د/ رؤوفة حسن -
حركة اجتماعية بدون قيادة
يقول البروفسور عاصف بيات، الايراني الأصل والهولندي الجنسية، أن حركات مجتمعية تتطور لا تشبه الحركات الاجتماعية ذات القيادة الواضحة، هي إحدى سمات المجتمع السلطوي المعاصر في الدول النامية بما فيها تلك التي تدعي أنها في طريق الديمقراطية.
جاء ذلك خلال ورقته التي قدمها في مؤتمر عن التحولات في الشرق الأوسط، انعقد في برلين. وقد أثارت الورقة نقاشاً كبيراً بين الخبراء والأساتذة الحاضرين من أوروبا ومن دول المنطقة. فهو يسمى ما يصفه بكلمتين متناقضتين (اللاحركة)، وذلك يعني بالنسبة للمشاركين أن انعدام الحركة يعني الجمود والتوقف. أما هو فيقول إن هناك حراكاً وليس جموداً لكنه مختلف عما يصفه عادة علماء الاجتماع والسياسة بالحركة الاجتماعية التي تكون لها ملامح واضحة وتصب في خط معلن ولها قيادات تربط بين أعضائها، ويتحدث المشتركون فيها عن خطواتهم وعن نواياهم بشكل معلن.
وضرب لهذا النوع من الحراك عدد من الأمثلة منها مجموع الناس الذين يأتون من الريف للعمل داخل المدن، فلا يجدون متسعاً سوى ساحات الأسواق وأرصفة الشوارع التجارية، يبيعون ما يستطيعون ويواجهون ظروفهم اليومية، بما تأتي به. وهم لا يعرفون بالضرورة بعضهم البعض لكنهم يهبّون لنجدة أحدهم بمجرد وقوعه في ورطة مع الشرطة أو مع موظفي البلدية.
هؤلاء الناس يتشابهون في كثير من التفاصيل الحياتية، ولا يملكون متحدثين شخصيين باسمهم، ولا يمثلون حزباً وليس لهم مقرات اجتماعات أو مواقع لقاء غير مكان العمل. لكنهم حركة مجتمعية بدون شروط الحركة.
نساء ورجال في اللاحركة:
يذهب الأزواج إلى مجال أعمالهم وإذا كانوا يملكون وسيلة مواصلات يوصلون زوجاتهم إلى وظائفهن، ويعودون معهن إلى المنزل، ويتعاونا معاً في تحضير وجبة يومهم، يواصلون بقية يومهم في الغالب في العمل الثاني الإضافي لزيادة دخلهم وتغطية تكاليفهم الحياتية. قد يكون لديهم أطفال فتزداد أعبائهم، ويستمرون في الجهد حتى ينهي الأطفال واجباتهم المدرسية ويذهبون إلى النوم.
ويبدأ اليوم الثاني كسابقه، تسافر نسائهم إلى مدن أخرى للتدريب أو التدرب، يذهبون هم في مهمات حيثما كلفتهم جهاتهم، وتقوم نسائهم بمهمات البيت والوظيفة كما لو كانوا حاضرين.
حركة مجتمعية ناتجة عن تغير ظروف الحياة، يأتي الأخ لتوصيل أخته أو الأب أو الزوج إذا كان عملها يحتّم تأخرها في المساء، يتشاركون ولا يطرح أحدهم أو حتى يتصور أنه جزء من حركة مجتمعية مختلفة عما كان سائداً، لأن أحداً لا يتحدث عنهم أو باسمهم، لا أحد يطالب بحضانات لأطفالهم قبل سن المدرسة، ولا جهات تمثلهم كعائلات جديدة في ظروف تقسيم عمل قديمة لتخفف عنهم. فهم جزء من حركة جديدة لكنها بدون قيادة.
الحركة السياسية الكامنة:
كان المتقاعدون العسكريون قد عاشوا حياة صعبة لفترة طويلة، وكانوا قد كيّفوا حياتهم بأشكال متعددة كامنة ومستسلمة، حتى تشكلت لهم جمعيات، وصارت لهم قيادة. هنا تغيرت اللاحركة لتصبح حركة سياسية وحقوقية لها ملامح ومتحدثين وقدرة تفاوضية.
أولئك الذين انحدروا من جبال ومرتفعات إب وتعز وصعدة وتوجهوا بعد الوحدة للعمل، حاملين رأسمال صغير فتحوا به بقالات ومتاجر وورش في مختلف المحافظات التي تعاني من نقص الخدمات في مختلف أنحاء الجمهورية وخاصة في المناطق الجنوبية والشرقية وحتى آخر تخوم جزيرة سقطرى.
هؤلاء يمثلون اليوم ثقلاً كبيراً لحركة كامنة، لا أحد يتفاوض بإسمها، ولا أحد يتحدث عن حقوقها، ولا يبدو عليها أنها تبحث عن قيادة. عندما امتدت بعض الأيدي تقذف محلاتهم بالحجارة أو تحملهم مسؤولية نظام سياسي وكأنهم يمثلونه، صار باب رزقهم مهدداً وصاروا في حالة كمون تبحث عن قيادة.
لو كانت في بلادنا أحزاب حقيقية لكان هؤلاء وحقوقهم فرصة لتحويلهم إلى حركة تفاوضية. بنفس القدر لو كانت في بلادنا حركة نسوية لكان تغير حياة الناس أداة قوة للحركة.
ما يمكننا قوله هو أن ليست هناك حاجة للثورة أو التثوير، فالحياة تسير، والناس يختطون لأنفسهم ما يرونه صالحا، ثم يأتي بعد ذلك المنظرين ليقولوا إن الساحة خالية ومجال الخيالة متاح.
الأمور على الأقل في العيد هادئة ضمن نظام الكمون، فكل عام وأنتم بخير..
[email protected]
*عن الثورة