أمين الوائلي -
وأخيراً "زعامة الفوضى" يتنازعون الغبار!!
بعض الجنون أهون من بعض، وأنا أعرف أن الجنون فنون، إلا أن البعض يفوته هذا الوصف أو يزهد فيه سهواً أو عمداً ليجترح نوعاً من المغامرات الطائشة التي تتمرد حتى على القواعد المتعارفة لعقلاء المجانين.
لا يعرف المرء كيف يتعامل مع مظاهر وحالات زهدت حتى في الجنون بشرف؟ فهذا رجل عدم كل طريقة للتعبير عن آرائه وقناعاته إلا من طريق اعتساف آراء التاريخ وقناعات الجغرافيا حيال قضية مباشرة وصادقة بالمرة وهي قضية ترتبط بحق أمة من الناس وليس نفر من أصحاب الطموحات التي تخلط ماء البطولة بزيت الباطل وغبار البطالة المقنعة، في الحياة المشتركة ضمن هذا الحقل الوطني الواحد، وتحويل القضايا عن مجراها الطبيعي من كونها قضايا مطلبية بحتة إلى دعايات تروج للخراب والعصيان وتعمل سكاكينها في جسد العيش الوطني المشترك.
لقد انكشف مستور "النضال" المزعوم كاشفاً وراءه عن مصالح متضاربة وزعامات متكالبة على حق الامتياز الحصري في تزعم الصخب واعتلاء واجهة الفوضى مع الأيام سرعان ما انقلب السحر على متعلميه غير الحاذقين، وها هي والخلافات تعصف برموز حركة التحريك والتحريض، وبتنا على موعد مع فكاهة مرة, وليس بملك أحدهم وسيلة للتراجع أو سبباً للتخلي عن حق الريادة والقيادة ومنازعة الآخرين إلى جواره صفة القائد الجماهيري وصاحب امتياز التحريك والتحريض والتحدث باسم الجموع المساقة إلى لعبة فوضوية أبطالها يتنازعون النضال ويتبادلون الردح والاتهامات النابية.
من غير المفهوم بدرجة أساسية كيف أن المصالح تشتبك حتى في حالة الصخب والتهريج ومكاثرة الضوضاء باسم الاعتصامات والنضال المقرون بأزمات مفتعلة لا تفرق بين عقل وعقال؟ وما يحدث الآن هو ما سبق وحذرنا منه: الذين تسارعوا إلى حشد الشكاوى والمظالم المحقة لعدد غير قليل من أصحاب الحقوق والمظالم هنا وهناك، إنما بطريقة انتهازية أرادت هؤلاء وقوداً ليس أكثر من ذلك، في عملية تأزيم واسعة ومتضاربة الحسابات، هم الآن يحتشدون في مواجهة بعضهم البعض بطريقة انتهازية مشابهة.
هذه المرة يتنافسون في ما بينهم على تنازع حق القيادة والزعامة والبطولة ولست أدري على ماذا؟
المهم أن سيل الاتهامات المتبادلة والبيانات التخوينية - وربما وصل الأمر إلى حد الاتهام بالخيانة العظمى للقضية، فقط السؤال هو: أية قضية تحديداً؟ لا إجابة ممكنة أو واحدة في أقل الاحتمالات فداحة!- هو السيل الذي أعقب غبار الموسم الصاخب بالجلبة والنضال الفوضوي الخلاق!
لا أملك وأنا أقرأ وأتابع بيانات الردح والقدح واتهامات التخوين والردة وإدعاء كل فرد وطرف في هذه الزوبعة أسبقيته في تبني القضية وأحقيته في تزعم الضوضاء، إلا أن أزجي بالغ تأسفي على العمياء التي راحت تكحل مجنونة فأيهم هذه؟ وأيهم تلك؟ يبدو أن الفرق غير مهم في حالة النضال الأعمى والمكتحل بالجنون.
وإذا كان بمقدورهم فض الاشتباك والتوافق في ما بينهم حول اقتسام زعامة الغبار وقيادة الشغب والصخب وترؤس مظاهر أو مظاهرات الضوضاء فهل يمكن أن تقبل أحزاب المشترك التخلي عن طموحها المحموم في ترؤس أي حاجة وتزعم أي شيء - إن شاء الله حتى مظاهرة، إذا لم يتيسر أفضل من ذلك، كالبلاد مثلاً - هل تتنازل عن طموحها لمصلحة أفراد راحوا ينازعونها ملكية "التحريك"؟
أم هل يقبل أفراد يقدمون أنفسم رموزاً وقيادات تجملها الأخبار ويخدعها بريق الشهرة - في أي شيء دون اعتبار لقيمته ومحتواه - في زحمة النضال الموسمي الرائج، هل يقبلون التنازل عن متعة التصدر والزعامة لمصلحة أحزاب راحت تنافس وتنازع هؤلاء على ملكية "التحريض"؟
تفقد القضايا قيمتها وألقها إذا هي صارت متجراً يتقاسم الفرقاء غلته أو غنائمه المفترضة، ويختلفون آخر النهار حول من يستحق صفة "الباشت"؟!
هذا في حال كانت القضايا حقيقية ونزيهة، فما بالنا إذا لم تكن ثمة قضية؟ إلا القضاء على الملل والبطالة واستجداء الزعامة في غبار المسيرات وضوضاء المظاهرات التي يرادلها أن تظل هكذا إلى ما لا نهاية وكأنها جرحاً مفتوحاً في جسد البلاد يتغذى عليه المناضلون الجدد والذين هم القدامى أنفسهم!.
لم تعد لهم قضية بعد اليوم بل ولم تكن لهم أول الأمر، ما هي قضية أناس حركوا وحرضوا على المظاهرات والمسيرات وسريعاً راحوا يخونون بعضهم ويتبادلون النضال على صفة الرجم بالردة والخيانة؟
قد أجد الأمر مناسباً لأقترح على طرفي النضال المحتدم بين الأحزاب والأفراد هناك في سوق "النضال السلمي" كمخرج توافقي يفض النزاع بينهم وينهي جدل الخيانة والبطولة معاً:
أنتم تروحون القسم وتدعون الشرطة هي من تنظر في الخلاف وتقرر آخر الأمر من هو البطل وصاحب دكان التحريك والتحريض؟! أو لستم تؤمنون بالقانون والاحتكام للمؤسسات، كما تزعمون؟ إذاً روحوا القسم.. وأمركم لله.
شكراً لأنكم تبتسمون.
Ameen 101 @maktoob.com
*يوميات الثورة