المؤتمرنت -نيويورك: تيم غولدن * -
الضابط الذي سرب عمداً قوائم معتقلي غوانتانامو
كان الكوماندر ماثيو دياز جالسا لوحده وراء مكتبه، في مقر مركز الاعتقالات الأميركي في خليج غوانتانامو يوم 2 يناير (كانون الثاني) 2005، منشغلا بمشروع جديد.
وهو يعمل غالبا إلى ساعات متأخرة منذ انضمامه إلى القوة البرية في سن السابعة عشرة. وأكمل دراسته الثانوية خلال خدمته كرقيب مدفعية ثم أكمل دراسته الجامعية حيث درس القانون. وقبل عشرة أعوام وبصفته محاميا في القوة البحرية كانت التقييمات لأدائه عالية جدا. ومع اقتراب فترة عمله لستة أشهر في غوانتانامو من نهايتها بدا أن مهمته ما زالت على حالها من دون تغيير.
لكن الواجب الذي وجد دياز نفسه مستغرقا فيه خلال تلك الليلة من يناير قاده إلى طريق آخر، إذ ظل لساعات يطبع وثائق سرية من كومبيوتره المكتبي متلفتا حوله خوفا من وجود شخص قريب منه. وحينما انتهى من ذلك جمع أوراق الوثيقة المتكونة من 39 صفحة ببنط صغير، وفيها كتبت أسماء وأرقام السجناء ومعلومات أخرى تتعلق بـ 551 سجينا كانوا معتقلين آنذاك في سجن خليج غوانتانامو.
لم يكن هناك أي شك برغبة الحكومة في إبقاء المعلومات سرية. فقبل ستة أشهر هزت المحكمة العليا إدارة بوش بتأييد حقوق سجناء غوانتانامو في تحدي اعتقالهم من خلال إجراءات قضائية. لكن الإدارة حاربت ضد قرار المحكمة العليا حيث التزمت بوجهة نظر ضيقة ترى أنه بينما يكون للمعتقلين الحق في المحاكمة أمام محكمة فيدرالية، فإنه حتى يحين ذلك اليوم يظلون محرومين من «الحقوق القضائية»، وخصوصا غياب حق الاستشارة القانونية من محامين. وقال مسؤولون من البنتاغون إنهم يبقون أسماء المعتقلين طي الكتمان حفاظا على سلامتهم. لكن إبقاء الأسماء طي الكتمان جعل عمل المحامين المتطوعين لرفع دعاوى التماس بالنيابة عن السجناء مستحيلا، مما يجعل تحدي المزاعم الرسمية القائلة إن كل الرجال في غوانتانامو هم إرهابيون أمام المحاكم مستحيلا أيضا.
وتنامت نقمة دياز على السياسات الحكومية منذ وصوله إلى معسكر غوانتانامو. فهو لم يكن عند شك من وجود أشخاص خطيرين هناك. لكنه وصل إلى قناعة ترى أن البنتاغون كان غير صادق في نقل الطريقة التي تتم وفقها معاملة السجناء والتهديد الذي يمثله بعضهم. وكمحام وجد عناد البيت الأبيض غير قابل للدفاع عنه. وكانت المحكمة العليا قد تكلمت. إذن لماذا لا تذهب الحكومة أمام قاض وتظهر لماذا يجب وضع هؤلاء المعتقلين وراء القضبان لفترة غير محدودة من دون توجيه أي تهمه ضدهم؟ وقال لمحامين من أصدقائه: «أشعر كأنني أقف إلى الجانب المخطئ».
والآن، عرف دياز أنه تجاوز الخط الأحمر. فلأسبوعين بعد طبع القائمة أبقاها محفوظة داخل خزانة بمكتبه. وفي ليلة أخرى قص حافات الصفحات لجعلها بحجم أوراق دفتر التقويم. وفي يوم 24 يناير التي كانت آخر ليلة من فترة نوبته في غوانتانامو مرر الأوراق إلى داخل بطاقة معايدة بمناسبة «عيد الحب» في اميركا كان قد اشتراها من مخزن القاعدة. وتظهر البطاقة رسما كاريكاتوريا لجرو بأذنين طويلتين وعينين متورمتين وكتب فيها: آمل أن يكون عيد الحب يتماشى مع أسلوبك. وقال دياز لاحقا إنه اختار تلك البطاقة البريدية لأنها كبيرة بما فيه الكفاية كي تمسك القائمة. كذلك أمل أن يمر الظرف الأحمر من دون الكشف عنه عبر مكتب بريد غوانتانامو.
