتراح علي صالح الرئاسي
ما هو المناسب لليمن وللمجتمع والثقافة اليمنية النظام الرئاسي كما طرحه الرئيس على صالح أم النظام البرلماني الذي تنادي به المعارضة في اللقاء المشترك ؟ وهل يمكن أن نقرأ الاقتراح الرئاسي بموضوعية وحيادية ونحن الذين ننغمس في مشكلات اليمن ونتابعها بشكل يومي ولا نملك إلا أن نقدم رؤيتنا الخاصة للحلول ؟ ، وبالتالي كيف يمكن أن نصل لاستنتاج منطقي حول الأمر ؟...... ما هي البوصلة التي تهدينا إلى الطريق الصحيح لقراءة الموضوع بشكل نزيه ومتوازن ؟ وهل يكون مثل هذا الاستنتاج لمصلحة اليمن والشعب اليمني ومستقبله السياسي ؟ . كل هذه الأسئلة ترد على الذهن ونحن نستعد للخوض في المقترح الذي قدمه الرئيس اليمني على عبد الله صالح في خطابه لمناسبة العيد الوطني لليمن بتاريخ 26 سبتمبر 2007 ، وهو الاقتراح الذي أثار زوبعة وربما عاصفة لم تهدأ مفاعيلها حتى اللحظة ومرشحة للاستمرار لوقت طويل ، ذلك أنه يتركز في المقترح والردود عليه جوهر التناقض اليمني الذي يحمل كل هموم اليمن وطرق علاجها من هذا الطرف السياسي أو ذاك .
أشكال للحكم وخصوصيات يمنية :
عبر التاريخ البشري عموماً ، وفي سعي المجتمعات لضبط تناقضاتها الداخلية ، وللوصول لأفضل الطرق والأساليب لتحقيق أهداف المجموعات البشرية في سياق تطورها التاريخي أو ما يمكن أن نطلق عليه الصيرورة التاريخية نشأت العديد من النماذج لأسلوب وطرائق الحكم حرصت جميعها على تبرير وجودها عبر تقديم أكثر النماذج قرباً من العدالة حسب مفهومها في الزمن المعين ، وليس على إطلاقها كما يحاول البعض في قراءته الطوباوية للأمر .
وحسب القراءة التاريخية فان عشرات الأشكال والنماذج تواترت عبر العصور لولي الأمر وطبقته الحاكمة سواء في العصر العبودي أو الإقطاعي إلى الرأسمالي .
ومنذ نظام أثينا البرلماني الديمقراطي ومجلس شيوخه الشهير وحتى الآن لم يتم إدخال أي تحسين جدي على جوهر هذا النظام باستثناء أن هؤلاء يتم انتخابهم من الشعب ، وليس على أساس ملكيتهم للأرض كما كان يجري في أثينا وروما ، ولو أمعنا النظر في الأمر لوجدنا تشابهاً كبيراً بين الأمس واليوم من حيث الوصول للبرلمان أو مجلس الشيوخ ارتباطاً بالقدرة المالية والملكية . وفي رؤية سريعة لما سبق نظام أثينا ومن بعدها روما ، وكذلك لما تلاها من أنظمة حكم سنعثر على تنوع هائل في أساليب الحكم ، فمن قراقوش وشبيهه نيرون ، ومن قبله بزمن طويل الآشوريون والبابليون ، وحتى نظام الإمامة في اليمن السعيد وجدنا ما يتفق مع العقل والوجدان كما وجدنا ما هو غريب وبعيد عن كل منطق وعقل في هذا الإطار .
ولأن الأمر يتعلق باليمن فان أشكال الحكم فيه عموماً ركزت على الحكم الفردي والأسري الذي يمنح الوالي أو الزعيم القبلي أو الحاكم ، أو الشيخ ، أو الأمير أو الملك أو الإمام وورثته مطلق الحرية في تقرير شؤون البلد أو المنطقة أو الولاية سمها ما شئت ، على خلفية أن هذا الحاكم يستمد هذا الحق من شرعية وجوده في هذا الموقع بسبب من ثقافة ومفاهيم(يمثل الدين جزءاً منها ) ،أو بسبب اجتماعي وراثي . والقاسم المشترك بين كل هؤلاء صفتهم المقدسة لدى أبناء جلدتهم وعند عامة الناس وفي الميثولوجيا نجد تفسيراً يتعلق باكتساب صلاحيات أو خصائص إلهية كبلقيس وقصتها مع الملك سليمان .
إن هذا الأمر لم يمنع وجود بعض المعارضين أو المنتقدين لهكذا أسلوب ولهكذا ثقافة ، لكن هؤلاء كانوا منبوذين من الناس ومطاردين من جانب السلطة الحاكمة ، والتي تستمد نفوذها من صلاحيات الفرد الحاكم وهيبته لدى الشعب .
