دبوان عبدالقوي الصوفي - نيوزيمن -
جدوى الاستمرار بإصدار سندات الخزانة؟!
سندات الخزانة إحدى الوسائل الاقتصادية إلهامه التي عاده ما تلجا إليها الحكومات لمعالجة العجز الظاهر في موازناتها السنوية ؛؛ وتكمن أهمية هذه الو سيله بتعدد أوجه الفائدة الاقتصادية المرجوة منها إذا ما أحسن تقدير توقيت استخدامها بناء على ظروف الواقع الاقتصادي ؛ فهي إلى جانب كونها بديل مناسب للاقتراض الأجنبي بفوائده المرهقة بالعملة الأجنبية وسيله لضبط الأسواق ألمحليه عند مستوى معين من تكافؤ العرض والطلب وبما يسهم من تعزيز ثبات الأسعار والتخلص من أي إشكاليات ناتجة من ارتفاع الطلب عن العرض عبر توجيه فائض الأموال باتجاه ادخارها بالسندات ألمغريه بضمانتها ومعدل فائدتها المرتفع ........
لكن أهميتها الأساسية تكمن بكونها وسيله مناسبة لسد عجز موازنة الحكومة بالاقتراض الداخلي الأخف وطأة من الافتراض الخارجي ؛؛ على اعتبار أنها بالنسبة لجذب المدخرات ليست عمل استثنائي تقوم بها الدول في ظل سوق مفتوحة تتسابق فيه البنوك بمختلف أنواعها على جذب المودعين وبأسعار فائدة تزيد عن الفائدة التي تمنحها الدوله عن إصدارات سندات الخزانة...
.. لكن وبرغم أهميه هذه السندات بالنسبة للحكومة فان الإفراط باستخدامها وتحت مبرر سد عجز موازنة الحكومة فقط ودون مراعاة للظروف الاقتصادية من شانه خلق الكثير من الإشكاليات التي قد تعيق العملية التنموية للبلد ككل؛ وهو الواقع الذي يبدوا إننا قررنا وبمحض إرادتنا الخوض في غماره ....
... منذ العام 94م أي بعد حرب الانفصال واجهت الحكومات المتعاقبة الكثير من الصعوبات الناتجة من ارتفاع العجز في موازناتها السنوية نتيجة لالتهام الحرب لمقدرات البلد بما فيها الاحتياطي النقدي من العمله الأجنبية بالبنك المركزي والذي وصل حينها إلى مستوى كان يمكن أن يشل أوضاع البلد والدخول في حاله فوضى دائمة..
وقتها لم تكن الخيارات المتاحة أمام الحكومات المتعاقبة كثيرة إن لم تكن معدومة للمحافظة على مستوي ثبات معين للاقتصاد الكلي ولم يكن الاقتراض الأجنبي كافيا بمفرده لسد العجز خاصة وان هذا الاقتراض مشروط بالاستثمارات والبنى التحتية التي من شانها دفع عجلة التنمية إلى الأمام لتلجا الحكومات حينها إلى الإصدار النقدي دون ضمانات فعليه أو احتياطات أجنبية لسد عجز النفقات التشغيلية وهو الأمر الذي خلق حاله تضخم جنونية لسعر العملة المحليه مقارنه بالعملات الأجنبية وكان يمكن تقبله إذا ما كان معقولا نظرا للظروف التي مرت بها البلد ؛؛ لكنه و بحالة التصاعد الجنوني المستمر لم يكن سوى تعبير عن حاله فوضي عارمة تسود الجهاز الإداري المتضخم والمليء بالفساد فخلال ثلاث سنوات فقط ارتفع سعر الريال مقابل الدولار من 70ريال مقابل الدولار الواحد في العام 94م إلى180ريال تقريبا مقابل الدولار في العام 98م ولم يكن هذا الارتفاع المتصاعد حينها سوى مؤشر هام لحاله انحدار اقتصادي تعانيه مؤسسات البلد ككل ....
الغريب والعجيب في الأمر أن أي من الحكومات المتعاقبة خلال تلك الفترة لم تفكر ولو لمرة في خفض نفقاتها التشغيلية خاصة وإن ذالك كان متاحا ويمكن أن يسهم بشكل كبير في الحد من ظاهرة التضخم الجنونية ..
..عوضا عن ذلك لجأت الحكومات حينها إلى الاقتراض الداخلي عبر سندات إذنيه يصدرها البنك المركزي نيابة عن وزاره المالية كحل أمثل للمحافظة على مستوى ثابت لسعر الريال مقابل الدولار وهو أمر يمكن القول أن الحكومة حينها نجحت إلى حد ما في ذلك على الرغم من استمرار تذبذب سعر الريال أمام العملات الأجنبية ؛ لكنه كان بسيطا ويمكن إيعاز أسبابه إلى استمرار حالة الركود الاقتصادي واختلال ميزان المراجعه الخارجي لصالح الواردات إلى جانب حالات تسرب الأموال الناتجة من ضعف قدرات واليات المؤسسات وانتشار الفساد بين أرجائها...
