د/ رؤوفة حسن -
الانترنت والقوى المؤثرة
قال لي متسائلا عن علم ومعرفة: لماذا تكون اليمن أقل بلدان العالم استخداما للإنترنت؟ وقالت لي أخرى متسائلة عن علم ومعرفة: لماذا تكون اليمن في مؤشرات العدل الاجتماعي بين الرجال والنساء هي آخر البلدان في القائمة؟ وقلت لنفسي ها نحن نبدأ من جديد في داخل البلاد نتناقش ونتفاوض ونغضب من الأخ وابن العم، والآن في خارج اليمن علينا أن نكون على الغريب مهما كانت قسوة القريب.
وأمر الرد على انخفاض نسبة المستخدمين للانترنت بسيط، فهي في اليمن الخدمة الأعلى في العالم. ومن الصعب أن تصبح هذه الخدمة الغالية الثمن جزءاً من الحياة اليومية للناس، وبالذات للجيل الجديد الذي يمثل في كل العالم المستهلكين الأصليين لها. لكن السائل لا يكتفي بهذه الإجابة فهو باحث مطلع لكنه أدبا يرغب في الاستماع إلى أي وجهات نظر أخرى إن وجدت. لذلك يسأل ولماذا لا تدعم الدولة هذه الخدمة فتقوم بـ"ترخيص" ثمنها، أو تقوم بفتح الباب لمزودين بالخدمة من القطاع الخاص يستطيعون أن يقدموها بأسعار منافسة.
قلت أنني أعرف أن وزارة الاتصالات تدرس حاليا تقديم قانون ينظم الحق في التراخيص للشركات قد يصدر في مطلع العام القادم.. يقول الباحث ربما أن المشكلة في تخوف الحكومة من الحرية والقوة التي تمنحها هذه الوسيلة للناس الذين يجيدون استخدامها. أقول له ربما تكون الحكومة غير متخوفة من هؤلاء بل قلقها أكبر من أولئك الذين لا يجيدون استخدامها، ويعتبرونها وسيلة عبث وتضييع وقت.. ينتهي النقاش ليس لأن الباحث قد اكتفى بل لأن الجلسة الثانية من وقائع المؤتمر قد أوشكت على البدء، وهو سيقدم ورقته خلالها.
نحن تحت النظر:
هو باحث نرويجي متخصص في شؤون العالم العربي، من دراسة الجماعات المهاجرة من السوادنيين التي تعيش في مصر إلى قضايا حل النزاعات عند اختطاف بعض السياح أو العاملين في مشاريع التنمية في اليمن. وهو هنا يعرض ورقة عن تطور استخدام الانترنت في العالم العربي كدراسة مقارنة بين استخدام منظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الجهادية والتي يسميها الغرب "إرهابية"، واستخدام الشباب الأفراد لهذه الوسيلة.
وبحثه لا يقوم على أساس الاستخدام للانترنت كمستهلكين بل كمنتجين للمواقع والنقاشات والصور والأفلام التي تؤثر على صناعة الرأي العام العالمي، توسع مساحات التواصل بين الناس. وهكذا يتضح أن الفترة الواقعة بين عام ألفين عندما بدأ البحث كانت الاستفادة من الانترنت في المنطقة محدودة وكان التواجد للجماعات الجهادية متساويا مع جماعات حقوق الإنسان إلى حد كبير خاصة وأن التركيز على اللغة العربية هو السائد وبالتالي مساحة التبادل كانت متاحة لمتحدثي هذه اللغة بالذات من اصحاب هذه المواقع.. ولكن الأعوام التي تلت حتى الآن تغير فيها المعدل إلى عدد أعلى من مشاركات الجهاديين بالذات في توصيل المعلومات عن عملياتهم الميدانية القتالية وتصويرهم للانتحاريين في مواقع الأحداث قبل العمليات وبعدها، ثم تفاصيل الدفن والأغاني الدينية المحفزة على هذا النوع من القتال.
وأغلب هذه الرسائل هي التي تصل إلى قنوات كالجزيرة ويتم بثها على جمهور أوسع. كما تخضع هذه الرسائل لكثير من الاهتمام من أغلب قوى الأمن في العالم. وفي نفس الوقت فإن مواقع حقوق الإنسان تتطور أيضا في تغطياتها ولكن بدرجة أقل وتأتي المبادرات على الانترنت من قبل أشخاص بمفردهم يملكون كاميرا فيديو أو كاميرا هاتف فيلتقطون حوادث يرسلونها عبر مواقع شهيرة على الانترنت يقلبون بها الطاولات على اصحابها، كحوادث عمليات التعذيب في بعض أقسام الشرطة في العالم العربي تؤدي إلى صخب الرأي العام العالمي وتنتهي إلى تحمل الجهات المسؤولة ضرورة التحقيق والتأكد من صحة الوقائع.
فإذا كان موقع الشخص خاضع لمزود خدمات محلي تمكنت هذه البلدان من حجب الموقع ومنعه من البث، فيقوم الأشخاص عبر البريد الإلكتروني بإرسال التفاصيل على قائمة كبيرة أخرى من الأفراد بما يسمح بتوفر قنوات بديلة للبث ولنشر وممارسة حرية التعبير ونقل المعلومات.
وفي الدراسة المذكورة يجد الباحث أن السنوات الثلاث الأخيرة شهدت تسارعا كبيرا في استخدام العرب الشباب لقدراتهم على وضع أفكار وبرامج وأغان واستخدام الصور المتحركة التي تصنع في اليابان بطرق جديدة تتناسب مع وسائل ترفيه مغايرة، وذلك على نحو متزايد في الاتساع. والأمر الأهم هو أن الاستخدام الواسع والتفاعلي للانترنت في العالم العربي يظهر على نحو أكبر في مصر وفي السعودية.. وبالطبع فقد كانت اليمن في آخر القائمة.
آخر القائمة يتتابع:
بعض الحاضرين في هذا المؤتمر الأكاديمي عن التحولات في الشرق الأوسط قالوا مجاملين لي بعد الاستماع إلى الباحثة التي تحدثت عن أن اليمن هي في آخر قائمة الدول في العدل الاجتماعي بين الرجال والنساء، أن المعلومات لابد أن تكون منطلقة من مؤامرة. اكتفيت بابتسامة أسى ولم أعد ملزمة بالدفاع عن ابن عمي ضد الغريب. لكن الحقيقة أن الحكومة واللجنة الوطنية للمرأة في اليمن مطالبتان بمناقشة هذه المؤشرات غير العادلة، فهي متبادلة على الانترنت بشكل كبير.
[email protected]
*عن الثورة