اتضحت عيوب الظرف الأحمر حال وصول الرسالة إلى مكاتب نيويورك لمركز الحقوق الدستورية، وهي مجموعة من اليساريين المعارضة لسياسة الحكومة بشأن غوانتانامو. وبعث دياز بالرسالة إلى المحامية بربارة أولشانسكي التي لم يلتق بها من قبل قط. وكانت قد كتبت إلى مسؤول البنتاغون سكرتير البحرية المسؤول عن تطبيق سياسة الاعتقالات غوردون انغلاند قبل أسابيع قليلة حيث طلبت منه أسماء المعتقلين كي يتمكن المحامون من التوكل بالنيابة عنهم. وكان دياز يعرف أن الإدارة الأميركية لن تفكر يوما في الموافقة على هذا الطلب.
فتحت أولشانسكي، 43 عاما، الرسالة وتراءى لها أن هناك نكتة بارعة وراءها. وقالت: «لدي الكثير من الأصدقاء الظريفين، فلماذا علي أن أصدق أن أحدا يبعث لي بشيء مع عنوان للمراسلة في غوانتانامو؟». ولم يكن هناك طابع على الظرف أو أي شيء يشير إلى أنه سري. وظنت أولشانسكي أن ذلك لم يكن سوى شيء غريب لكنه كان مثيرا للحنق أكثر منه مضحكاً.
كان مكتبها آنذاك يلاحق الحكومة في جملة قضايا حساسة؛ منها قوانين الوطنية الأميركية وحقوق المهاجرين وغوانتانامو. ومع انتشار خبر البطاقة البريدية افترض بعض المحامين الأكبر سنا في المركز أنها ليست سوى شرك حكومي، بل أن بعض المحامين الشباب كانوا أكثر تشككا. وبدأوا بقراءة الملاحظات أحدهم للآخر. قالت اولشانسكي متذكرة: «ظل الكل يسأل: من هو الذي يمكن أن يكون وراء الرسالة».
لم يظن أيٌّ من المحامين أن يقوم شخص من داخل مقر غوانتانامو بمساعدتهم حسبما قالت أولشانسكي. فمع كل النقاش العام الدائر حول غوانتانامو لم يكن هناك أي مؤشر على امكانية قيام بعض العسكريين الصغار بتحدي مسؤوليهم الكبار. وسبق أن جرى التحقيق مع بعض المسلمين العاملين في غوانتانامو مثل الكابتن جيمس يي بتهمة عدم الاخلاص لواجبه. لكن تلك الأحداث كانت متعلقة بالمناخ الأمني المشدد في معسكر غوانتانامو لا حول المعارضة الداخلية للكيفية التي تجري وفقها معاملة السجناء. كانت بطاقة عيد الحب مختلفة: لم يأخذ أي شخص القانون بيده بهذه الطريقة من قبل.
وعانت أولشانسكي مدة أسبوعين بشأن ما يجب فعله. واقترح رئيس المركز مايكل رانتر أوليا أن تعطي الأوراق للصحافة. ولكن بعد بعض التشاور مع محامين آخرين دعت أولشانسكي موظف قاضي المنطقة الذي كان يستمع الى قضيتها الخاصة بغوانتانامو. وابلغت اولشانسكي الموظف بأنها كانت قد تلقت بعض المعلومات التي ربما تكون ذات صلة بالقضية. هل يمكن أن تسلمها لغرض حفظها؟ قالت انها لم تتوقع رد المحكمة: فقد جرى توجيه أولشانسكي باعادة المواد الى وزارة العدل بدلا من ذلك.
