المؤتمرنت -
بدعة (التوافق) ومنطق (التعطيل)
يصل التطرف أو التعصب بصاحبه إلى حدود متداخلة مع السوء أحياناً، ومع التغابي أحياناً أخرى.. ولا يعدم شاهد الحال واحدة أو أكثر من الحالات التي تجعل المرء يترحم على اللياقة الأدبية والفكرية، المنعدمة تماماً لدى أفراد بلغ بهم التعصب حد اضطهاد عقولهم وإزهاق القدر المتيسر من الموضوعية في الطرح والنقاش، وصياغة القضايا أو التعبير عنها وتجاذب الآراء حولها.
واحدة من الحالات المشابهة يلخِّصها موقف الفرقاء في أحزاب اللقاء المشترك من مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدم به فخامة الرئيس علي عبدالله صالح وجرى حوله نقاش وطني موسَّع شاركت فيه مختلف الفعاليات الحزبية والمدنية والقطاعات الأكاديمية، وتفاعلت معها الأوساط الشعبية في المجتمع.
وإذا كانت التعديلات المقترحة قد وافقت قبولاً ورضىً كبيرين لدى الجميع، فإنها كذلك حظيت باهتمام ومباركة الكثيرين من الأشقاء والأصدقاء باعتبارها مدخلاً حقيقياً لتطوير شامل في شكل وآليات النظام السياسي، وصياغة نهائية لنوعية النظام بما يتوافق مع مجمل التطورات والتغيرات التي شهدتها اليمن وأنتجت تجربة سياسية وديمقراطية قادرة على التقدم بثبات وديمومة التطور مع العصر والعالم من حولها.
ولا يخفى على أحد أن مجمل النقاط العشر التي شكلت مشروع التعديلات الدستورية إنما جاءت من وحي وصميم البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، وهو البرنامج الذي صوت له الناخبون وحاز ثقة الجماهير أو الغالبية الكاسحة منهم في 20 سبتمبر 2006م.. ما يعني أن البرنامج صار إلزامياً بأمر الدستور وثقة الغالبية الشعبية والجماهيرية.
وعليه فإن أحداً مهما كان لا يستطيع المزايدة في هذا الجانب أو صرف الأنظار عن الأعراف والمبادئ الدستورية والديمقراطية الراسخة والمتجذرة في أكثر تجارب العالم تقدماً ونضجاً، وهي المؤكدة على احترام الناخبين وإمضاء التقاليد الدستورية وفق رؤية ديمقراطية تعطي المؤسسة البرلمانية كامل الحق والصلاحية في مباشرة النظر والنقاش حول التعديلات المقدمة وإجازتها لتعرض بعد ذلك على الشعب في استفتاء يمنح الجماهير الحق والسلطة النهائية في إجازة التعديلات أو رفضها.
إن الذين هربوا من جلسات الحوار الحزبي والسياسي وتهربوا من تحمل مسئولياتهم القانونية والوطنية في هذا الإطار، وذهبوا إلى إثارة الفوضى وتحريض الشارع وتحريك الأزمات غير عابئين بالآثار السلبية المترتبة على ذلك، وإنما أرادوا تعطيل الحياة السياسية أولاً.. وها هم اليوم يسعون في تعطيل الحياة الديمقراطية والمؤسسات المنتخبة وأولها البرلمان من خلال إيحاءاتهم ومغالطاتهم التي ابتدعت صيغة (التوافق السياسي) بدلاً عن المشروعية الدستورية والقانونية.. وكأنهم بذلك يريدون نسف التجربة وتعطيل البرلمان ومنح أنفسهم وأحزابهم السلطة الوحيدة في التحكم بالعملية الديمقراطية وتوجيهها بما يخدم أغراضهم وطموحاتهم الخاصة.
ليس الحديث عن بدعة التوافق السياسي إلا نوعاً من العبث والمراهقة البائسة.. ولن تتعطل القوانين والحياة الدستورية في البلاد لمجرد أنهم يريدون ذلك دون وجه حق أو مشروعية من أي نوع وصفة.
وإذا كان بمقدورهم العودة إلى جادة الممارسة الديمقراطية فعليهم أولاً الاعتراف بالحوار الموسع والمسئول، أسلوباً وحيداً وأمثل لمناقشة الآراء وحل كافة الخلافات بعيداً عن لغة الاستقواء أو الفرض المسبق، وهم مدعوّون الآن ودائماً إلى اغتنام فرصة الحوار والمشاركة في جلساته وفعالياته لضمان كافة الحقوق والواجبات التي لا يبرأون منها.
* عن المحرر السياسي لصحيفة (22 مايو)