د/عبدالعزيز المقالح* -
العرب بين عصر الحَمِيْر وعصر السيَّارات
تتردَّد في الأوساط السياسية، كما هُو في الأوساط الشعبية - ومُنذُ وقتٍ ليس بالقصير - العبارة التي ينسبها البعض إلى مُوشي ديَّان، السياسي والعسكري الإسرائيلي المعروف، والتي كان يُعبِّر بها عن الخوف على كيان دولته اللَّقيطة من استقامة نظام المُرور في شوارع القاهرة، باعتبارها أهمّ عاصمةٍ عربية، وباعتبار نظام السير في الشوارع علامةً بالغة الأهمِّيَّة على استقامة أو فوضى أيّ نظام، سياسيٍّ واقتصاديّ، في أيِّ بلدٍ في العالم.
وسواءٌ أكان مُوشي ديَّان قد قال هذه العبارة أم أنَّها قيلت على لسانه، فإنَّها تُعبِّر عن حقيقةٍ لا ينبغي إغفالها أو إهمال ما تكُنّ دلالاتها من أهمِّيَّةٍ في تحسُّن أوضاع المُرور، في مصر أو في بقيَّة الأقطار العربية، وانعكاس ذلك على أوضاعها العامَّة، من استواءٍ أو انحراف.
وَمَنْ ينظر إلى واقع الشارع العربي وما يعتريه من فوضى وعشوائية ومن مُخالفاتٍ في السير وما يصدر عن تلك المُخالفات من ضحايا، يُدرك تماماً أنَّ الحالة تعكس نفسها على كثيرٍ من الوزارات والمُؤسَّسات، وعلى ما تُعانيه من فوضى واضطرابٍ أضحى من الوضوح بمكان، كما أنَّ مَنْ يُراجع إحصائيات الوفيَّات في بلادنا، الناتجة عن حوادث السيَّارات، يُدرك - أيضاً - أنَّ الضحايا أكثر عدداً ممَّا يُقدِّمه الشعب الفلسطيني من ضحايا، سعياً لاسترجاع حُقوقه المُغتصبة والخلاص من قبضة الاحتلال والاستيطان الصهيوني، وهذه مأساةٌ بكُلِّ ما في الكلمة من معنى، إذ كيف يدفع شعبٌ كُلَّ هذا العدد من الضحايا بلا حربٍ ولا هدفٍ نبيلٍ يستحقّ بعض هذا النزيف اليومي المُستمر، 2500 وفاة حسب إحصائيات المرور في هذا البلد خلال العام الحالي 2007م فقط.
وَمَنْ يُدقِّق في أسماء المُتوفِّين جرَّاء حوادث السير في اليمن، يعتصر قلبه حُزناً عندما يتذكَّر حجم الخسارات الفادحة التي جعلت الوطن يخسر عدداً غير قليلٍ من أهمِّ رجالاته وقياداته، السياسية والعسكرية، وهُو ما كان كافياً لإعطاء موضوع المُرور والسير على الطُّرقات الطويلة اهتماماً أكبر، فضلاً عن أنَّه جديرٌ بأن يستثير الكثير من رُدود الأفعال الإيجابية الهادفة إلى وضع المُشكلة أو - بالأصحّ - المأساة، في مكانها الصحيح من برامج الدولة واهتمامها بمُواطنيها، صغاراً أو كباراً، مدنيين أو قرويين، وأوَّل الحُلول المطروحة يتمثَّل في منع قيادة السيَّارات لِمَنْ لا يحصلون على رُخصة القيادة بعد تدريبٍ وفحصٍ للقُدرات ومعرفة حالة التوازن النفسي للسائق.
ولقد حدَّثني أحد الضُّبَّاط الجادِّين في إدارة المُرور، بأنَّ (90%) - إن لم يكُن أكثر - من سائقي السيَّارات، وفي القُرى بخاصَّة، لا يحملون رُخصاً للقيادة ولا يعرفون شيئاً عن أجهزة السيَّارات التي يقودونها، وأنَّ علاقتهم بها لا تختلف كثيراً عن علاقتهم بالحَمِيْر!
يُضاف إلى هذا الحلّ، حلٌّ آخر، وهُو النظر إلى أوضاع الطُّرق الطويلة، والقديمة منها بخاصَّة، مثل طريق صنعاء - الحُديدة، وصنعاء - تعز، وما اعتراها في السنوات الأخيرة من تقشيرٍ وحفرٍ ومطبَّات، مع توفير مراكز صحِّيَّةٍ صغيرةٍ وسيَّارات إسعافٍ ودورياتٍ لمُراقبة المُتهوِّرين وعُشَّاق المُغامرات والمُخالفات، وما أكثرهم.
يُضاف إلى ذلك ضرورة منع الأطفال من قيادة السيَّارات، وإصدار قانونٍ حازمٍ يقضي بمُصادرة السيَّارة التي يقودها طفلٌ، حمايةً له وإشفاقاً على والديه من ذهابه إلى المقبرة قبل الأوان، كما لا يصحّ - كذلك - لبعض السائقين أن يتباهوا بأولادهم - ومنهم الأطفال - حين يضعون هؤلاء الأطفال في أحضانهم وهُم يسوقون السيَّارات وأيدي أطفالهم على مقود السيَّارة.
وفي تقديري - كما هُو في تقدير العُقلاء - أنَّ اعتماد هذه الحُلول والعمل على تنفيذها، في الواقع وليس على الورق، كفيلٌ بأن يُنهي ظاهرة هذا الموت المجَّاني ويُخفِّف من نزيف النفقات لعلاج آلاف الجرحى والمُصابين، ضحايا جُنون السير وحماقاته.
حقَّاً، إنَّ المرء ليحزن أشدّ الحُزن ويُساوره كثيرٌ من الوساوس تجاه العجز المُزمن للإنسان العربي حتَّى عن التعامل مع المُخترعات الحديثة، فضلاً عن المُشاركة في صُنعها أو ابتكار بدائل عنها، وهُو ما سيجعلنا - دائماً وأبداً - تحت رحمة هؤلاء الذين لا يتعالون علينا فحسب، بل ويسخرون من واقعنا المُتخلِّف العاجز.
«النسْوية» ... كتابٌ جديدٌ للأُستاذ الدُّكتور رياض القرشي
< العنوان الكامل للكتاب هُو «النسْوية ... قراءةٌ في الخلفية المعرفية لخطاب المرأة في الغرب»، والأُستاذ الدُّكتور رياض القرشي من الأكاديميين المُتميِّزين في أبحاثهم ودراساتهم العلمية ومُتابعتهم للجديد والأحدث في مجال الاتِّجاهات الأدبية المُعاصرة.
وتُشير سُطورٌ من المُقدِّمة إلى أنَّ هذا الجُهد العلمي يسعى إلى أن «يتّصل بالنُّصوص ذات التأثير، ثُمَّ بالنُّصوص (التجلِّيات) اللاَّحقة في التجربة البشرية في الغرب» ... الكتاب من منشورات دار حضرموت للدراسات والنشر.
تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة :
إلى أين يمضي بنا
قائد المركبات
إلى واحةٍ من
سلام النفوس ووحدتها
أم إلى جبلٍ ليس يعصم أبناءَه
عاصمٌ من هلاكْ؟!
تشرب الصمتَ أرواحنا
ونصلي بلا أملٍ
في انتظار الملاكْ!
*عن الثورة