نبيل الصوفي * -
إطلاق السجناء وطائرات الهاشمي.. عن أداء الإعلام
تناقلت وسائل إعلام معلومات عن قصف طائرات لمتظاهري يوم الاستقلال من قوى المعارضة في مدينة عدن. المشكلة لم تكن في الخبر العاجل تجاه ذلك بل في استمرار وسائل أخرى نقل المعلومة باعتبارها حقيقة لامراء فيها. لن أتحدث عن المسئولية المهنية تجاه القارئ والأحداث، ولزملائي الذين أخطأوا أو تعمدوا مثل هذا الحديث، ولكني أشير إلى التأثير السلبي الذي يلقيه مثل هذا الخبر أمام مهمتنا كإعلاميين، ونظرة المجتمع لنا. ولولا أني كنت أشاهد سماء الهاشمي حينها لقلت إن ثمة صواباً بشأن الأخبار.
لايهم الحديث الذي تبين خطؤه عن قتلى سواء ستة أو اثنين، ولكن الحديث عن قصف الطائرات أظنه أكثر تنبيهاً لنا في تعاطينا مع أخبار الجدل السياسي.
لقد كانت هناك طائرات تحوم في سماء المنصورة والشيخ عثمان، وتتنقل بين منطقة المدينة الرياضية التي كانت تنتظر الاحتفال الرسمي، وساحة الهاشمي حيث أصدر الرئيس علي عبدالله صالح أوامره لقوات الأمن والجيش بعدم منع المهرجان قبل ساعات من بدئه، قائلا: "لن يقولوا أكثر مما يقولونه في الصحف". خاصة وأن المعارضة تقدمت بطلب الترخيص للفعالية قبل أيام كثيرة من قرار السلطة الاحتفال في الزمان والمكان المحددين. ولم تحظ بالموافقة حينها.
ومع أن الأمن وقيادة محافظة عدن قالت إن الطائرة المشار لها كانت تحلق ضمن برنامج للقفز المظلي في المهرجان الرسمي، فإن تحليقها على محطة الهاشمي لم يكن له مايبرره على الإطلاق، غير أن ذلك لم يكن يكفي لنقل التحليق إلى عملية قصف. ومن ثم البناء عليها للحديث عن قتلى!!
إننا محتاجون لمتابعة النشاط السياسي ونقله للقارئ، وهو هنا سلطة ومعارضة أو المواطنون المستقلون المعنيون كهدف سامي لنشر المعلومة، ويتطلب ذلك حرصا فنيا يتجنب مزالق الحشد لصالح هذا الطرف أو ذاك.
إنه لا أفضلية على الإطلاق لوسائل الإعلام الممولة من الخزينة العامة/ الحكومة، والتي تقودها سياسة إعلامية لم تعترف حتى الآن بماتقوله هي إن اليمن بلد ديمقراطي. لانطالب الإعلام الرسمي بنقل خطاب الأستاذ أحمد عمر بن فريد، مع إنه مواطن يتوجب أن يكون له نصيب من وسائل إعلام الدولة، ولكن على الأقل نشر أخبار عامة عن فعاليات المعارضة. أو إذا كانت تلك الوسائل تعتقد أن الوطنية تصاب بالدوار من الحرية والتعددية، فلتمنع كل أخبار تتعلق بالشئون السياسية التي تدور حولها الخلافات ايا كان طرفها.
إنه مع الاعتراف إن مطالبة المعارضة بالمشاركة قد يوحي برغبتها في إعادة تقاسم السلطة، فإن الظاهر أن الشراكة الوطنية في أقل أسسها أن تحترم مؤسسات الدولة مواطني ذات الدولة ذوي الانتماء السياسي المخالف للحاكم، حزبا أو فردا. وإذا كانت جهود مشكورة قادت إلى الاعتراف بحق المعارضة في التجمهر في ساحة الهاشمي، مع أمل أن تختفي من عدن في المرة القادمة آليات الشرطة لتعزيز ذات الاعتراف، باعتبار الحرية هي رأس مال هذه البلاد، وترشيدها لن يتحقق إلا بممارستها والتعاون على ترشيد خطابها، ومع صواب أجهزة السلطة في مطالبتها وسائل الإعلام المعارضة (حزبية أو مستقلة)، باحترام قواعد المهنية والتعددية، فإن بقاء المعارضة ممنوعة من الظهور والحضور في وسائل الإعلام الرسمية ولو في أدنى حد، يعطل أهم أدوات للحوار والتعددية. ويمنح النزق والإقصاء فرصة لتعميق الكراهية السياسية بين الفرقاء. والأمر ليس قراراً إعلامياً بل يحتاج لإعادة رسم التوجه السياسي.
إطلاق السجناء
قرار اقل مايوصف به إنه مختلف عن إرثنا الإداري والسياسي والفكري، أو يؤسس لذلك، والذي أطلق ناصر النوبة وحسن باعوم ورفاقهما المعتقلين منذ أشهر في حضرموت وعدن بتهم سياسية.
فمقابل القوائم التي أعدت ووزعت ونشر بعضها، والأخبار التي قالت إن الرئيس علي عبدالله صالح رفض الإفراج عن المعتقلين، والتوجس الأمني الحاد من فعاليات شعبية سلمية، فإن قرار الرئيس وتنفيذه يستحق التقدير العالي، وتعليق الأمنيات أن لاتهزمه أي مخلفات لماض كانت الاعتقالات أبرز أدواته للتعامل مع الأطراف الأخرى.
لدى الدولة أدوات مختلفة لإظهار رأيها ومواقفها، وأغلى هذه الأدوات عليها هي الأدوات الأمنية. فهي لاتحقق سوى مزيد من الإرباك للجميع.
سيكون بإمكاننا أن نرفع أصواتنا دفاعا عن وحدة تجاوزت دولتها أدوات وتجارب سابقاتها، حينما تعمل الأدوات السلمية، والسلم أقوى على الدفاع عن القيم الفاضلة، وبخاصة في مواجهة سلم مثله. أما القوة فإنها تمنح العنف والكراهية مشروعية قد لاتحفظ حقا، ولكنها لا تبقي لأحد حقا.
[email protected]
*عن نيوز يمن