إن مفهوم الحكم في الثقافة اليمنية تعود بمجملها ولدى الأغلبية الساحقة من الشعب اليمني إلى مفاهيم قبلية وعشائرية ، والى حد ما دينية تعلي قيم الشخص وموقعه في قبيلته وبين قومه ، ومن ثم فان النظام الرئاسي هو الأقرب لوجدان اليمنيين وثقافتهم ، ولا فرق هنا بين مفهوم نظام الحكم ومفهوم الشخصية الحاكمة . وسواء كان الحاكم ملكاً أو رئيساً فان الناس في اليمن وتبعاً لخصوصية تاريخهم وغناه لا يهتمون إلا لكون من يحكمهم رجلاً عادلاً أو رجلاً ظالماً ، وهل من يحيطون بهذا الرجل يتمتعون بمواصفات طيبة أم شريرة .
الخلط المتعمد بين طبيعة الحكم والحاكم :
في مقاربة الوضع اليمني وتبعاً لما نسمع حول ما يدور من نقاشات يستوقفنا ملاحظة جديرة بالاهتمام والنقاش تتعلق بالخلط الدائم وأحياناً المتعمد بين طبيعة النظام وتركيبته وبين الشخص الحاكم ، ملكاً كان أم رئيساً ، وفي الحالة اليمنية يجري الخلط بين الأسلوب الأنسب للحكم في اليمن وبين شخص الرئيس ، الأمر الذي لا يسهل النقاش ويحرم المتحاورين من نتائج منطقية ومن رؤية موضوعية محايدة للأنسب لليمن .
لقد انطلق الرئيس على صالح في طرح مبادرته للإصلاح السياسي والاقتصادي من رؤية ذاتية لدوره في الحكم ومدى الصلاحيات التي يتمتع بها وضرورة عودة الحق له في تقرير الحل وطرائقه باعتباره الشخص الذي تلقى عليه المسؤولية فيما يعانيه اليمن من معضلات وبالتالي فالمنطق والعدالة حسب وصفه تقتضي أن يستعيد سلطاته كاملة ما دامت تلقى عليه المسؤولية كاملة . وفي هذه القراءة من الرئيس نجد بعض الخلل ، حيث الانطلاق من الذات للموضوع يقلب المعادلة ويجعل الصراع يتمحور حول الشخص وصلاحياته بينما يحتاج اليمن لقراءة تلحظ واقع اليمن وما هو الأنسب له سواء من حيث طريقة الحكم أو مواصفات الشخص الذي يجب أن يحكم اليمن . إن أي قراءة محايدة للأمر يجب أن تقر بأنه رغم المنطق الشكلي الذي يغلف المبررات لهكذا تعديل فان نتيجة غير محمودة ستترتب على الإقرار بهذه المبررات كأساس للتعديلات المقترحة .
إن اقتراح إصلاحات تطال نظام الحكم يعني الإقرار بوجود مشكلة تحتاج لعلاج يتولاه الرئيس شخصياً وهذا يعني أن هذه المشكلات بحجم كبير ونوعية عويصة ، لذلك فان منطقاً آخر يجب أن يحكم منطلقات التغيير يعتمد أساساً على رؤية دقيقة وواضحة لطبيعة المشكلات وطرق علاجها ، وليس لمواصفات أو صلاحيات تمنح ، أو تمنع .
لقد رفضت المعارضة فوراً هذه المقترحات وبررت ذلك بعدم جدية النظام في الإصلاح وأن ما قدمه الرئيس هو مجرد مناورة سياسية لتخفيف الضغوط الناجمة عن جملة المشاكل الحادة التي تعصف باليمن ،وهناك من قال أنها لضمان فترتين رئاسيتين إضافيتين للرئيس صالح ، بل وصل الأمر بالبعض للحديث عن حل استعصاء موضوع التوريث وضمان فتح الطريق لابنه .
وفي كل الأحوال وسواء كانت المعارضة على صواب في رفضها الحوار مع السلطة وعدم حضور الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس ، أو كانت على خطأ ، فان مشكلات اليمن التي تذرعت بها المعارضة لرفض اقتراح الرئيس هي ذاتها من يفرض على هذه المعارضة وبذات منطقها فتح حوار جدي وشامل مع الحكومة ومع الرئيس من أجل الوصول إلى أقرب الطرق للخروج من المأزق الذي يلف البلاد حكومة ومعارضة . وان كان الرئيس قد انطلق من رؤية شكلية وخاطئة في طرح مقترحه فان المعارضة فعلت ذات الشيء برفض الحوار واللقاء ، وناقضت من حيث تدري أو لا تدري منطقها في رفض المبادرة الرئاسية .
إذن ربما يكون مفيداً إعادة النقاش الوطني حول مقترحات الرئيس على خلفية موضوعية تأخذ بعين الاعتبار تغييراً حقيقياً يطال طبيعة النظام من حيث العلاقة بين الحاكم والمحكوم ومدى الصلاحيات التي يمكن منحها للسلطة الحاكمة ونفوذ قوى المجتمع المدني ، وفصل السلطات وتوزيعها لضمان العدل والمساواة أمام القانون ..... إلى آخر المواصفات التي يجب أن يتسم بها النظام ليكون قادراً على التصدي لمعضلات اليمن الخطيرة وتأمين لقمة العيش الكريم للشعب ، ثم بعد ذلك يتم البحث عن مواصفات الرئيس الذي يمكن أن يؤتمن على هذا النظام ، أما ما نراه فهو قلب للأمر وضياع البوصلة سواء من جانب الحكم أو من جانب المعارضة .