وسافر يوم 15 مارس (اذار) 2005 وكيل استخبارات فيدرالي من واشنطن إلى نيويورك جوا. وأخذ سيارة تاكسي إلى المركز الواقع في مانهاتن وأبقى السائق منتظرا إياه بينما ذهب إلى مكاتب المركز سعيا لاسترجاع بطاقة المعايدة ومحتوياتها. وحالما بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في التحقيق لم يكن صعبا تحديد قائمة المشتبه بهم. ودياز كان قد طبع القائمة من كومبيوتره الخاص به واشترى بطاقة عيد الحب من محل القاعدة وترك بصمات أصابع على القائمة. وفي مايو (ايار) 2005 أصبح دياز الموظف الأميركي الوحيد الذي يدان ويسجن بسبب عصيان على سياسة الاعتقالات التي تتبعها إدارة بوش في غوانتانامو.
تطوع دياز في الذهاب إلى غوانتانامو أوائل 2004 بعد عام ونصف على عمله كنائب مسؤول قانوني في قاعدة البحيرات العظمى البحرية، وهي موقع تدريبي تقع إلى شمال شيكاغو. ولم يكن متحمساً بخصوص تعيينه هناك لكنه من خلال دأبه وتجنبه للظهور نجح في عمله. وأوصى مسؤوله الكوماندر بيتر ستراوب بترقية مبكرة لدياز، واصفا إياه بأنه «ضابط بحرية من الطراز الأول، وقائد ممتاز بنزاهة لا شائبة عليها».
وحسبما قال له مسؤوله، فإن عملا لمدة ستة أشهر في غوانتانامو سيساعده كي يترقى إلى رتبة كوماندر.
بتت المحكمة العليا في قضية رسول يوم 28 يونيو(حزيران) 2004 أي قبل أسبوع من وصول دياز إلى غوانتانامو. وفي أول يومه بالقاعدة ذهب يراقب الحرس، وهم يعلمون المعتقلين عن النظام الجديد المكون من هيئات تقوم بمراجعة قرارات العفو، وهذه تم تشكيلها على عجل من قبل البنتاغون ردا على قرار المحكمة العليا. وكان دياز متشككا في الخطة الجديدة. وقال لاحقا: «لا يبدو صحيحا حينما وضعنا هذه العملية الجديدة التي لم يسمع أحد بها من قبل بدلا من إيجاد طريقة تسمح لهم كي يذهبوا إلى محكمة محلية».
وكان دياز قد شاهد من قبل سجونا ومعتقلات عسكرية ومدنية لكنه لم ير أي شيء مثيل لما هو قائم في غوانتانامو. فالسجناء يبدون أكثر حزنا وخوفا، حسبما قال دياز. وفي معسكر 4 حيث جاءت معظم الشكاوى عاش المحتجزون في ما يشبه أحياء مكونة من ثكنات، وقال: «هذا هو الذي قيل لي عن المكان والذي يعد أسوأ ما يمكن أن يصله السيئ». قام أحد السجناء بإخراج يده أثناء تقدم دياز فقام بأخذها من دون تفكير، فألقى الحرس نظرات صوب بعضهم بعضا استهجانا. قال دياز: «فكرت آنذاك، حسنا، يجب ألا أقوم بذلك».
ولاحقا وخلال الشهر الأول من وجوده في المعتقل، كان مسؤوله خارج الجزيرة حينما جاء نداء من قيادة عسكرية إقليمية تشرف على غوانتانامو من ميامي. كان المسؤولون القانونيون في المكالمة يقترحون ضوابط للمحاكم الفيدرالية بخصوص المحامين المدنيين الذين أرادوا زيادة المعتقلين. وأراد المسؤولون القانونيون أن يتمكن العسكريون من الاستماع إلى ما يدور ما بين السجناء ومحاميهم، وطلب من دياز أن يعمل مع ضباط الاستخبارات كي يقدم تبريرا عن ضرورة الاستماع والإشراف على المقابلات.
وقال دياز إنه ذهب كي يُعلم عن تعيينه لرئيس أركان غوانتانامو الكولونيل تيم لينتش. وحالما جلس وراء مكتبه سمع لينتش، وهو يتكلم هاتفيا مع نظيره في ميامي طالبا منه سبب إصرار واشنطن على الاستماع والإشراف على مقابلات السجناء مع محاميهم، بينما قال ضباط الاستخبارات في غوانتانامو إن ذلك غير ضروري. واقتبس دياز من حديث لينتش على الهاتف: «لماذا نحن نقوم بهذا؟ قال لي رجالي إنهم ليسوا بحاجة إليه».
