المؤتمرنت - العربية نت - بطريرك الأقباط "الموازي"بمصر يعلن الاعتراف بالإسلام وحبه للرسول اتخذ بطريرك الأقباط الأرثوذكس الموازي للبابا شنودة في مصر قرارا تاريخيا غير مسبوق، بالدعاء للمسلمين في صلوات القداس الكنسي، وهو أقدس مراحل العبادة عند الارثوذكس، معلنا حبه للرسول محمد، والاعتراف الواقعي والثقافي بالدين الاسلامي.
وفي حديث لـ"العربية.نت" فسّر الأنبا ماكسيموس الأول، الذي يرأس مجمعا مقدسا بحي المقطم شرق القاهرة، يوازي بطريريكية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية برئاسة البابا شنودة الثالث، أسباب هذا القرار وتأثيراته المستقبلية على علاقات المسلمين والمسيحيين في مصر والعالم.
وخص "العربية.نت" بمذكرة وجهها إلى مؤتمر يعقده أقباط المهجر في شيكاغو بالولايات المتحدة الجمعة والسبت 19 و20/10/2007 تضمنت 8 أسئلة، وأشارت إلى أن 40% من الكنائس الموجودة في مصر، بنيت بدون قرارات جمهورية أو كنسية، وأن هناك تحاملا منهم على الدولة، مستنكرة اللجوء لأسلوب الضغط ولي الذراع للاستجابة لمطالبهم، ومشيرة إلى عدم علاقة الدولة والنظام باعتناق الاسلام من قبل عشرات آلاف المسحيين، وأن السبب هو قرارات المجلس الاكليريكي تجاه أحوالهم الشخصية الخاصة بالطلاق والزواج الثاني.
من جهته أكد المهندس كميل حليم رئيس منظمة التجمع القبطي الأمريكي، الجهة المنظمة للمؤتمر، أنه لن تصدر أي قرارات تدعو للتدخل الدولي في المسألة القبطية، مقللا من تأثير مظاهرة صامتة تنطلق يوم السبت أمام نقابة الصحفيين المصريين احتجاجا على المؤتمر.
وكانت حركة باسم "شركاء" يقودها القبطي "صموئيل العشاي" قد أعلنت عن بدء المظاهرة في الساعة الواحدة بعد ظهر السبت 20/10 ودعت مختلف التيارات السياسية والفكرية للمشاركة فيها.
وقد أنشأ البابا ماكسيموس الأول، قبل عامين، مجمعا مقدسا للارثوذكس في مصر والشرق الأوسط، اعتبر حينها منشقا عن المجمع الذي يرأسه البابا شنودة. وأثار جدلاً واسعا بإعلان ترسيمه اسقفا وبطريركا لمصر ممثلا للكنيسة اليونانية القديمة، والاعتراف الرسمي به من الكنيسة الارثوذكسية بالمهجر في الولايات المتحدة، واظهاره وثائق من عدة مؤسسات وشخصيات أمريكية من بينها وثيقة باسم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس تشير إلى موقعه الديني على رأس كنيسة ارثوذكسية موازية في مصر.
رد الاعتبار للمسلمين
قال البابا ماكسيموس الأول في حديثه لـ"العربية.نت": ما حدث أنني بعدما صرت رئيسا للاسافقة، أصبحت لي صلاحيات الاضافة لقداس الصلوات حسب استحساني، فهناك فقرة نصلي فيها من أجل فئات متعددة تبدأ بالصلاة من أجل رئيس الاساقفة نفسه ومن أجل القساوسة والطبيعة والوطن. استحسنت أن أضيف للفقرة التي نصلي فيها من أجل الوطن الذي نعيش فيه، صلاة من أجل المسلمين بالاسم إلى جوار الصلاة من أجل طوائف المسيحيين.
وتابع بأن هذه الاضافة جاءت بهذا النص " وجيراننا ومواطنينا وكل جموع المسلمين". شارحا: أهدف من ذلك إلى نوع من رد الاعتبار للمسلمين، ليس فقط في الصلاة بحد ذاتها كعبادة إلى الله، ولكن أقصد أن مسلمين كثيرين من الأصدقاء في أيام الدراسة وما إلى ذلك، كانوا يقولون لي "نحن نعترف بالمسيحية، والمسيحية لا تعترف بنا" وكنت أشعر بنبرة المرارة والجرح.
وأضاف البابا ماكسيموس الأول أن فكرة "الاعتراف المعتقدي بين أتباع الديانات والطوائف، فكرة وهمية، لأن الاعتراف المعتقدي معناه، الغاء جميع الطوائف والإبقاء على طائفة واحدة، وكذلك إلغاء جميع الديانات والإبقاء على ديانة واحدة".
