بقلم -نزار خضير العبادي - قراءة معاصرة لعضوية اليمن بمجلس التعاون الخليجي
عندما يضع اتحاد "الكومنولث"، أو اتحاد "الفرانكفونية"، أو حتى "الاتحاد الأوروبي"، وما سوى ذلك من تجمعات دولية، ضوابط، ومقاييس محددة، وتوصيفات خاصة لشروط العضوية؛ فإن ذلك يبدو أمراً مسلماً به في ضوء الصيغة التي يلتقي عليها هذا التجمع، والذي يقوم دائماً على قاعدة المصالح الاقتصادية، والسياسية، والثقافية،دونما تجاوزها إلى مقومات أخرى-رغم تباين النسب النوعية لتلك المصالح في كل تجمع.
لكن إذا كنا نعترف بذلك الحق في أُطر الصيغ السابقة، فإن إسقاط التوصيات على شروط عضوية مجلس التعاون لدول الخليج العربي لا يبدو منطقاً سليماً إذا ما جرى الحديث عنه ضمن أفقه: العربي، والإسلامي، أو محاوره: التاريخية والجغرافية.. فحين يناقش المجلس مشروع انضمام اليمن لعضويته الكاملة، ويحصر الجدل في دائرة العوامل الاقتصادية، فإنه سيكون قد اقترب في تقييمه للعلاقة مع اليمن من صيغة ما هو قائم بين البريطانيين والهنود تحت مظلة "الكومنولث" والذين لا تجمعهما حدود جغرافية، أو شراكة قومية، أو عقيدة دينية، أو هموم مصيرية، وحتى لون البشرة مختلف بين الاثنين.
إلاّ أن كل ما التقوا عليه هو المصالح الاقتصادية، ومصاهرة العهد الاستعماري.
ربما كشفت التطورات السياسية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مدى حاجة المجلس لغض الطرف عن العديد من المقاييس التي وضعها في طريق عضوية اليمن الكاملة فيه- خاصة وقد تأكد للدول الأعضاء أن جميع المصالح الاقتصادية، والبنى التحتية- قد تصبح من غير قيمة، أو وزن في ظل غياب الاستراتيجيات الأمنية الواضحة، والوثيقة التي تكفل مناخات آمنة، ومستقرة لأي نشاط اقتصادي فاعل. وهو الأمر الذي يستحيل بلوغه بمعزل عن شراكة اليمن التي تمتلك أطول الأسوار- البرية والبحرية- المحيطة بالأسرة الخليجية؛ فضلاً عن كونها صاحبة الكثافة البشرية الأعلى بكثير من كثافة سكان دول المجلس مجتمعة.
اعتقد أن المملكة العربية السعودية سبقت غيرها في إدراك تلك الحقيقة. فالهجمات الإرهابية التي استهدفت أمن المملكة، واستقرارها، ونهضتها لم يكن من السهل قطع دابرها، وشل قدراتها بمعزل عن التنسيق، والتعاون الكبير مع الشريك اليمني الذي تعرض للشيء نفسه.
فالتعاون الذي نشأ على هذا الصعيد اتخذ ألواناً مختلفة منها: مراقبة الحدود المشتركة، تبادل تسليم الإرهابيين، والمطلوبين للعدالة، تبادل المعلومات، والخبرات، الإصلاح بين القبائل الحدودية؛ إضافة إلى التنسيقات على مستوى القيادات السياسية العليا في البلدين.
إن طبيعة ما تعرض له البلدان من أضرار فادحة من جراء العمل الإرهابي، ما كان ليتخذ هذا الحجم المؤثر لولا تغييب اليمن عن امتداداتها الإقليمية، والتاريخية مع مجلس التعاون الخليجي، الذي لو شاء الاستفادة من عمقه الاستراتيجي في اليمن، ومن تنسيق خططه ، وبرامجه معها – ولو على أساس كونها جزء من الواقع- لما استشرت القوى الإرهابية، وظلت تتحرك طليقة عبر الحدود تلوذ بنفسها من ملاحقة الأجهزة الأمنية في اليمن، أو السعودية، أو عمان، أو بقية الدول الأخرى.. ولما نجح أحد في تفجير المدمرة "كول"، أو الناقلة الفرنسية "ليمبورج"، أو تفجيرات الرياض، وصنعاء وغيرها من المدن العربية.
لا شك أن اليمن بحكم التطورات السياسية لا يمكن حصر دورها الإقليمي على صعيد الجانب الأمني، وحسب- رغم أنه يتصدر الأولويات- لكن ينبغي على مجلس تعاون دول الخليج العربي توسيع أفق النظرة إلى اليمن ليشمل دورها في التأثير على مفردات السياسة الإقليمية لمنطقتها كاملة، وإلى قدراتها في تغيير موازين القوى، واتجاهات السياسة الشرق – أوسطية، من خلال مواقفها، أو ارتباطاتها الخارجية، أو آليات تحول ساحتها الداخلية. وهو أمر غير محصور بالسعودية، أو سلطنة عمان ،كدول جوار حدودية، بل إلى جميع دول المجلس التي تتآثر كثيراً بالمتغيرات اليمنية بحكم الارتباطات "الجيوبوليتيكية".
ومن هنا نجد من الخطأ الكبير ربط الجدل في مسألة عضوية اليمن الكاملة بالمجلس بمعايير العوامل الاقتصادية، على غرار التجارب الأوروبية، وتجاهل مسألة في غاية الأهمية؛ وهي أن اليمن تلتقي مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي بالأرض أولاً، ثم التاريخ، واللغة والدين والمصير المشترك، قبل أن يضع الأوروبيون المصالح الاقتصادية المادية عنواناً لتجمعاتهم في ظل افتقارهم لأي مظلات أخرى تستوعب نقائضهم.
|