المؤتمرنت - الحياة -
الكومبيوتر في خدمة 40 مليون معاق عربي
في 13 كانون الأول (ديسمبر) 2006، تبنت الأمم المتحدة في شكل رسمي الاتفاقية الخاصة بـ «حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقات». وتأتي الاتفاقية بعد أن كرّست المنظمة الدولية 3 كانون الأول يوماً عالمياً لأصحاب الإعاقة، بداية من العام 1992 الذي توّج عقداً مُكرّساً لمكافحة الإعاقة انطلق عام 1982. وفي السنة الجارية، رفع هذا اليوم الدولي شعار «العمل المحترم لأصحاب الإعاقة».
وعمد عدد من أصحاب الإعاقة الى التظاهر في المغرب للمطالبة بحقهم في العمل. ويذكر الأمر بأن الاتفاقية الأممية عن حقوق المُعوّقين تهدف الى «تشجيع، وحماية، والتأكد، من التمتع التام بكل الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية للأشخاص من ذوي الإعاقات، ونشر قيم الاحترام لكرامتهم».
ويُنظر الى تلك الاتفـــاقية باعتبارها الأولى التي تتبناها الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وحازت أعلى نسبة من التوقيعات من دول المنظمة الدولية.
وبعد عام على هذه الاتفاقية التاريخية، ما هو وضع أصحاب الإعاقات في عالمنا العربي؟ وأين هم من تكنولوجيا المعلومات؟
كثيراً ما تأتي الإعـــاقة مــترافقة مع مثلث الفقر والمرض والعزلة. يولد الطفل مُعوّقاً، أو يصاب بإعاقة ما أثناء نموه، فيلـــتزم البيت ويُـــحرم من الحياة الطبيعية، وتتعدّد أسباب العزلة، فالأســـرة فــقيرة والإعاقة بالنسبة اليها عبء إضافي لا حل له، ويخشى الجميع من الوصمة الاجتماعية، لا سيما في حالات الإعاقة الذهنية التي ما زال كثيرون في عالمنا العربي يعتبرونها مصدراً للخزي والعار، بل يقيد البعض المُصاب بسلاسل حديد إن لزم الأمر حتى لا يراه أحد وتنفجر «فضيحة بجلاجل». ويكون المُعوّق بسبب عزلته شبه الدائمة وحبسه بين أربعة جدران مدعاة للإصابة بمزيد من الأمراض، ما يضاعف من حجم المشكلة.
التفرقة تضطهد المُعوّق
40 مليون مُعوّق في المنطقة العربية، منهم نحو سبعة ملايين في مصر، وتزيد في معاناتهم ندرة فرص العمل وقلة الدخل وسوء المسكن والمأكل وشتى صور الحرمان.
ويلفت المدير الإقليمي لـ «مكتب منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط» («إمرو») الدكتور حسين الجزائري إلى أن أصحاب الإعاقات يواجهون التفرقة اجتماعياً وثقافياً. وتجعل «وصمة العار» المتصلة بالإعاقة صاحبها شخصاً غير مرغوب فيه، ما يعني حرمانه من التعليم والعلاج وممارسة حقه في الحياة الكريمة. وأبرز دليل على هذه التفرقة هو عدم توافر البنية التحتية والأدوات والتسهيلات المناسبة للمُعوّقين في المباني ومراكز الخدمات العامة والصحية ومراكز التعليم والعمل وغيرها.
ولا يتردد بعض خبراء الإعاقة في إضاءة ضوء خافت من الأمل، وخصوصاً لجهة وضع الكومبيوتر والانترنت في خدمة المُعوّقين.
