د/عبدالعزيز المقالح* -
الناس وإجازة العيد
لم يعد في صنعاء ولا في ضواحيها القريبة مكان للنزهة أو لقضاء ساعات بعيداً عن ضجيج المدينة وعوادمها، وإن كانت هذه المدينة - في الأعياد- تتخفف قليلاً من زحام السيارات ومن عدد لا بأس به من سكانها الذين يرحلون إلى الأرياف والمدن الأخرى لزيارة الأهل, والأقارب, والاستمتاع بالتغيير، وبما أنني من عشاق هذه المدينة ولا أحب مفارقتها - صيفاً وشتاءً وفي كل الفصول والمناسبات - فإنني أحاول في كل إجازة تعويض نفسي في البحث عن أقرب منطقة ريفية نظيفة وهادئة لقضاء ساعات, أتناول فيها مع الأحفاد والحفيدات طعام الإفطار وطعام الغداء في فضاء نقي, وبشهية منقطعة النظير.
لقد غزت المصانع البدائية, وبيوت تربية الدواجن الضواحي القريبة والبعيدة من المدينة, وافترست بعض القرى الجميلة, وتمكن مصنع للجلود - على سبيل المثال- من أن يدمر كل ما حوله من مناظر وينابيع، وأعشاب الزعتر, وأن يشيع في الفضاء المحيط به عوادم بالغة التأثير على البيئة القروية التي كانت صورة نادرة للصفاء والنقاء, وهو ما كان يجعلها أقرب إلى لوحات مفتوحة للبراءة والجمال, وأعتقد أنه كان في إمكان أصحاب هذه المصانع البدائية الملوثة للهواء, والفضاء, والماء أن يختاروا أماكن أخرى حفاظاً على المساحات القريبة من العاصمة التي تعتبر امتداداً حضرياً وجمالياً لها.
ولعل ما يبعث على شيء، ولو قليل، من الطمأنينة أن هذه المصانع البدائية لم تكتشف بعد, بعض المواقع التي تخفيها بحنان بالغ بعض الجبال القريبة من العاصمة, ومنها منتزه" حمل" هذا الذي كان وما يزال يزهو بأشجاره الكثيفة وبحقوله التي لا تخلو من الاخضرار على مدار العام، والذي كان وما يزال يتباهى بنبعه المائي العذب الذي ينحدر من صخور أحد الجبال المحيطة به من كل مكان. لقد ذهبت إلى هذا المنتزه ذات مناسبة في صحبة الصديق الشاعر الكبير الأستاذ سليمان العيسى, وتناولنا طعام الغداء هناك تحت أشجاره، وكان أول وصف أطلقه عليه الشاعر الكبير أنه غوطة صنعاء, التي تذكره بغوطة دمشق، تلك التي أهدرها التوسع المعماري, ولم يعد لها وجود سوى في الأشعار, وفي ذاكرة شيوخ دمشق وكهولها.
إن الإفساد المعتمد والصارم لكل مناطق الجمال في أوطاننا على قدم وساق, والذين يتحدثون عن الفساد المالي والإداري لا يلتفتون إلى هذا النوع من الإفساد الذي يدمر الذوق، ويفسد الإحساس بالطبيعة، وكان على الحكومات المتعاقبة في بلادنا - سامحها الله - أن تبدأ من وقت مبكر في احتجاز مساحات واسعة في ضواحي العاصمة المكتظة، حفاظاً على قدر من الهواء النقي والمناظر الجاذبة لأبناء العاصمة في مثل هذه المناسبات، بدلاً من قضاء الإجازات في البيوت أو في الحدائق القليلة المزدحمة بالأطفال, والبائعين المتجولين والمتسولين.
ولمن يهمه الأمر نقول إنه ما يزال في الإمكان العمل على إصلاح الكثير مما افسده الإهمال، وشارك فيه المتنفذون من أعداء النقاء والصفاء, في عاصمة كانت الأولى في عذوبة مائها, وشفافية هوائها, وصارت تختنق بعدد السيارات والحافلات وتزايد الأبنية وازدحامها، وما يترتب على ذلك كله من ضجيج وتلوث, وتشويه متعدد الأسباب, ولعل في طليعة بعض ما يمكن إصلاحه المحافظة على الآكام وبعض المساحات من الأراضي التابعة للدولة والتي تقوم عند مشارف العاصمة من الغرب والجنوب.
الشاعر الكبير الدكتور سلطان الصريمي في" زهرة المرجان":
الصديق العزيز الشاعر الكبير الدكتور سلطان الصريمي واحد من شعراء قلائل, استطاعوا عبر مواهبهم العالية أن يجمعوا بين كتابة القصيدة الفصحى الحديثة وكتابة القصيدة الشعبية في صورتها الوطنية المتجددة، فضلاً عن كونه واحداً من المبدعين المثابرين، الذين لم تعرف مسيرتهم الإبداعية الانقطاع أو التوقف, يضم ديوانه الجديد" زهرة المرجان" أحدث قصائده المكتوبة بالفصحى, الديوان من منشورات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين, ويقع في 162 صفحة من القطع المتوسط.
تأملات شعرية:
أخجل يا وطني أن أضحك
والأهل هنا, وهناك
يساقون إلى مجزرة
لا يعرف صانعها معنى الله
ومعنى العيد!
أجل يا وطني أن أضحك
والأهل هنا, وهناك
يعانون من الفاقة
في زمن التخمة
و" الطفرة" والتبديد!!
*الثورة