ويستطرد "أحببت تخطي هذه العقبة، واعمل اعترافا واقعيا وثقافيا وجمعيا، وبهذا أكون عملت رد اعتبار بالمشاركة في الصلاة، لكي أكسر هذه الجفوة، وأضع بها أساسا لعلاقة جديدة بين المسيحيين والمسلمين في كل أنحاء العالم".
وقال الأنبا ماكسيموس الأول إن هذا "يعني مائة في المائة اعتراف الكنيسة الارثوذكسية التي أرأسها ثقافيا بالمسلمين، بل ليس فقط اعترافا ثقافيا وعمليا ومجتمعيا، وإنما هو مع نوع من رد الاعتبار لما مضى من التاريخ".
وبشأن إذا كان ذلك يتناقض مع الديانة المسيحية التي لا تعترف بالاسلام أجاب "يتناقض إذا كان اعترافا معتقديا، لكن هذا الاعتراف – كما قلت – بين الديانات وحتى بين الطوائف كالشيعة والسنة، أو الأرثوذكس والبروتستانت، معناه الغاء جميع الديانات والطوائف والإبقاء على ديانة واحدة وطائفة واحدة، وهذا وهم وخيال".
خطوة تاريخية غير مسبوقة
وعن كون الصلاة للمسلمين في القداس خطوة تاريخية، قال الأنبا ماكسيموس الأول "إنها غير مسبوقة ولم تحدث في التاريخ أن ذكر المسيحيون الارثوذكس المسلمين في صلواتهم، خاصة أن ذكرهم سيأتي في القداس، الذي هو أقدس مراحل العبادة عند الارثوذكسية. هذا في نظري نقلة تاريخية ستغسل جفوة الانكار المتبادل بين أصحاب الديانتين الكبيرتين".
وتناول أسباب هذا التغير بقوله "كنت مسافرا بالطائرة في رحلة إلى بيروت، وجلس إلى جواري ثلاثة دعاة مسلمين نيجيريين ولم أعرف في البداية أنهم دعاة ورجال دين، وأخذنا نتجاذب أطراف الحديث، ثم وجدت أن أحدهم يتحدث اللغة العربية فتحولنا للحديث بها، وأخذت أحدثه عن المسيحية وعن تعاليم المسيح المشبعة بالكلام عن المحبة. الرجل كان ذكيا ومحنكا، فظل يسمعني بلباقة وأدب طول الوقت إلى أن قلت كل ما عندي، ثم فاجأني بالسؤال: بعد أن تكلمت عن كل هذه المحبة المسيحية.. هل أنت تحب محمدا؟".
يعقب البابا ماكسيموس: شعرت بمواجهة قوية مع النفس لأنني لم استطع أن أجيبه بـ"نعم أحب محمدا" فقد رأيت داخل نفسي ميراث الطائفية موجودا دون أن أدري، ولم استطع أن أجيبه "بلا" لأن هذا ليس من الأدب. ذلك جعلني أخجل من نفسي.
يواصل: هذا الموقف صدمني في مصداقيتي وفي حقيقة صدق ايماني المسيحي كمسيحي، ومعنى المحبة التي أؤمن بها. ركعت أمام الله وأخذت أصلي بحرارة وقوة أن يغسل الله قلبي من ميراث الطائفية والكراهية، وأن يملأه بالحب نحو المسلمين جميعا وأولهم رسول الاسلام، فكان أن استجاب الله، وهذه معجزة عظيمة في حياتي حكيتها في كنيستي مرات عديدة، وامتلأ قلبي بحب عظيم ناحية المسلمين وناحية رسول الإسلام نفسه بدون تفريق".
أقولها بجرأة.. أحب محمدا
وقال البابا ماكسيموس: فرحت بالحب الذي ملأ قلبي، ولما عدت لكنيستي حكيت ما حدث معي. الآن استطيع أن أقول بجرأة وشجاعة أمامكم كما قلتها في كنيستي "نعم أنا أحب محمدا".
وعن مدى تأثير قراره على إخماد ما يثار بين الحين والآخر عن فتنة طائفية في مصر أجاب: أتمنى بهذا المنحى الجديد تأسيس ثقافة جديدة تقوم على قبول الآخر، واحترام عقيدته، وعلى المودة والمحبة والألفة أيضا.
أقول: لو أنكم قبلتم مبادرتي ووضعتم أيديكم في يدي، نستطيع أن نغير الواقع الثقافي بين أصحاب الديانتين الكبيرتين، ليس في مصر وحدها ولكن في الشرق كله. كلي أمل أن أجد مشجعين من المسلمين يضعون أيديهم في يدي، وأن تتبنى أجهزة الاعلام والصحف دعوتي، وأن يشهد المستقبل تقدما في طرحها ومزيدا من الندوات والحوار المسيحي الاسلامي.