فهل يمكن من فقد بصره أن يتعامل مع هذه التكنولوجيا من دون مساعدة؟ وهل يستطيع من بُترت يده أن يستخدم لوحة المفاتيح؟ وهل ستصل إلى من فقد سمعه المواد الصوتية أو بدائلها؟ وإلى أي مدى يمكن التكنولوجيا أن تساعد الأطفال المصابين بصعوبات التعلم في تحويل هذه الإعاقة مصدراً للقوة والاعتزاز لديهم؟
ولكن نظراً الى أن هذه التكنولوجيا صممت من أجل الأشخاص العاديين، فقد ظل من الصعب الرد بالإيجاب على الأسئلة السابقة والشبيهة، لا سيما في الدول العربية. وفي المقابل، فإن تمكين ذوي الحاجات الخاصة تكنولوجياً هو الرسالة والهدف اللذان يعمل الخبراء على تحقيقهما.
«تبادل الخبرات حول أفضل الممارسات في مجال توفير خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لذوي الحاجات الخاصة» هو عنوان المؤتمر الذي عقد قبل أيام في مقر «منظمة الصحة العالمية» في القاهرة بالتعاون مع «الاتحاد الدولي للاتصالات» ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، حيث استعرض المسؤولون الجهود الهادفة لتوجيه المزيد من الاهتمام التكنولوجي إلى ذوي الإعاقات من خلال إنشاء نوادي تكنولوجيا المعلومات وتجهيزها بوسائل تلائم احتياجاتهم. فمثلاً قبل عشر سنوات كان تعلم استخدام الكومبيوتر يمثل تحدياً كبيراً أمام المبصرين، فما بالك بمن فقد بصره كلية؟ غير أن ما يتمتع به أولئك الأفراد من إرادة فولاذية كان وراء خوضهم هذا التحدي والمشاركة بفاعلية في تنمية مهاراتهم الإلكترونية.
وفي سياق متصل، تقدّم المنظمات غير الحكومية لمن حُرموا نعمة البصر فرصة لتعويض ما فاتهم، عبر دورات تدريبية لشرح استخدام تطبيقات نظام ويندوز مثل «وورد» و «إكسيل» و «أكسس» وغيرها، إضافة الى تعلّم الدخول إلى شبكة الإنترنت. ويعتمد شرح دروس الحاسوب للمُعوّقين بصرياً على برنامجين متخصصين، يُشار الى الأول باسم «إبصار» Ibsar، ويشتمل على قارئة شاشة قوية تحوّل محتوياتها إلى صوت يشبه الصوت البشري، الأمر الذي يُمكن المستخدم من التفاعل مع تطبيقات الحاسوب باللغتين العربية والإنكليزية. ويحمل البرنامج الثاني اسم «جوز» JAWS، ويمكن المُعوّق من الوصول إلى المهمة بواسطة الكلام المنطوق. ويتعامل برنامج «جوز» مع المكفوفين ليرشدهم أثناء استخدامهم إلى نظام «ويندوز»، وذلك بتحويل النص المعروض إلى كلام منطوق، وهو ما يُشار إليه بمصطلح «الترجمة».
حالات نجاح محدودة
محمود غانم (17 سنة) وهو طالب في كلية العلوم السياسية - قسم قانون دولي في الجامعة الأميركية في القاهرة، فقد بصره في طفولته، وكان محظوظاً لأن أسرته مكنته من كل وسائل التعليم المتاحة، ومن بينها التقنيات الحديثة التي تمكنه من الاتصال بشبكة الإنترنت وقراءة ما تحويه المواقع المختلفة. لكنه يلفت إلى مشكلة كبيرة وهي أن برامج الكومبيوتر التي تمكّن المكفوف من قراءة المعلومات باهظة الثمن، ما يجعلها حكراً على الطبقات المقتدرة.
ويحمّل مدير إدارة البيانات والمعلومات في «إمرو» الدكتور نجيب الشوربجي المجتمع والشركات المُصنعة لبرمجيات الكومبيوتر، جانباً كبيراً من مسؤولية تمكين أصحاب الإعاقات تقنياً. ويشير إلى الأهمية القصوى للبرمجيات والوسائط التي تقرأ المعلومات الواردة على شاشة الكومبيوتر بصوت مسموع للمكفوفين أو تتيح للمكفوف إعطاء أوامر شفوية للكومبيوتر، وكذلك تلك التي تحول النصوص المكتوبة إلى نُسخ مطبوعة بطريقة «برايل». «هذه البرامج والتقنيات يجب أن تتوافر في شكل أوسع وأرخص لأصحاب الإعاقات الذين لا يكونون دائماً قادرين على شرائها».
