بقلم: ياسر البابلي - (مافيــا الإصلاح).. ونُُـذُر (الدُببــة النائمة )
إنهم يفيقون كالدببة، ويملأون الأرض صراخاً، ويعتلون المنابر غاضبون، فالأجهزة الأمنية اعتقلت بعض كوادرهم الحركية لسبب (تافه) لا يتعدى كون بضع مئات الإصلاحيين أعياهم قيام صلاة الفجر، وبدلاً من أن يحملوا كراساتهم الجامعية أخذ كل فرد منهم قنبلة، ومسدساً، وسكيناً، وهراوة، وحشى جيوبه ببعض الذخيرة وتوجه للجامعة.. وعندما دخلوا القاعة التي كانت تحاضر فيها الدكتور (سعاد السمح) نسوا تحية الإسلام، فصاحوا (للجهاد يا اتحاد)، ثم شهروا أسلحتهم وهراواتهم وانهالوا على الآخرين ضرباً.. وطعناً.. فتلك طريقتهم الخاصة في طلب العلم.
ذلك هو ملخص القصة التي زمجرت دببة التجمع اليمني للإصلاح على ردود فعل الحكومة إزائها.. وربما كان لها الحق في ذلك، لأن حجم الخسائر لا يليق بفعل (مافيا) مدربة، ومجهزة بكل المعدات في حرم جامعي ليس فيه من يحمل السلاح ، فضلا على أن المخطط تم إعداده بدقة، وتنظيم مسبق، وخصص له ما يقارب(400) عنصر نشط من رجالا (المافيا) الإصلاحية.
وكما اجتمعت قيادات التجمع اليمني للإصلاح مساء يوم الثلاثاء لدراسة وتقييم التجربة الأولى من حيث حجمها، وظروفها، وأبعادها بات حقاً على قيادة المؤتمر الشعبي العام الوقوف عند الحدث طويلاً، واستلهام فحوى هذا التطور الخطير في مسار العمل السياسي لتلك الدببة التي لا تستطيب العسل إلا من المناحل اللصيقة بلجنته الدائمة، التي تحرسها (الصحوة) من الدور الخامس، ومن تلك المطلة على (الجولات)، أو المؤسسات الحيوية للدولة.
فالحقيقة الثابتة بشأن البناء التنظيمي لحزب الإصلاح هي أنه لفيف من أطياف مختلفة، يعمل كل فريق منها بأطر إندماجية شكلية داخل التجمع، في نفس الوقت الذي يحتفظ بدوائره المغلقة، ومناهجه المستقلة، ووسائل الخاصة في ممارسة العمل السياسي. وهو الأمر الذي يجعل من جميع أطياف التجمع بمثابة الواجهة السياسية المعتدلة للتيار الإخواني المتطرف الذي يشكل الكتيبة الحركية الضاربة في الحزب، وقوة الردع المهيمنة على مقدرات التجمع، واتجاهاته العامة، والتي ترسم له الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها.
وعلى هذا الأساس كانت الحركة السياسية لحزب الإصلاح تتناقض في الكثير من مراحلها ومواقفها، لدرجة أن يوافق تكفير الشيخ الزنداني لأحد قادة الحزب الاشتراكي (ياسين سعيد نعمان) في نفس الوقت الذي كان التجمع يتقرب فيه كثيراً للاشتراكيين، ويحاول جعلهم الفوهة التي يطلق منها قذائف الحرب على المؤتمر.
لكن على الرغم من تلك التباينات، والانفصام في سلوك التجمع، فقد شهدت الاستراتيجية الإصلاحية للعمل السياسي تحولا نوعيا خلال العامين الماضيين- أي في الفترة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر- متأثراً في ذلك بعوامل عدة منها:
أولاً: شراسة الحملة الدولية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، ودخول اليمن شريكاً فيها.
ثانياً: انحسار التمويلات الخارجية القادمة للتجمع من منظمات وجمعيات وأفراد عربية وأجنبية مختلفة.
ثالثاً: انحسار ثم توقف تجارة السلاح والذخيرة التي تدر على أصحابها أرباح طائلة (وهم معظمهم من رموز الإصلاح)، فضلاً عن أهميتها في التسليح الذاتي.
رابعاً: تحسن علاقات اليمن مع دول الجوار وارتفاع وتيرة التعاون المشترك- خاصة على الصعيد الأمني.
خامساً: التفات الحكومة اليمنية للمنابر والمؤسسات الدينية، وتنظيم ضوابط إدراتها أو العمل فيها، ومجالات الانتفاع منها.