الانقسام في مصر
وعن تفسيره لانقسام الارثوذكس في مصر إلى كنيستين احداهما يتولاها هو شخصيا ويسمونه البطريرك الموازي للبابا شنودة قال: واقع الحال إننا مجمع ارثوذكسي مواز، لأنني لم أحصل على التعيين الذي نسميه مسيحيا (الرسامة) من البابا شنودة ومن مجمعه وكنيسته، ولكني حصلت عليه من مجمع الكنيسة اليونانية القديمة، وصرت أؤسس مجمعا جديدا موازيا، وهو امتداد لمجمع الكنيسة الارثوذكسية القديمة. كل ما احتاج إليه الآن أن تصدر محكمة القضاء الاداري حكمها بالاعتراف الرسمي بمجمعي، وأنا في انتظار ذلك".
وحول أهمية صدور اعتراف من البابا شنودة أوضح البابا ماكسيموس "لا يعني ذلك شيئا، لأن نظام الكنائس الارثوذكسية يختلف عن الكنيسة الكاثوليكية مثلا، فالأخيرة لها بابا واحد في العالم كله، أما الكنيسة الارثوذكسية فهي مجموعة من المجامع المحلية في أنحاء العالم بلغ عددها حوالي 37 مجمعا، أكثرها مجامع قومية، فيما عدا بلاد مثل أمريكا التي لا تعني قومية بعينها".
وعن كيفية أن يفرق الارثوذكس في مصر بين مجمع كنائسه ومجمع كنائس البابا شنودة في ظل عدم وجود اختلافات عقيدية بين الاثنين قال: لا يمكنهم التفريق إلا من خلال علامة أساسية في (القداسات) وهي فقرة الصلاة التي تبدأ برئيس الاساقفة في هذه الكنيسة بعينها دون غيرها والتي أضفنا إليها اسم المسلمين، ففي هذه الفقرة سيذكر اسم الانبا ماكسيموس في كنيستنا، بينما قداس الكنيسة الأخرى يبدأ بذكر اسم البابا شنودة ولن يذكر فيها اسمي والعكس صحيح.
وعن ردود الفعل في الجهة الأخرى تجاه كنيسته أشار إلى "أنها فرقعات من الرفض والغضب غير المبنية على سبت لاهوتي، ولسنا نحن فقط الذين ننظر إليها هكذا، ولكن المجتمع كله، وحالما تستقر الأوضاع قانونيا ورسميا، ستستقيم الأمور".
بدأنا تزويج المطلقين
وردا على سؤال بشأن أوضاع المطلقين المسيحيين الأرثوذكس التي وعد بحلها أجاب البابا ماكسيموس الأول: أرى أن حل مشكلة الطلاق تكمن في العودة إلى لائحة عام 1938 المعمول بها منذ عقود وقرون في الكنيسة المصرية وفي المحاكم قبل بلورتها قانونيا في ذلك التاريخ. والغي العمل بها من جانب الكنيسة القبطية عام 1971 بالارادة المنفردة دون الاتفاق مع المحاكم، فصارت هناك مشكلة تكمن في صدور أحكام قضائية لناس بالطلاق، وصلت إلى عشرات الآلاف، وربما 160 ألف حالة حسب تقرير صحفية قبطية.
أضاف: قررنا أن نعود إلى لائحة 1938 ، فيكون للذين حصلوا على الطلاق من المحاكم المصرية الحق في الزواج الثاني في كنيستنا، وحدث زواج لحالة بعينها خلال هذا الشهر، ونعطي حاليا فرصة إعادة تأهيل نفسي وديني ومعنوي واجتماعي تستمر لمدة عام واحد لمن يأتينا من المطلقين حتى لا ينكسر زواجهم الثاني، وبالفعل عندنا أعداد من الناس في هذه المرحلة.
وتابع البابا ماكسيموس بأن كنيسته أتاحت الزواج بالرهبان في حالة خروجهم عن الرهبنة "هنالك راهب سمحت له بالزواج، وتزوج بالفعل في الكنيسة وقمت باعادة تعيينه كقسيس متزوج".
أقباط المهجر
ثم تحدث عن مؤتمر أقباط المهجر الذي يعقد الجمعة والسبت في شيكاغو عن مشاكل المسيحيين داخل مصر، فقال إنه وجه مذكرة لهم تضمنت عدم انكار وجود مشكلة طائفية، وأنها تحتاج إلى حل "ولم ينكر أحد أن صدامات طائفية تتفجر بين الحين والآخر بين مسلمين ومسيحيين هنا أو هناك".