كان لينتش متوترا حسبما قال دياز. لكن دياز فوجئ بمحتوى ما دار من حديث هاتفي أكثر من النبرة. (لم يرد لينتش على رسالة كاتب التقرير الالكترونية طالبا منه تقديم تعليق ما). وقال دياز: «وزارة العدل كانت تريد ذلك. لذلك نحن فبركنا بعض الأسباب المبررة لذلك». وأرسل مسؤولون من وزارة العدل شهادة خطية بقسم كي يوقعها آمر غوانتانامو يؤكد فيها أن بعض السجناء قد درِّبوا كي ينقلوا «رسائل مشفرة في تأييد عمليات إرهابية» للرفاق في الخارج. وطلب من دياز وضباط الاستخبارات أن يبينوا كيف أن المعتقلين الاثني عشر من الكويت (والذين تحدى محاموهم قواعد الزيارات عبر القضاء) قادرون على القيام بخطة إرهابية من هذا النوع. لكن الضباط وجدوا 3 معتقلين كويتيين فقط يعطون انطباعا أنهم خطرون، بل وحتى آنذاك رفضت مزاعم إدارة بوش من قبل هيئة المحكمة. وقال دياز: «نحن كنا لا نقوم إلا بوضع تلك العراقيل أمام القرار الذي اتخذ في قضية رسول».
الخلفية
* لفترة كثيرة من حياته، كان دياز الشخص المناسب للقيام بالشيء المناسب في عائلته. وكان الشخص الذي يأتي الى الانقاذ عندما يكون امرؤ بحاجة الى المساعدة، والشخص الذي دخل الى الكلية وتخرج فيها، والذي غالبا ما يحافظ على الهدوء. وقد افترق والداه بمرارة عندما كان دياز في السادسة من العمر وقضى السنوات التالية متنقلا بينهما. وكأطفال كان دياز وشقيقته الأكبر وشقيقاهما الأصغر ينامون في سرير منفرد ويطهون وجباتهم ويتسوقون ما يحتاجونه من اغذية. وقالت شقيقته شاري برافو «لم نكن نستطيع الاعتماد على والدينا، وكنا نعتمد على بعضنا بعضا».
وفي المرحلة السابعة، كان دياز قد التحق بتسع مدارس مختلفة. وكانت احدى فترات ارتياحه من الاضطراب قد تحققت بعد سنوات قليلة عندما التحق بوالده الذي انتقل الى كاليفورنيا بعد الحصول على درجة في التمريض في جامعة بورديو. واستأجر روبرت دياز، الذي تزوج ثانية من امرأة اصغر لديها أطفال، بيتا في مزرعة خارج أبل فالي، التي تعتبر منطقة للطبقة الوسطى جنوب انلاند امباير في كاليفورنيا. كان هناك حوض سباحة وفضاء مفتوح وحصانان. وتذكر دياز قائلا «كان ذلك نوعا من الفردوس».
ولكن ذلك لم يدم طويلا. فما ان أنهى ماثيو المرحلة التاسعة في المدرسة الثانوية بأبل فالي حتى وجد مساعدي الشريف عند بابه مع مذكرة تفتيش. كان هناك عدد غير مألوف من المرضى كبار السن يحتضرون في مستشفيين صغيريين حيث كان دياز يعمل. وطرحت حالات الموت طائفة من المشاكل في واحدة من المستشفيين اللذين اغلقا بعد ذلك من جانب سلطات الولاية. وبعد اخراج بعض الجثث من القبور قال المدعون في ريفرسايد كاونتي ان المرضى قتلوا بحقن كبيرة لدواء ليدوكين الذي عادة ما يستعمل لمرضى القلب. وأصبح روبرت، الذي كان جديدا بالنسبة للمستشفيين، المتهم الرئيسي.