سادساً: ارتفاع درجة الوعي الثقافي والاجتماعي الشعبي، والانفتاح اليمني السريع على العالم الخارجي مما ترتب عنه فشل البرامج التقليدية التي كان معمولا بها في الإصلاح، وتراجع المصداقية بالخطاب السياسي للتجمع بشكل عام.
سابعا: النجاحات التي حققها المؤتمر الشعبي العام في الممارسات الديمقراطية- سواء كانت انتخابات المجالس المحلية أم الانتخابات التشريعية للعام 2003، مقابل خسارة كبيرة تكبدها الإصلاح أضعفت من ثقله السياسي وتأثيره.
إن جميع العوامل السابقة جرت التجمع اليمني للإصلاح إلى التفكير جديا بالعزوف عن خط سيره السابق، وعدم الاكتراث للرهان الديمقراطي بوصفه الوسيلة المشروعة الوحيدة للوصول إلى الحاكم.. الأمر الذي جعل قيادة حزب الإصلاح تصب جهودها في خيارات العمل المسلح، ولكن – هذه المرة- بأسلوب مختلف عما كانت تمارسه في السابق بصيغة الاغتيالات أو التفجيرات، او التحريض والدعم لبعض القبائل والعصابات للقيام بذلك.
فقد بدأ الإصلاح خلال العامين الماضيين يعمل وفق مخطط مدروس بعناية كبيرة، ويتحرك من خلاله في الاتجاهات التالية:
أولاً: تطوير بنائه التنظيمي على نحو يتم التمييز فيه بين فئتين منفصلتين، الأولى (دينية) تمثل القواعد الشعبية من الأميين والبسطاء من ذوي المستويات التعليمية الدنيا، بجانب النسبة الأعظم من النساء. وهم جميعاً ليسوا أكثر من أرصدة انتخابية، وأحياناً ينتقي من أوساطهم (أكباش الفداء) التي يدفع بها لأعمال العنف ويورطها في أعمال قتل إرهابية.
أما الفئة الثانية فهي (سياسية حركية) تعمل على نهج الأحزاب الثورية السرية مع الاختلاف الفكري بالطبع، والكثير من أصحاب هذه الفئة يتم انتقائهم من الفئة الأولى لغرض دعمهم وتطوير مستوياتهم الثقافية والتعليمية والاقتصادية. فيتم إدخالهم الجامعات، وربما إكمال دراساتهم العليا على نفقة التجمع، ثم دعمهم مالياً وبسخاء. وهؤلاء يكرسهم الإصلاح للعمل السياسي النوعي (إثارة الفتن، ترويج الإشاعات، مواجهة إعلام الحزب الحاكم، إثارة النعرات، إشاعة الفساد المالي والإداري، جمع المعلومات، اختراق التنظيمات والمؤسسات والأجهزة الحكومية، الترويج الإعلامي والدعائي الخارجي، إدارة منشآت اقتصادية وثقافية وخدمية خاصة، الاشتراك في مؤسسات المجتمع المدني.. الخ) وهم غالباً ما يكونون غير متحمسين للخطاب الديني، لكنهم يعملون بسرية تامة، وبحلقات مصغرة جداً.
ثانياً: إدخال المرأة في العمل السياسي، واعتبارها البديل الأمثل عن الدببة النائمة في الجحور خشية الوقوع في المحضور الذي يكشف خلفياتهم الإرهابية.. وبالتالي توجه الإصلاح لاستثمار المرأة مستغلاً حرمتها الاجتماعية، والعرف الذي يجعل من أي مسائلة لها أو اعتقال فيما لو ارتكبت ما يخالف القانون- بمثابة أمر محرج جداً للسلطات قد يألب عليها الجماهير خلال بضع ساعات.
هذه الحرية الكبيرة في تحركاتها، وما يحيط بها من عرف وتقليد اجتماعي أهلها خلال الانتخابات التشريعية الثالثة 2003م لتصبح العمود الفقري للدعاية الانتخابية لمرشحي الإصلاح في أمانة العاصمة وأغلب مراكز المحافظات بغض النظر عن أي اعتبارات للمسائل الشرعية المتعلقة بخروج المرأة من دارها، وطرق أبواب الأغراب، وتوزيع صور الرجال (غير المحارم) على المؤسسات والأماكن العامة، فضلاً عن توزيع الأشرطة الغنائية.