وطرحت المذكرة 8 أسئلة باعتبار أن إجاباتها ستضع النقاط على الحروف، منها "إذا كانت الدولة وحزب الأغلبية يقفون في مواجهة علنية مع جماعة الاخوان المسلمين، فبأي عدالة تحمّلون الدولة وزر تصرفاتهم، حتى لو كانوا أزهريين وغير منضمين رسميا إلى الاخوان".
وتشير إلى أحداث الاسكندرية الطائفية بقولها "إذا كانت قد فسرت على أنها رد فعل لضرب الشرطة بالحجارة في أحداث السيدة وفاء قسنطين (زوجة قس اعتنقت الاسلام ثم عادت الى المسيحية بعد مظاهرات قبطية واسعة منذ عدة سنوات) فبأي عدالة تطالبون رجال الأمن بالتسامح الذي عجز عن قبوله اتباع المسيح الذي ينادي بالمحبة والغفران، ورجال الدين المسيحيون".
كما تحدثت مذكرة البابا ماكسيموس عن الغاء العمل بقانون الخط الهمايوني في بناء الكنائس وقال إنه "صار حتمية عصرية لا مفر منها، ولكن بماذا تفسرون أن 40% من كنائس مصر، بنيت وما زالت قائمة حتى الساعة بدون قرار جمهوري أو حتى كنسي".
وتساءلت "هل الدولة هي المتسبب في مشاكل الأقباط الداخلية مثل عزل رجال الاكليروس بدون محاكمة، ولجوء عشرات الآلاف إلى الاسلام بسبب قرارات المجلس الاكليركي في قضايا أحوالهم الشخصية، وهل الدولة هي السبب في تفاقم مشكلة الطلاق في المجتمع القبطي".
كما تضمنت المذكرة الموجهة لمؤتمر أقباط المهجر في شيكاغو سؤالا عن عدد الكنائس "التي بنيت في مصر في العشرين سنة الأخيرة، وعدد الكنائس التي تعطل انشاؤها" وطلبت اجابة بالاحصائيات والاسماء.
وأشار السؤال الثامن إلى أنه "لا تزال هناك مسائل تحتاج إلى حل، ولكن أين هذه السلطة على وجه الأرض التي تقبل أن تتخذ قراراتها تحت ضغط لي الذراع، وهل غيرت قيادتكم الكنسية أيا من قراراتها بضغط أو بدون ضغط على مدى السنين. وطالب بمراجعة النفس "لأنه يزيد المشكلة تعقيدا ولم ينجح يوما في حل مشاكل الشعوب، ولم يقبل به أحد ولا حتى انتم وقادة كنيستكم".
وعلق البابا ماكسيموس لـ"العربية.نت على المذكرة التي ستوجه من خلال الاعلام لمنظمي مؤتمر شيكاغو " بأن "مؤتمر أقباط المهجر يتحامل على النظام والدولة، لأنه إذا كانت الدولة في مشكلة مع الاخوان المسلمين، فكيف تحاسبها على تصرفات المتعصبين أيا كانوا، وأي رئيس دولة أو ملك أو رئيس وزراء في الدنيا يقبل بأن تعالج المشاكل بلي الذراع أو بالضغط. سيقولون إنني أجامل المسلمين، لكنني أرى أن العدالة تقتضي أن ينظر للموضوع بنزاهة وليس بهذا التحامل".
لن نطلب تدخلا دوليا
من جهته، قال المهندس كميل حليم رئيس منظمة التجمع القبطي الأمريكي التي تنظم المؤتمر، في تصريح لـ"العربية.نت" إنه لن تصدر توصيات أو قرارات تحث المجتمع الدولي على التدخل في المسألة القبطية، قائلا "إنها شأن مصري، وما سنصدره مجرد توصيات للحكومة والشعب المصري، مسيحيين ومسلمين، لتطوير القضية وعلاجها، مع الدعوة إلى الوحدة الوطنية".
وأضاف "تم توجيه دعوة لحضور المؤتمر إلى الحزب الوطني (الحاكم) لكنهم اعتذروا بسبب انشغالهم بالاعداد لمؤتمر الحزب في الثالث من نوفمبر القادم" وقلل من أثر دعوة أطلقتها حركة "شركاء" لتنظيم مظاهرة احتجاجية صامتة يوم السبت القادم أمام نقابة الصحفيين بقوله "نعتبرهم لا يتمتعون بتمثيل شعبي لدى المسيحيين المصريين".
وذكر بأن المؤتمر يشارك فيه نشطاء الأقباط في مصر والعالم وممثلي بعض منظمات حقوق الإنسان في الولايات المتحدة.
|