كيف نحدد النظام الأمثل لليمن :
هناك نموذجين مقترحين للحكم في اليمن ، الأول تطرحه المعارضة ويقوم على الحكم البرلماني الخالص ، بوجود رئيس رمز يكون على مسافة متساوية من كل الأحزاب والقوى السياسية ويمثل وجوده ضمانة للعدل والمساواة ولكنه لا يحكم أو يتدخل في إدارة شؤون البلد .
والنموذج الذي اقترحه الرئيس لعلاج مشكلة مزمنة استطالت لمدة 28 سنة كما ذكر الرئيس ، ويقوم على نظام بصلاحيات شبه مطلقة للرئيس باعتباره ممثلاً لإرادة الشعب ما دام منتخباً منه ، وبوزارة وحكومة تخضع لقراراته ومجلس مستشارين يحيط به يعينه الرئيس ، ومع وجود مجلس شعب أو مجلس أمة بغرفتين الأولى لممثلي الشعب بما في ذلك نسبة أل 15% للمرأة ، والثاني مجلساً للشورى ، لن يكون دورهما أكثر من ديكور حسب اعتقادي الشخصي.
إذن هناك اقتراحان محددان ، ورغم أن ظرفاء اليمن تحدثوا عن اقتراح الرئيس باعتباره تحصيل حاصل لأن الصلاحيات في وجود هذا النظام المختلط شكلاً هي في الحقيقة بيد الرئيس وبطانته ، إلا أن الطرح الجديد سيعطي الأمر الواقع تغطية قانونية لا أظنها ستساهم في علاج مشكلات اليمن . وفي المقابل فان نظاماً برلمانياً خالصاً مع بقاء عبد الله صالح على سدة الرئاسة منتخباً من الشعب ، وفي ظل هذا الكم الكبير من الإشكالات المجتمعية في اليمن وطبيعته القبلية ، غير قادر على إخراج اليمن من حالته الراهنة لألف سبب . فلا الاقتراح الأول يغير من الأمر شيئاً ولا الاقتراح الثاني يمكن تطبيقه وأيضاً لألف سبب ليس مقالنا مجالاً لشرحها . إذن وبشكل واضح وصراحة تامة أين يمكن أن نجد الحل ؟ وأين نجد الشكل الأمثل للحكم في اليمن بضوابط عصرية يتيح الفرصة لكل قوى الشعب اليمني للمشاركة في الحكم ، ولا يقتصر الأمر على قلة تحكم تحيطها مجموعة من المنتفعين سواء في نظام رئاسي أو نظام برلماني ؟. بالمعنى الشخصي وبميل لرؤية ذاتية تشكل قناعة تنتج عن حالة ضجر فكري يمكن الحديث عن نظام رئاسي مطلق وديكتاتوري يعالج التناقضات بالعنف ، وهو ما يعني عودة اليمن إلى العصور الوسطى ،أي أن يتماثل الشكل القبلي السائد في محافظات اليمن السعيد مع النظام المركزي ، ويتم إعلاء دور الجيش والشرطة وأجهزة الأمن ويتم بواسطتها قمع كل المخالفين بما في ذلك قصة الأسعار . وبالتأكيد فان حلاً من هذا النوع رغم أنه قد يجد شعبية واسعة إذا ما اقترن بتحسين حياة الناس وتسهيل حصولهم على لقمة العيش ، وهو ما نسميه المستبد العادل . أو أن نقدم اقتراحاً بنظام حكم ينتج عن حوار جدي وهادىء يأخذ في الاعتبار مصلحة اليمن وشعبه الذي أنهكته الصراعات الداخلية بذات القدر الذي أنهكته الأسعار ، هذا النظام الذي يعطي الفرصة للمشاركة الفاعلة لكل الناس للمشاركة في الحكم وفي علاج مشكلات اليمن ، وهذا يحتاج لبعض العبقرية في استنباط الشكل الذي ربما يأخذ طابع اللامركزية الواسعة وتقليل صلاحيات المركز ، وغير هذا من الترتيبات التي تحرم أي حاكم من القرار الانفرادي وبالتالي توزيع المسؤوليات بما يحقق التوازن المطلوب للخروج من المأزق . إن كل ما يدور يرتبط بوجود أزمة اقتصادية تلقي بظلالها على كل مناحي الحياة بما فيها السياسية ، ولذلك ربما يكون مفيداً الآن وقبل الغد البدء بحوار وطني شامل وأيضاً وكما اقترحنا سابقاً تشكيل حكومة إجماع وطني ببرنامج محدد . وسواء نجح اقتراح الرئيس وهو الأرجح في الاستفتاء المزمع عمله بالخصوص أو لم ينجح ، فان الأهم برأيي هو اتخاذ خطوات عملية بمشاركة الجميع لتخفيف الضغط عن الناس.
*نقلا عن " دنيا الوطن"