وأخذ ماثيو اجازة لزيارة والده في السجن ولكن بعد ان عاد الى المانيا بدأ ابعاد نفسه عن المشاكل. وخلال سنوات وعندما كان أصدقاء وزملاء يسألون دياز عن الموضوع كان يخبرهم بأن والده في سان فرانسيسكو. واذا لم يسألوا لم يكن يتطوع بالحديث. وبعد سنوات قليلة بدأ والده يرسل اليه وثائق من محاكمته. وجمع دياز الملفات في برميل مهملات. وأبلغني انه كلما قرأ أكثر بات أكثر اقتناعا بان والده كان ضحية وبريئا لنظام دفاع غير كفء.
بعد أبو غريب
* وبينما كان دياز في غوانتانامو في صيف 2004 كانت القيادة العسكرية هناك تحاول ان تظهر وجها اكثر انسانية للعالم. وفي اعقاب فضيحة ابو غريب دعي صحافيون زاروا قاعدة كوبا الى المراقبة من خلف مرايا حينما كان المحققون يتناولون الوجبات الخفيفة والشاي مع السجناء. وقال قائد فريق العمل الجنرال جاي هود لصحافي في ذلك الصيف «هذه بيئة مختلفة تماما». وفي اطار الاطلاع على شكاوى اساءة المعاملة التي قدمها السجناء وغيرهم في غوانتانامو لم ير دياز اساءة معاملة على النحو الذي كان في ابو غريب. وقال بعض السجناء انهم تعرضوا الى الضرب من قبل الحرس. وتحدث بعض المسؤولين عن عمليات استجواب يعتبرونها انتهاكا. وقال دياز انه بينما كان ملف الشكاوى يكبر كان المسؤولون يواصلون التأكيد علنا بأن طائفة قليلة منها كانت مؤكدة. وكان من المفترض ان بعض القضايا القانونية المتعلقة بسجناء غوانتانامو قد حلت من جانب اللجان العسكرية التي بدأت جلساتها في ذلك الصيف. ولكن ما رآه دياز من جلسات الاستماع في أواخر اغسطس (آب) لم يخلق لديه الاطمئنان. وبدا قاض سابق في الجيش يترأس محكمة بالنسبة لدياز مرتبكا بشأن كيفية التقدم في العمل. وروى دياز «ايا كانت القضايا التي طرحها الدفاع فانه لم يتلق الاجابات. كان ذلك مدعاة للحرج». ومن بين مسؤوليات دياز الأخرى، المساعدة في ترتيب امور المحامين المدنيين الذين بدأوا يتوجهون لزيارة السجناء. وكان أول الواصلين غيتانجالي غوتيريز، وهو محام شاب لسجينين بريطانيين، معظم بيك وفيروز عباسي. وقد وصف مسؤول في البنتاغون في وقت لاحق المحامية غوتيريز لمكتب المباحث الفيدرالي باعتبارها «متشككة على نحو عميق» وفقا لنسخة من بياناته التي حصلت «نيويورك تايمز» عليها. ووصفها محام آخر في مكتب دياز باعتبار أن «من الصعب ارضاؤها وانها عنيدة جدا». ولكن دياز احبها. فقد وجد انها ذكية وتأثر بالتزامها بعملها. وعلى الأقل هناك اثنان من المحامين رآهما معاً في غوانتانامو كانت لديهما صلة حميمة. ولكنه كان قد طلب منها ان تتذكره اذا ما اتهم أحد موكليها في المحاكمات وكانت بحاجة الى محام للمساعدة في الدفاع. وقد بدت مندهشة الى حد ما من ذلك العرض ولكنها كتبت في وقت لاحق من انها ستعود الى غوانتانامو قريبا، وانها ستجلب له كتابا جديدا حول فضيحة ابو غريب.