ولعل في ذلك تأكيد لما يذهب إليه الكثيرون من كون التجمع اليمني للإصلاح يقدم مصالحه الشخصية وأطماعه السلطوية على مختلف التشريعات الدينية والقيم الأخلاقية التي يدعي بها في وقت آخر.. خاصة وأن عضوات الإصلاح حملن السكاكين في انتخابات اتحاد نساء اليمن ومارسن العنف الصريح ضد مندوب وزارة التأمينات، علاوة على أن إحداهن قتلت إحدى عضوات المؤتمر في تعز رمياً بالرصاص أثناء الانتخابات الأخيرة.
ثالثاً: شهدت السنوات الماضية نشاطاً إصلاحياً محموماً على صعيد بناء كيانات مؤسسية مستقلة تديرها عناصره كما لو كان يحاول تشكيل دولة داخل الدولة.. بحيث أصبحت له (مدارس، مستشفيات، نقابات، جمعيات، شركات اقتصادية، شركات نقل وسياحة، معاهد لغات وكمبيوتر، فرق فنية، صحف ومواقع إلكترونية عديدة ومحطات وقود ومراكز خدمية لا حصر لها) وجميع ما سبق يتم تمويله وإدارته وتشغيله من خلال الحزب وكوادره.
رابعاً: يسعى الإصلاح على نحو مثير جداً للزج بكوادره داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية الحيوية، ودعمهم وظيفياً ومالياً لتبوء مراكز مؤثرة فيها. وتبذل قيادة الإصلاح أموال طائلة كرشاوى لتمكين عناصرها من السيطرة على بعض الإدارات أو المراكز الوظيفية، وكثيراً ما تبذل الأموال لإلحاق الضرر أو مضايقة الكوادر المؤتمرية الوسيطة بقصد أزاحتها أو قتل أي نشاط لها.
ويبدو جلياً أن التجمع اليمني للإصلاح يرمي من وراء النقطتين (ثالثاً ورابعاً) الآنفتي الذكر تشكيل قوة عمل عريضة وذا ثقل ملموس تؤهله للعب دورين في غاية الخطورة، أولها: جعل قوة العمل تلك بديلاً عما هو كائن في حالة نجاحه في القيام بأية حركة انقلابية أو ما شابه، بما يعني- أنه يعد نفسه لتصفية كل من سبقه. وثانياً: للتلويح بتلك القوة كورقة ضغط وتهديد في حالة الإيعاز لها بالإضراب العام عن العمل – خاصة - إذا ما أضفنا لها بقية ما لدى قوى المعارضة اليمنية.. علاوة على إمكانية استخدامها لضرب المصالح الحكومية وتخريبها واتلاف وثائقها على غرار ما أقدمت عليه قوى المعارضة العراقية بعد سقوط بغداد.
خامساً: إن الإصلاح لم يكتف بمخطط الانتشار على صعيد المنشآت الاقتصادية والمؤسسات الحكومية والاستقلال الخاص ببنى مماثلة، بل أيضا عمل على بناء أجهزة أمنية استخباراتية وجند لها الآلاف، وتم تأكيد هذه المعلومة خلال المؤتمر العام الرابع للتجمع الذي اغتيل فيه جار الله عمر، حيث رفض الإصلاح الحماية الأمنية لوزارة الداخلية، واكتفى بما لديه من عناصر مؤهلة لهذا الغرض.. ومثل ذلك بادرة خطيرة لا أحد يعرف كيف نجح في تمريرها على الحكومة اليمنية، كون العمل الذي قام به التجمع يلغي شرعية سلطة الداخلية الكاملة على كل ما على الأرض اليمنية- كما لو أنها كانت معنية بمصالح المؤتمر الشعبي العام ومؤسساته فقط، علاوة على أنها قد تتحول إلى تقليد حزبي يمتد إلى كل ما يمت للمعارضة بصلة.
سادساً: إن طبيعة الظرف الدولي والمحلي أملى على التجمع إعادة توزيع قواعده وخلاياه الحركية وفقاً لخارطة جغرافية مبنية على أسس الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، بحيث شهد العام الجاري 2003م نزوحاً كبيراً ومنظماً للعناصر الإصلاحية مع عوائلهم إلى أمانة العاصمة، وتحمل الحزب مسئولية الإيجارات وتوفير فرص العلم للبعض والاكتفاء بالدعم المالي للبعض الآخر.. وكان القصد من كل ذلك هو: أول:اً تحقيق خططه السالفة الذكر، وثانياً: موازنة الثقل السياسي والأمني الحكومي بثقل شعبي (نوعي) يمكن استثماره إيجابياً لصالح المعارضة من خلال حشد هذه القوى في مظاهرات وأعمال نهب وتخريب تستهوي الكثير من العاطلين واللصوص وأرباب السوابق، وبالقدر الذي يشيع الفوضى في العاصمة ويزجها إلى مواجهات دامية ليس من السهل على أجهزة السلطة احتوائها.