ويتحدث منسق الأمم المتحدة المقيم جيمس راولي بكثير من السعادة عما رآه بعينه في مقر جمعية «رسالة» الخيرية في مدينة الإسكندرية حيث استقبله شاب كفيف بابتسامة كبيرة. وإمعاناً في التحية، أرسل له رسالة إلكترونية على بريده الإلكتروني مفاخراً بقدراته التقنية العالية.
وقال راولي: «التجارب التي شاهدتها بنفسي في جمعية رسالة تؤكد قدرة التقنيات الحديثة على مد يد العون إلى أصحاب الإعاقات، وعلى رغم أنها تجارب بالغة الإيجابية، إلا أن الكثير من العمل ما زال مطلوباً».
وساد المؤتمر القاهري عن الإعاقة شبه إجماع على ضرورة إدماج ذوي الإعاقات في المجتمع من خلال تسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق هذا الغرض باستعمال أجهزة الكومبيوتر الشخصية والإنترنت والهواتف المحمولة والتلفزيون التفاعلي. وأوضح جزائري أن مثل هذه التقنيات يمكن أن تساهم في إدماج ذوي الإعاقات في المجتمع في شكل بالغ الإيجابية، إذ طوّعت بالشكل الملائم.
في المقابل، تعاني معظم دول العالم العربي عدم توافر الإحصاءات الدقيقة للمُعوّقين، وغياب القاعدة المعلوماتية اللازمة عن أوضاعهم. من ناحية أخرى، أبدت «منظمة الصحة العالمية» قلقها من عدم توافر البنية الأساسية المناسبة لذوي الحاجات الخاصة، في المباني ومراكز الخدمات العامة، وأمكنة التعليم والعمل، ما يفاقم من أوضاعهم المتردية أصلاً. كما أن هذا التقصير الواضح في التخطيط في البنية الأساسية يعكس موقف تمييز ضد هذه الفئة.
ومن مقعده المتحرك، تحدث أحد الحاضرين عن الصعوبات الجمّة التي يواجهها كلما اضطر للذهاب إلى أحد مكاتب البريد وهي غير مؤهلة لاستقبال المقعدين. وتعكس هذه المشكلة حجم المعاناة التي يعانيها أولئك في وسائل المواصلات العامة، والمصالح الحكومية، وحتى للتحرك في الشوارع التي يخلو معظمها من رصيف يصلح للسير.
إن ما يحتاجه أصحاب الإعاقات هو الاعتراف بأن لهم حقوقاً يجب أن يوفرها المجتمع في المحيط والبيئة التي يعيشون فيها. وهم ليسوا في حاجة إلى مزيد من الاتفاقيات والتشريعات، ولكنهم في حاجة إلى الاعتراف بهم وبإنسانيتهم المهدورة. كذلك هم في حاجة إلى تفعيل الخطط والبرامج التي يتردّد ذكرها كثيراً على ألسنة المسؤولين.
ومن الأمثلة على ذلك، خطة العمل الخاصة بالإعاقة وإعادة التأهيل (2006 – 2011) الصادرة عن «منظمة الصحة العالمية» والتي تهدف إلى تعزيز جهود انتاج خدمات التقنيات المساعدة وتوزيعها وإنتاجها. والمطلوب أيضاً تعزيز الأبحاث الخاصة بالتكنولوجيا المساعدة وتسهيل نقلها، مع تبادل الخبرات عربياً حول أفضل الممارسات في هذا المجال، وهي الخطوة التي لاحظها المؤتمر القاهري عن الإعاقة.