واذا اقتربت نهاية جولته كان احباط دياز يتنامى. فملفات اساءة معاملة السجناء التي كان وآخرون قد راكموها باتت كثيرة. واشار تصريح لمسؤول كبير في مكتب المباحث الفيدرالي الى ان السلطات العسكرية كانت قد تجاهلت الشكاوى التي قدمها موظفون من المكتب حول اساليب التحقيق القاسية. واشار آخر الى زعم أحد السجناء بان حارسا طرحه أرضا ومرغ وجهه بالوحل بعنف بعد ان كان السجين قد بصق في وجهه. ووجد دياز التقرير يتسم بالمصداقية، واندهش من أنه لم يجر تضمينه بين الادعاءات التي اعلن عنها الجيش. وفي الافادات التي قدموها الى محققي مكتب المباحث الفيدرالي، وصف دياز من جانب زملاء له في غوانتانامو عموما بأنه بانه مهني محترف. وبعضهم كان أكثر تأثرا به من الاخرين. غير ان عددا قليلا من اقرانه الضباط كان لديهم الكثير من الاحساس بأنه مهاجم للمعتقدات التقليدية: المحامي الذي كان يزدري استمرار الحرب في العراق، والذي تجنب بهدوء التجمعات الاجتماعية مع المحامين الحكوميين النشطين، والذين يخرجون احيانا عن الطور العسكري التقليدي ويمزحون مع العاملين في القاعدة من الجامايكيين والفلبينيين. وكان دياز دقيقا في عدم تحدي الطرق المألوفة، وكان حذرا بشأن آرائه حول غوانتانامو. وقال «انني احتفظ بآرائي لنفسي. لا أعلنها». وبالنسبة للوسط العسكري كان يبدو نشطا الى حد ما ايضا. وعند اقتراب انتهاء مهمته في غوانتانامو اقترح زملاء له على مكتب الشؤون العامة بأن دياز يمكن ان يكون موضوعا جيدا لصورة قلمية في نشرة فريق العمل. وكانت المقالة المنشورة تحدثت عن 15 دقيقة مع الكوماندر مات دياز، الذي وجد طريقه كمحام في البحرية. سأله من أجرى المقابلة «ما الذي احببت في غوانتانامو؟» فأجاب «أحب المهمة. وفي معظم الوقت يحاول كل امرئٍ ان يقوم بالشيء المناسب وأحب ان أكون جزءا من ذلك واسهم فيه». وفي ظهيرة احد الأيام في يوليو (تموز) وبينما كنا نجلس عند منضدة سفرة سألت عما اذا كان يعتقد حقا بما قاله. اجاب انه كذلك، واصفا الجنود والضباط الذين كانوا يخرجون عن طورهم ليتصرفوا بتواضع مع الرجال الذين كانوا معتقلين باعتبارهم ارهابيين.
وكان يبدو ان محققي البنتاغون الذين يعدون تقريرا حول انتهاكات غوانتانامو تجاهلوا بعض القضايا التي ساعد على جمعها وفق قوله. وعلى الرغم من الزيارات الأولى للسجناء من جانب محامين مدنيين، كان يبدو ان قليلا من المعلومات حول معاملتهم يظهر. ففي الثامن من نوفمبر(تشرين الثاني) 2004 أغلق قاض فيدرالي اللجان العسكرية قائلا بانها تنتهك القانون الدولي. ولكن القضية احيلت بعدئذ الى محكمة استئناف محافظة.
وفي 21 ديسمبر (كانون الأول) ارسل البنتاغون نسخة اليه من رسالة باربرا اولشانسكي في مركز الحقوق الدستورية. وبعد ما يقرب من ستة أشهر من قرار المحكمة العليا في رسول كانت ما تزال تطلب من الحكومة اسماء وجنسيات السجناء حتى يتمكن المحامون من اعداد قضايا الاستئناف نيابة عنهم. وفي مسودة رد، كتبت الادارة ان للسجناء سبلا اخرى للحصول على التمثيل.
