د/عبدالعزيز المقالح* -
في رثاء الرغيف
كما يحدث للقمر من تناقص يصل غايته في نهاية كل شهر عربي، كذلك حدث للرغيف في بلادنا مع فارق أساسي لصالح القمر، الذي بعد أن يتحول إلى هلال لا يكاد يظهر، يعود من جديد للتزايد إلى أن يعود قمراً، في حين أن الرغيف - رغم احتفاظه بتدويرته - يرفض بعد التناقص أن يعود إلى ما كان عليه، أو إلى بعض ما كان عليه، وهو الآن في طريقه إلى أن يتحول إلى كعكة صغيرة لا تختلف كثيراً عن حجم كعك العيد، والمؤسف والمخجل أن هذا الذي يحدث للرغيف يتم في غياب تام لأية جهة رقابية تنتمي إلى الحكومة، أو إلى المعارضة، أو إلى الشعب نفسه المتضرر الأول من كل ما يحدث للرغيف في بلادنا من تناقص يوشك أن يقوده إلى التلاشي، ومن ثم إلى الاختفاء.
لقد ارتفعت أسعار القمح والدقيق قبل شهر رمضان، ووصلت إلى مستوى لا يطاق، وأعطت بذلك لأصحاب المخابز الفرصة في رفع ثمن الرغيف، كما أعطتهم الحق في خفض وزنه، لكن أسعار القمح والدقيق عادت مع الشهر الكريم إلى الانخفاض، ووصلت إلى نصف الثمن الذي كانت قد صعدت إليه، إلاَّ أن الرغيف واصل تناقصه وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن الدقيق والقمح من النوع الخاص المستورد من خارج الكرة الأرضية، وتسعيرته لا تخضع، أو لا يصح أن تدخل في مجال الرقابة التي لا وجود لها، أو لأننا في بلد رأسمالي من نوع خاص أيضاً، علماً بأن الرأسماليين لا يصاعدون أسعار الأغذية، وفي الولايات المتحدة، أم الرأسمالية وأبوها، لا يدخل رغيف العيش في سوق المضاربات، يضاف إلى ذلك أن الشعب هناك هو الحكومة، وهو الرقابة، ولا أحد يجرؤ على رفع سعر الرغيف أو العبث بمواصفاته، كما أن هناك أنواعاً من الخبز تبدأ من الرغيف الشعبي، وتنتهي برغيف أعلام السينما في هوليود!!
إن غياب الرقابة يشجع لا على رفع الأسعار واختصار الرغيف، وإنما يشجع كذلك على التجاوزات والمخالفات وما أكثرها لا في مخابز صنعاء العاصمة وحدها، وإنما في سائر المدن اليمنية، ولم نسمع يوماً واحداً أن جهة ما صحية أو تموينية داهمت مخبزاً واحداً، أو أجرت حالة واحدة من التحقيق أو التفتيش حفاظاً على المعايير، لأنه لا توجد رقابة ولا معايير، والدنيا سداح مداح، ولو أن أصحاب المخابز في الأقطار العربية قد علموا بما يتمتع به أصحاب المخابز في بلادنا من «حرية» لأغلقوا مخابزهم، وجاءوا بمعاجنهم ومغارفهم للتمتع بهذا المستوى غير المسبوق من الحرية المنفلتة، وحيث لا وزن ولا معايير للجودة أو لمستوى النظافة، ولا أحد يراقب أحداً ولا أحد مسؤول عما يأكل الناس أو يشربون، الصراع الديمقراطي الوحيد الدائر في هذه البلاد الرائعة لا يخرج عن دائرة التنافس على السلطة في أدنى مستوياتها وأعلاها.
إن غالبية المواطنين يتلهفون إلى قيام مسؤول من الحكومة، وزير أو نائب أو مدير مختص، بزيارة أسبوعية أو نصف شهرية إلى سوق الخضار، أو إلى مخبز من المخابز، أو إلى بقالة أو دكان ليسأل عن أسعار الأشياء الضرورية. ويعود من زيارته لكي يفسر للناس مبررات التصاعد المتلاحق في أسعار الرز والزيت والصابون والحليب، وكيف تصاعد سعر علبة «النيدو» خلال أسابيع من ألفين ومائتين ريال إلى ثلاثة ألف وخمسمائة ريال، هل للحرب الدائرة في العراق وأفغانستان تأثير مباشر علينا، وهل وصول الرغيف إلى أدنى مستوياته حجماً وجودة جزء من هذه الحرب؟ وهل هذه هي سياسة الانفتاح التي قيل أنها ستجعل الناس يأكلون «الجاتوه» و «البتزا» بدلاً عن «الكدم»؟!
إن غياب مبدأ الثواب والعقاب في هذه البلاد هو سر التخلف والتردي، والخروج على الثوابت التي تربط المواطن بالمواطن والمواطن بالوطن.
وغياب هذا المبدأ لن يؤدي إلاَّ إلى مزيد من التردي للأوضاع الاقتصادية، وليس بعيداً في مناخ مفتوح لفوضى الممارسات كهذا أن يأكل المواطنون بعضهم بعضاً على مرأى ومسمع من أجهزة الدولة وقواتها الضاربة.
القاضي العلامة حسين محمد المهدي في كتابه «الشورى في الشريعة الإسلامية»:
<،، أعترف بأنه واحد من الكتب القليلة التي أسعدتني قراءتها، فقد أنار لي زوايا من الفكر السياسي الإسلامي لم أكن توقفت عندها من قبل، والعنوان الكامل للكتاب هو «الشورى في الشريعة الإسلامية - دراسة مقارنة بالديمقراطية والنظم القانونية» وقد بذل فيه صاحب الفضيلة القاضي العلامة حسين بن محمد المهدي، من الجهد العلمي والفقهي ما يضعنا في إطار رؤية فكرية جادة تضاف إلى عدد من الرؤى التي تقف بإجلال إزاء ما استطاع العطاء الإسلامي الحضاري الإنساني أن يقدمه في النظر السياسي ليس في إصلاح أحوال المسملين فحسب، بل إلى إصلاح أحوال من يشاركهم الحياة على هذا الكوكب الأرضي من المخالفين لهم في الرأي والعقيدة.. يقع الكتاب في 288 صفحة من القطع الكبير.
تأملات شعرية:
سيدي أيها الشعب
يا صاحبَ الحلِّ والعقد
أين تكون؟
فأنتَ البدايةُ أنت النهايةُ والمرجعيهْ.
القصائد تبحث عنك
فأين تكون؟
وفي أي رملِ المشاكل تدفن رأسَكَ
يا سيدي
ليس يوجد من سيكون وصياً عليك
فأنتَ الوصيّ، وفيكَ الوصيّه.
*الثورة