وفي كل الأحوال فان لجوء أي حكومة كانت إلى وسيله معينه لسد عجز موازناتها السنوية هو في الأساس حل آني لمواجهه ظروف وقتيه وبهدف تجاوز المرحلة للوصول إلى مستوى الاكتفاء الذاتي وبما يجعل من موازنة الدولة السنوية في غنى عن مديونيات ترهق كاهلها بفوائد متراكمة إن لم يساهم هذا النمو في تحقيق فائض من شانه خلق حالة استقرار اقتصادي تام لتسهيل مهام حكومات قادمة.
قد يكون الطرح النظري بسيطا بسرده لكن إشكالياته العملية تظل معقده؛ إذ أن الانتقال من حالة الركود الاقتصادي إلى حالة النشاط يتطلب استراتيجيات بعيده المدى تقوم عليها وتحرسها حكومات مقدره لأهمية دورها وأجهزه إدارية على مستوى عالي من التأهيل والقدرات والفاعلية ومناخ استثماري آمن وخالي من شوائب الفساد والاسترزاق وتسهيلات عالية، وجوده في الأداء وبما يتناسب مع وضع سياسي يتسم بالاستقرار.. وهي أمور مفقودة بالجملة لدينا دون أن نبرر لحكوماتنا المتعاقبة الاستمرار باللجوء إلى وسائل متعددة لسد عجز الموازنة وكأن الأمر ليس سوى عادة، دون مراعاة ما يمكن أن يحدثه ذلك من إشكاليات اقتصاديه ومالية على السوق المحلية المحكومة بمناخ رأسمالي ارتضته الحكومة ذاتها؛ وبالتالي فان الوصول إلى مرحله الاكتفاء الذاتي لم يعد بحاجه إلى المزيد من التريث أو خلق الأعذار مهما كانت الصعوبات..
القضية الآن إننا بمرحله لم يعد متاحا فيها الاستمرار أكثر بإصدار سندات الخزانة نظرا لتأثيرها السلبي على التنمية إلى جانب تراكم أعباء فوائد الدين المحلي والذي أصبح أحد مصادر الضغط على الموازنة؛ وهو ما حذر منه الدكتور/عبدالله السنفي رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لدى استعراض مجلس النواب في جلسته بتاريخ 30/10/2007م لبيان الرقابه السنوية عن الحسابات الختامية لنتائج الموازنة ألعامة للدولة بشقيها المركزي والمحلي إذ أشار إلي أن النجاحات التي حققتها السياسات النقدية في الفترة السابقة والتي ترتكز على المحافظة على الاستقرار الاقتصادي من خلال أدوات متنوعة في مقدمتها سندات أذون الخزانة لا تلغي حقيقة أن كلفتها انعكست سلبا بارتفاع أعباء الدين المحلي كما انعكست بصوره مباشره على تدني الدور التنموي للجهاز المصرفي الذي فضل التوجه نحو أذون الخزانة كوعاء آمن بدلا من ممارسه دوره الائتماني في إقراض القطاع الخاص وهو ما انعكس سلبا بطبيعة الحال إلى جانب عوامل أخرى علي دور هذا القطاع في قيادة العملية التنموية في بلادنا..
وهو ما يفرض علينا البحث عن مسببات ما يجعل غالبيه البنوك العاملة إهمال دورها الأساسي والتحول إلى وسيط بين جمهور المدخرين والدولة ممثله بالبنك المركزي؛ خاصة وأن هذه الأموال التي تلجأ البنوك التجارية إلى توظيفها لدى البنك المركزي عبر سندات الخزانة لم تكن فائض عن حافظتها الائتمانية الأمر الذي انعكس سلبا على الاستثمار المحلي الذي افتقد الأموال الكافية واللازمة لتمويل نشاطاته على اعتبار إن البنوك ركن أساسي في رفع مستوى الاستثمار بأنواعه وهو ما بدا ظاهرا وجليا من خلال تذمر القطاع التجاري من صعوبة وتعقيدات الإقراض من البنوك التجارية؛ الأمر الذي قلل من فاعليه نشاطاتهم إن لم يكن قد حكم على الكثير منها بالموت قبل أن تبدءا..
والسبب في ذلك يعود إلى نسبة المخاطر المرتفعة للائتمان المصرفي في السوق المحلية ابتداء من ضمانات مهزوزة مرورا بمتابعه مرهقه لتحصيل هذه القروض وبما يجعل من فائدتها حتى وان كانت مرتفعه نسبيا عن أذون الخزانة؛ إلا أنها متناقصة بفعل مصروفاتها الطويلة إلى مستويات صفرية؛ ناهيك عن واقع القضاء الذي ساهم من جانبه بارتفاع حافظة الديون المتعثرة في العديد من البنوك؛ وهو واقع لا يبدو مشجعا للعمل المصرفي..
قد يبدو الأمر معقدا بالفعل مابين خيارات سيئة هناك وأسوء هنا خاصة وان هناك تأكيدات تتحدث عن إفلاس ما لا يقل عن بنكين تجاريين في حالة إذا ما قررت الحكومة توقيف سندات الخزانة..
وهو ما يقودنا إلى التساؤل عن جدوى الاستمرار بإصدار هذه السندات التي أوجدت واقع مصرفي بهياكل مفرغه ولا معنى لها؛ والأهم من ذلك أنها أحالت مسار النقد المتداول من تفاعل ونشاط استثماري كان يمكن أن يحدث حراكا من شأنه تخفيف على الدولة من عديد الأعباء، إلى مجرد نقد ميت ومرهق بفوائد تراكمية عالية