سابعاً: يعمل التجمع اليمني للإصلاح منذ فترة على تهيأة الساحة اليمنية على نار هادئة لمرحلة عصيبة يفجرها من خلال خيارات عديدة، منها: القيام بعمل إرهابي ضد شخصيات سياسية إما أن تكون من أحزاب المعارضة أو من رموز حزب الإصلاح نفسه ممن هو غير ناشط أو متوقع انشقاقه (وسيكون التجمع الأبعد عن الشبهات).. وهو ما سيترتب عنه تأليب الجماهير وإلهاب لمشاعرها كذلك من خياراته إثارة أزمة سياسية مفتعلة بشأن ممارسة ديمقراطية أو مدنية (على غرار أحداث الجامعة) وما شابه، ليتم خلالها إيقاظ الدببة النائمة لترجمة غضبها وصخبها إلى فعل حي تشهده الشوارع والأحياء الشعبية.. ومن المرجح أن يجعل التجمع من أي ممارسة انتخابية قادمة (مثل المجالس المحلية) بمثابة ساعة الصفر التي يفجر بها عدوانيتة الانتقامية، خاصة مع الشد النفسي والتوتر الذي عادة ما يصاحب الانتخابات.. ولعل تفكير التجمع بهذا الصدد مستوحى من تجارب قريبة للذاكرة مثل أحداث (جورجيا) وأحداث العراق وأحداث الأرجنتين وغيرها.. الأمر الذي حفز الإصلاح فعليا لاستنفار طاقاته على هذا الخط في وقت كان يصور فيه للآخرين أن دببته تغط في نوم عميق.
ثامنا: يحاول الإصلاح اللعب مع أطراف خارجية (الولايات المتحدة وبريطانيا) بقصد استجداء عطفهم ومباركتهم لأي مشروع يعتزم القيام به، وفي مقدمة كل ذلك ضمان عدم تدخل تلك الأطراف لصالح السلطة إذا ما عمد الإصلاح على إشعال نار فتنة حرب أهلية داخلية مماثلة لأحداث يناير 1986 في عدن ولكن على الطريقة (الإسلامية) الأكثر دموية، والتي لا يطيب لها القتل إلا بعد حزّ أعناق الأطفال أمام أعين أمهاتهم وآبائهم وبالسكاكين المشابهة تماما لما كانت تحمله المافيا التي هاجمت الحرم الجامعي... وهو أسلوب سبق ترجمته في الجزائر.
وعلى كل حال فإن التجمع أخذ ينشر مقالات غزلية لليهود والنصارى وكتب أيضا مماثلة لكتاب ( التطرف والتكفير في اليمن) الذي يحرم كاتبه( ناصر أحمد يحيى) ذكر اليهود والنصارى بسوء من على المنابر الإسلامية.. علاوة على ذلك فإن اتصالات حقيقية جرت على هذا الصعيد بين قيادات الإصلاح وجهات أمريكية وبريطانية، عززتها تصريحات للأمين العام يعد فيها الأمريكيين بعلاقات تطبيع تفوق بكثير ماهي عليه اليوم.
وأخير، فمن المؤكد أن هناك جناح متطرف في التجمع اليمني للإصلاح يدير اللعبة في دهاليز مقرات الدببة النائمة.. أو التي تدعي أنها نائمة.. وأن موسم العنف بالنسبة لها قادم لا محالة، وأن من الخطأ الكبير أن تتخيل السلطات اليمنية أن للتجمع اليمني للإصلاح خندق ديمقراطي يمارس من خلاله العمل السياسي" فالتجارب السابقة التي بدأت باتحاد نساء اليمن ثم اتحاد طلاب جامعة صنعاء ماهي إلا مناورات تدريبية للدراسة فقط للوقوف على حقيقية الجهد الحكومي وردود فعل الجهات الأمنية، ورصد الثغرات.. ولاشك أن الدببة النائمة بعين مغمضة وأخرى مفتوحة هي في أشد الشغف لإعلان احتفالية العنف الدموي لأبطال المافيـــا( الإسلامية) التي تقطر شفاهها عسل رائقــا في كل محفل .
|