وبينما شعر محامون عسكريون آخرون بأن معسكر الاعتقال قد بدأ الانفتاح أمام الغرباء كان دياز مفزوعا بموقف الحكومة. وقال انه «مهما كان ما تقوله المحكمة فانهم سيعوقون الأمر. أعرف انني ان لم افعل شيئا فانه لن يفعل احد غيري ذلك». كان يعمل حتى وقت متأخر من الليل للاطلاع على ما يمكن من معلومات داخلية لرؤية القوائم التي يمكن أن يجدها. وقال دياز انه بينما كان يستلقي على السرير ليلا، كان يفكر في المخاطر التي يمكن ان يواجهها اذا ما مضى في هذا الاتجاه. فخلال السنة الماضية كان الجيش قد قاضى أو وجَّهَ عقوبات انضباطية لعدد من العاملين فيه لأخذهم معلومات سرية من الجزيرة. وكان الثمن شديدا. وكان ضابط الاستخبارات المضادة ينام في الغرفة المجاورة في البيت الذي كان يعيش فيه دياز مع عدد من الضباط متوسطي الرتب. وقال دياز في وقت لاحق انه لم يكن يعلم ان المعلومات التي ارسلها بالبريد كانت معلومات سرية. فالقوائم التي طبعها لم يكن هناك مؤشر عليها بكلمة «سري»، على الرغم من ان مسؤولين اعترفوا لاحقا بانها كان ينبغي ان تكون على ذلك النحو. واكد محاموه على انه كان لديه سبيل للوصول الى الكثير من المعلومات الحساسة والسرية للغاية، اكثر من أي شيء آخر ارسله. وقال دياز أيضا انه لم يكن يعرف معنى كل الشيفرات التي تعقب الأسماء. ولكن واحدة من تلك الشيفرات شخصت السجناء الذين كانوا قد اعطوا معلومات لمحققي غوانتانامو. ووصف مسؤولو الاستخبارات العسكرية تلك الشيفرة، وليس الاسماء، باعتبارها التسريب المهم. وفي الثامن من مايو (أيار) من العام الحالي، وبعد محاكمة استمرت اسبوعا، ادانت هيئة من سبعة من ضباط البحرية دياز في اربع من التهم الخمس، وبينها تهمة الكشف عن معلومات دفاعية سرية «يمكن ان يلحق استخدامها الضرر بالولايات المتحدة، أو يوفر الفائدة لبلد اجنبي». وبعد ما يقرب من عامين ونصف العام على مغادرة دياز غوانتانامو كانت قضايا سياسة الاعتقال قد تغيرت. فقد نشرت اسماء السجناء بموجب قانون حرية المعلومات. واصدرت المحكمة العليا قرارا ضد الادارة مرة أخرى، مؤكدة معايير اتفاقية جنيف ومعارضة اللجان العسكرية. وأعلن الرئيس انه يود إغلاق غوانتانامو باسرع ما يمكن. ولم يقدم دياز شهادته أثناء المحاكمة. ولكن في افادة الى المحلفين قبل ان يصدر عليه الحكم، كان يبدو نادما. وابلغ المحلفين الذين كان لهم ان يرسلوه الى السجن لمدة 13 عاما «لم أكن ارغب في اثارة ضجة وأعرض سيرتي المهنية الى الخطر. أشعر بالعار. فقد خذلت البحرية». وبعد ثلاث ساعات من التشاور، أصدر المحلفون حكما مخففا بالسجن لمدة ستة أشهر وطرد من الجيش. وعندما تحدثنا بعد شهرين في تشارلستون كان دياز اقل ندماً. وقال انه لا يحمل ضغينة تجاه أولشانسكي والحقوق الدستورية. وفي الحقيقة كان يرسل للمنظمة تبرعا شهريا بمبلغ 25 دولارا. وعندما ينظر الى الماضي كان يؤكد انه حاول القيام بالشيء المناسب ولكن بطريقة خاطئة.
ويعيد دياز النظر في وثائق محاكمته في الوقت الحالي، كما كان قد راجع ذات يوم وثائق محاكمة والده، ويعمل على استئناف مع محامي كاليفورنيا نفسه الذي تعامل مع طلبات استئناف والده. وقبل فترة قصيرة من اطلاق سراحه المقرر من سجن تشارلستون، جرد من رخصته لممارسة القانون العسكري. وقال انه غير واثق مما اذا كان سيدعم عائلته الآن ولكنه يفكر في محاولة الحصول على عمل بمساعدة قانونية، حتى اذا حظر عليه العمل كمحام مدني أيضا.
وابلغني دياز انه في نوفمبر 2006 ذهب بالطائرة لوحده الى سان فرانسيسكو ووصل الى سان كونتين. وكانت تلك المرة الاولى التي ابلغ بها والده حول التهم التي كان يواجهها ومخاطر ارساله الى السجن جراء ذلك. وقال دياز ان والده كان يشعر بالألم مما حدث، ولكنه كان ايضا فخورا بأن ابنه كان قد حاول القيام بما كان يعتقد انه الصواب. وقال دياز «لقد تفهم الأمر».
* خدمة «نيويورك تايمز»
*عن الشرق الاوسط